مصر الكبرى
مصر ورأسمالية المحاسيب.. الصندوق الأسود.. قصة حسين سالم
أسامة عرابي شاع في أدبيات الاقتصاد الاجتماعي والتاريخ السياسي الغربي في عقد التسعينيات مصطلح ‘رأسمالية المحاسيب’ توصيفًا لضرب من الرأسمالية التي نمت من خلال صلات القرابة وعلاقات المصالح التي نشأت بين رجال الأعمال وبعض دوائرالحكم، عامدةً إلى تعميق أزمة نمو الاقتصاد المحلي، واستنزاف قطاع الدولة، والتراجع عن توسيع الاستثمار العام في الصناعة التحويلية الأمر الذي انعكس سلبًا على مجمل بُنى السيرورة العامة للأنشطة والفعاليات الاقتصادية الداخلية، لتنحصر ـ في التحليل الأخير- في عمليات تهريب المخدرات والسلاح ورأس المال، وبيع الأصول الإنتاجية، والتهرب من دفع الضرائب، والاستيلاء على أموال المعونات الأجنبية والأراضي واستخدامها في المضاربات العقارية والحصول على القروض بطرائق مشبوهة وتحويلها إلى الخارج، فضلا عن شيوع العمولات والرشى ؛ مما أدى إلى اهتمامهم فحسب بتلبية متطلبات السوق الدولية، واستنزاف الادخار الداخلي، وإضعاف إمكانات التراكم والنمو.
وبذلك راحت رأسمالية المحاسيب تثرى لا عبر حقل الإنتاج، بل عبر استحواذها على الثروات الموجودة، حتى أصبحت بتعبير ماركس التهكمي في ‘المعارك الطبقية في فرنسا”بروليتاريا رثة تتربع على قمة المجتمع البرجوازي’، وعمدت إلى ترسيخ أنماط عيشها وحياتها الاستهلاكية اللاعقلانية الشرهة، محاكيةً الأبارتهيد الجنوب إفريقي، في تكريس مفهوم شعبيْن داخل المجتمع المصري، متبنيةً ‘ظاهرة المجتمعات المسيَّجة أو القلاعية’ بتعبير الدكتور محمد محيي الدين ؛ فتعيش داخل مجتمعات سكنية مسوَّرة ومعزولة عمَّا حولها من فئات وطبقات؛ تعبيرًا عن ‘التميز الاجتماعي، والرغبة في العزلة الاجتماعية أو التشرنق الاجتماعي، والإحساس بالأمان بعيدًا عن تهديدات الطبقات الاجتماعية الأدنى في المجتمع’ بتعبيره.
من هنا يمكن فهم دور حسين سالم ضابط المخابرات المصري والوزير التجاري المفوض سابقًا في السفارة المصرية بواشنطن ورجل الأعمال الهارب من العدالة في إسبانيا، وطبيعة ارتباطه بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وعائلته المالكة وإمبراطورية مصالحه ؛ حيث تولى ‘سالم’ بنفسه رعاية وتوجيه ‘علاء وجمال مبارك’ في عالم البيزنس، تاركًا طائرته الخاصة في خدمة ‘جمال مبارك’، الذي كان بدوره يناديه باسم ‘أونكل حسين’، وأعان صديقه حسني مبارك على التخلص من غريمه المشير عبد الحليم أبوغزالة وزير الدفاع القوي في صراعهما على الثروة والسلطة في مصر ،على نحو ما جاء في كتاب ‘ الصندوق الأسود .. قصة حسين سالم، الصادر عن دار الثقافة الجديدة هذا العام (2012) للكاتب الصحفي بجريدة الأهرام القاهرية كارم يحيى، الذي ينقل عن اللواء ‘نبيل أبوزيد’ وكيل أول الوزارة السابق برئاسة الجمهورية، أن الرجل ‘سالم’ كان بمثابة الستار الذي يخفي المعاملات المالية ل’مبارك’، وغدا جليسه المفضل في السنوات الأخيرة من حكمه، ونجح في استبعاد العديد من أصدقاء الرئيس الذين لا يرضى عنهم، وأصبح مصدرًا من مصادر السلطات في هذا البلد.
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد عاقبته ووزير البترول الأسبق سامح فهمي بالسجن 15عامًا لكلٍّ منهما في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل بأقل من الأسعار العالمية إثر نهوضه بتوظيف استثماراته العملاقة في قطاع البترول من خلال شركتيْه ‘ميدور’ أول مصفاة تكرير قطاع خاص في مصر عام 2000، وشركة ‘شرق المتوسط’ لتصدير الغاز عام 2005 .. أو بتعبير العميد ‘سمير سعد’ نائب رئيس الإنتربول المصري : فإن التهم الموجهة إلى ‘حسين سالم’ على ذمة الإنتربول حتى يونية 2011 تقتصر على التربح والإضرار العمدي بالمال العام في صفقة بيع الغاز غيرها’. وأورد المؤلف شهادة الشاهد الثالث ‘عبد الخالق عياد’ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبترول سابقًا في قائمة أدلة الثبوت (الإثبات) في قضية بيع الغاز المصري إلى إسرائيل بعد ثورة 25 يناير2011 ومؤداها أن حسين سالم ‘تقدم في إبريل 2004 بصفته رئيسًا لمجلس إدارة شركة شرق الأوسط للغاز إلى الوزير سامح فهمي طالبًا شراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المصري لتصديره إلى تركيا وإسرائيل، وأن التعاقد تضمن شروطًا جزائية على الجانب المصري مبالغًا فيها؛ مما كان له أكبر الأثر في عدم القدرة على تعديل أسعار التعاقد’.
وبذلك منحت ‘شركة شرق المتوسط’ التي يملكها حسين سالم إسرائيل ‘سعرًا منخفضًا بشكل ملحوظ مقارنًا بأسعار الغاز المعروضة من أوربا. ومن حيث الكمية قدمت الشركة 15 عامًا قابلة للتمديد لخمسة أعوام أخرى مقارنةً بالعرض البريطاني الإسرائيلي الذي ثارت في الأصل الشكوك حول قدرته على توفير الكميات المطلوبة في مدى زمني لا يقل عن 10 سنوات’. غير أن كتاب ‘الصندوق الأسود .. قصة حسين سالم’ جاء تطويرًا وإغناء لتحقيق صحفي نشره المؤلف في حلقات خمس بعنوان ‘حسين سالم رجل من زمن رأسمالية المحاسيب’ في جريدة ‘الأهرام’ بعد ثورة 25 يناير 2011، مضيفًا إليه ما حجبت الجريدة نشره لمحاذير لديها من مراجعها الأمنية متضمنًا ‘الجديد من المعلومات، فضلا عن فصول أربعة تناولت رأسمالية المحاسيب في مصر كما تقصيْنا عنها في الأدبيات المصرية والأجنبية باللغة الإنجليزية قبل الثورة وبعدها، وعن صلة هذا النوع من الرأسمالية بوصول الفساد إلى ما يسمى بقلب الدولة الصلب، وعلاقة حسين سالم ورأسمالية المحاسيب بلعبة وبيزنس الجولف، والسطو على جزيرة التمساح في الأقصر، ثم قائمة بأهم المصادر التي استعنا بها في مختلف الفصول’ .
قصة عائلتين، تكشف بجلاء عن ماهية الحلف الطبقي الحاكم في مصر، وطبيعة أدواره المنوطة به مع صندوق النقد والبنك الدولييْن ومنظمة التجارة الأمريكية وهيئة المعونة الأمريكية ؛ لإفشال أي تحول اجتماعي سياسي اقتصادي يرمي إلى إرساء بناء ديمقراطي يسهم في تلبية احتياجات تطورنا المستقل، من خلال المواءمة بين التنمية البشرية والنمو الاقتصادي كشرط شارط لإنجاح أي استراتيجية، كما لاحظناه في ‘العمليات الاستشارية التي ترسيها هيئات المعونة الأجنبية على مكاتب استشارية محلية بعينها ؛ بهدف تكوين طبقة أو نخبة جديدة من المهنيين ورجال الأعمال؛ نخبة معولمة ترتبط مصالحها بالترويج لبرامج المؤسسات الدولية وهيئات المعونة الأجنبية في مجالات محددة مثل: الخصخصة وتحرير التجارة ودمج الاقتصاد المصري ببنية الاقتصاد العالمي وشبكة المعاملات المالية الدولية’ وفق ما ذهب إليه د. محمود عبد الفضيل في كتابه ‘رأسمالية المحاسيب’.وقد رأينا كيف سعى رجال الأعمال المتحالفون مع جمال مبارك إلى تخريب المشروع النووي بالضبعة؛ أملا في الاستيلاء على أرض المشروع وتحويلها إلى منتجعات سياحية يجنون من ورائها المزيد من ملايين الدولارات، على الرغم من حاجة مصر الملحة إلى الطاقة النووية، كما يزيح الكتاب النقاب عن تورط عدد من قيادات المؤسسة العسكرية مثل الرئيس مبارك، والمشير أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق زميل حسين سالم في العاصمة الأمريكية حيث عمل ملحقًا عسكريًّا هناك، في عمليات شراء السلاح والتربح من نقله، على نحو ما يورده المؤلف نقلا عن مسؤول عمل في مكتب المشير أبو غزالة بوزارة الدفاع إبان توليه مسؤوليتها في عقد الثمانينيات، وطلب عدم نشر اسمه وهويته: اتخذت عمليات شحن السلاح بشراكة مبارك وأبو غزالة وحسين سالم أسماء شركات عدة تنقلت بين دول كان منها إتسكو بالولايات المتحدة وفور وينجز بفرنسا .. وكانت شركات الشحن هذه في الآن نفسه غطاء لتجارة شراء وبيع الأسلحة إلى مناطق النزاع في العالم’ .. وأضاف: ‘كان أبو غزالة يرسي العطاءات على شركات سالم، بل إن ضابطًا رفيعًا بالقوات المسلحة برتبة لواء، أول حروف من اسمه (م.ص) فور انتهاء خدمته سافر إلى روما لاستلام عمله كمدير إداري لفرع الشركة في روما’. وأشار المصدر قائلا: ‘حقيقةً لم يكن كل هذا الفساد موجودًا حتى نهاية عهد المشير الجمسي (أي بحلول عام 1978) .. لم نعرف فساد عمليات التسليح بحق إلا مع كامب ديفيد’. ويلفت المؤلف نظرنا في هذا السياق إلى ثلاث حقائق مهمة: أولاها ارتباط مبارك بعمولات سلاح وسمسرة ورشى وعطاءات بالأمر المباشر تدر ملايين الدولارات عليه وعلى أفراد عصابته قبل أن يصبح رئيسًا للبلاد، لكنه على ما يبدو كوَّن علاقات بمافيا السلاح إبان عضويته ب’اللجنة العليا للتسليح والتصنيع الحربي’ قبل أن يصبح نائبا للسادات بأشهر معدودات.
وينقل الكاتب عن تقرير إخباري نشره موقع ‘ريال بوليتك’ الإلكتروني عن وجود علاقة وثيقة ربطت بين مكونيْن اثنيْن هما : إتسكو التي شارك حسين سالم في أصولها وإدارتها عملاء سابقون في ال ‘سي. أي .إيه’من طراز: ‘أدوين ولسن’ المتورط في أنشطة إجرامية أفضت إلى سجنه 22 عامًا، وزميله ‘توماس كلينس’..والسفينة الغارقة ‘إس .إس.بويت’ التي كانت تقوم بنقل أسلحة إلى إيران لصالح عمليات سرية ل ‘سي.أي.إيه’ في عقد الثمانينيات، علاوة على استخدام شركة حسين سالم ‘إتسكو’ وشركاه في تنفيذ الصفقات السرية بين الولايات المتحدة وإيران ما بعد الشاه ولحكام دكتاتوريين معادين لليسار في أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى مد ‘المجاهدين الأفغان’ بالأسلحة السوفيتية القديمة عبر السعودية والعراق، بإشراف محمد حسني مبارك نائب الرئيس آنذاك وبتمويل خليجي، قائلا ما نصه: ‘إن حسني مبارك حينما كان نائبًا لرئيس مصر قبل أكتوبر 1981، كان ضالعًا في عمليات شركة إتسكو وأنشطتها’. وهو ما أكده تقرير نشره موقع ‘كونستريوم نيوز’ الأمريكي بعنوان ‘مبارك الرجل الحقيبة’ الذي تضمَّن كلمات لافتة وخطيرة ل ‘توماس كلينس’ الضابط السابق بالمخابرات المركزية الأميركية والذي عمل لفترة في شركة إتسكو يقول فيها: ‘اعتدتُ أن ألتقي مبارك بالقاهرة وقتما كان نائبًا للرئيس السادات، وقد أحضرت له لفترة من الزمن ملايين الدولارات في حقائب. كان عليَّ فقط أن أسلمها إليه. وكان يأخذ نصيبه على أن يمرر البقية إلى السادات’. وأضاف قائلا: ‘هذه هي الكيفية التي كانت تعمل بها شركة إتسكو’. وثانيها ‘أن الرئيس السادات أرسى تقليدًا يفوِّض بمقتضاه مجلسُ الشعب رئيسَ الجمهورية في صفقات الأسلحة من دون رقابة أو علم البرلمان .وهي السُّنة غير الحميدة التي سار عليها خلفه ‘مبارك’ حتى نهاية عهده ؛ حيث جرى تمديد هذا التفويض بتاريخ 28 من مارس 2010 لمدة ثلاث سنوات أخرى. ‘ويزيد المصدر السابق بقوله إنه شاهد بنفسه حسين سالم يتردد مرات ومرات على مكتب المشير أبو غزالة بالوزارة في مقابلات خاصة لم يكن مسموحًا بتسجيل محاضر لها. وثالثها الإفادة الجمَّة من كعكة المساعدات العسكرية الأميركية التي أتت بها اتفاقيات كامب ديفيد إلى مصر، وبلغت قيمتها 1.5 مليار دولار، والتي قال عنها بحق الباحث والكاتب الأمريكي ‘روبرت سبرنجبورج’ صاحب كتاب ‘مصر مبارك’ الصادر عام 1989: ‘إن المسؤولين الأمريكيين في عقد الثمانينيات أغمضوا أعينهم عن ادعاءات تلقي العمولات والرشى على نطاق واسع في برنامج المساعدات العسكرية لمصر، على الرغم من تلقي شكاوى عديدة من المقاولين الأمريكيين’. ويضيف ‘سبرنجبورج’: ‘قليل من مئات الآلاف من الدولارات هنا، ومن الملايين أو عشرات الملايين هناك. هذا أمر لا يهم . فقد كانت كامب ديفيد إنجازًا واختراقًا استراتيجيًّا بالنسبة إلى الولايات المتحدة . لقد تمكنا من إخراج اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط من الصراع مع إسرائيل .إن الأموال التي عادت على عائلة مبارك من فساد برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية مجرد موز صغير الحجم إذا ما قورنت بمساعدة حسين سالم على إقامة احتكاراته في مجال الغاز الطبيعي وغيره من رجال الأعمال في مجالات احتكار أخرى كالحديد والاتصالات’. إلا أن الكاتب يؤكد على أن ثروة مبارك وأسرته بعد ثورة 25 يناير 2011 مخبأة جيدًا تحت طبقات من ‘الشركات الواجهة المموَّهة’ التي لا تحمل أيًّا من أسمائهم. بيْد أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تخطاه إلى مجالات ونشاطات اقتصادية واسعة أخرى، وهو ما أشارإليه ‘ديلون روي’ في دراسة له نشرها في مجلة ‘دراسات شرق أوسطية’ اللندنية عدد تشرين أول/اكتوبر 1992 بعنوان ‘اقتصاد الظل في مصر’ ومفاده أن الجيش، مثلا، متورط تورطًا كبيرًا في عمليات المضاربة بالنقد، وبيع مساحات من الأراضي غير المستصلحة الخاضعة لسيطرته، وتحسين شبكة المواصلات وشبكات المياه وبناء الجسور وبناء مساكن متميزة للضباط وإقامة المخابز الآلية المؤتمتة واستيراد السلع لإعادة بيعها في السوق الداخلية وبناء المكاتب وبيع العقارات وتحسينها.
ويعلق ‘ديلون روي’ على ذلك فيقول: ‘لسنا هنا أمام مسألة أخلاقية، أي مسألة ما ينبغي السماح للجيش القيام به في ميدان النشاط الاقتصادي؛ بل نحن أمام مسألة البعد الخفي لهذا النشاط وطابعه السري في الغالب. فالقروض العسكرية (وتقدر الآن بحوالي 9 11 مليارًا من الدولارات) ليست جزءًا من الميزانية القومية مثلها مثل المكاسب المحققة من الفعاليات الاقتصادية المدرة للمداخيل التي تقوم بها المؤسسة العسكرية؛ نظرًا إلى أن هذه المكاسب يجري الاحتفاظ بها في الغالب لفائدة فئة الضباط دون غيرهم’. لهذا يرى اقتصادي مصري مرموق أن الجيش مؤسسة مرشحة لأن تغدو أكبر الجهات المستوردة في مصر، ولكنها لا تتقدم بأي تقارير عن ‘الأرباح المجنية ؛ وبما أن هذه الأرباح يجري امتصاصها داخل المؤسسة العسكرية نفسها، كما يتم خلقها بفعاليات ذات أبعاد مجهولة ؛ فإن ‘ديلون روي’ يرى أن هذا النشاط لا بد له في المحصلة من أن يمثل عنصرًا رئيسًا من العناصر المكوِّنة للاقتصاد الخفي أو اقتصاد الظل . لهذا لم تدخر أسرة حسين سالم وشركاته جهدًا في شراء الأراضي بأبخس الأثمان وتخصيصها لبناء الفنادق وملاعب الجولف والاستثمار السياحي، على نحو ما جرى في مدينة الطور الذي اشترى فيها 450 فدانًا، بلغ سعر’ المتر المربع منها كما هو موثق في الشهر العقاري خمسة جنيهات . علمًا بأن قيمة المتر ذاته الآن وفق تقديرات خبراء عقاريين تتراوح بين 5 آلاف وخمسين ألف جنيه، بادئًا نشاطه المحموم في شراء الأراضي بشرم الشيخ أولا باسم ابنه خالد، ثم باسمه شخصيًّا اعتبارًا من 1998′. وإن كان العقيد طارق مرزوق مدير إدارة مكافحة جرائم الاختلاس والإضرار بالأموال العامة، في أقواله أمام النيابة بتاريخ 18 مايو 2011 يقدر مساحة ما تحصَّل عليه حسين سالم وشركاته في مدينة شرم الشيخ بنحو 3 ملايين متر مربع، جاءت كلها بالأمر المباشر، أي من دون مزاد، وغالبيتها في أكثر مناطق المدينة تميزًا . ويضيف المؤلف: ‘ولم يقتصر الأمر على منح أراضٍ بسعر خمسة جنيهات للمتر المربع، بل هناك مساحات تحصَّل عليها حسين سالم بجنيهيْن للمتر، وفق تحريات العقيد مرزوق . واستنادًا إلى التحريات ذاتها، فإن كل هذه الأراضي وبهذه الأسعار لم يكن من الممكن لرجل أعمال تملَّكها من دون تدخل من الرئيس مبارك نفسه’. لذلك لم يألُ حسين سالم جهدًا في بناء نوادي وملاعب الجولف التي تعد ‘ثالث أكبر مصدر للسياحة في العالم بعد سياحة الآثار والبحر’، وإقامة البطولة الدولية للعبة في شرم الشيخ عام 2005 بالاشتراك مع ‘وكالة الأهرام للإعلان’، بعد أن أتيح له شراء الأراضي بأبخس الأسعار، والحصول على المياه بسهولة ويسر. ‘وواقع الحال، أن مسطحات ملاعب الجولف الخضراء الشاسعة هذه ترفع في حد ذاتها من قيمة القصور والفيلات والعقارات المبيعة للأغنياء على حدود القاهرة أو في المنتجعات السياحية بشواطئ سيناء والبحر الأحمر .’ واستولى على أرض ‘جزيرة التمساح’في البياضية بالأقصر، وأخذ فندق ‘جولي فيل الأقصر’ الذي يملكه ‘يتوسع ويتمدد على ما تبقى من مساحة الجزيرة، غير عابئ بصرخات المُلاك من عائلة ‘أندراوس’ وبمستأجري الأراضي’. وفي شهر مارس 2012، حكمت ‘محكمة جنايات الجيزة’ بالسجن غيابيًّا لمدة 15 عامًا على حسين سالم ونجله خالد، وعلى بعضٍ من أركان حكم مبارك بالسجن، في مقدمتهم الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق والدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني الحاكم بعشرة أعوام لكلٍّ منهما ؛ نظير قيامهم بالسطو على 37 فدانًا من أراضي الإصلاح الزراعي بجزيرة التمساح .. وفي هذا المناخ الرديء، ‘لم يترك رجل أعمال زمن رأسمالية المحاسيب خلفه أي مشروع خيري أو خدمي عام أقامه لوجه الناس والله.
إذن .. من يحمي حسين سالم، ويحول دون تسليمه إلى القاهرة ؛ توطئةً لمحاكمته؟ وما الذي دفع دولة الامارات إلى العفو عنه في اتهامات وجهها إليه ديوان المحاسبة في أبي ظبي؛ فدخل وخرج منها وإليها مرات ومرات ؟ بل ما الذي أدى إلى تسوية قضية شركة ‘إتسكو’ التي كانت منظورة أمام القضاء الأمريكي؛ بعدما اتضح أن الشركة كانت غطاء لعمليات بيع سلاح غير قانونية إلى ليبيا في سنوات العداء بينها وبين أمريكا؟ وما حقيقة هذا الفريق الذي جمع حسين سالم بالدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق ورفيق السادات في رحلة العار الشهيرة إلى القدس في نوفمبر 1977، والذي أسهم في تزكيته ملحقًا عسكريًّا بواشنطن لدى دوائرها الرسمية ؟.
هذه الأسئلة وغيرها تبقى بلا إجابة، إلى أن تعيد مصر الثورة فتح ملفات قوى التبعية للخارج، وكشف المزيد من جيوبها ومعاقلها ؛ لكي تستعيد استقلالها السياسي، الذي يكفل لها استقلالها الاقتصادي ؛ إذ الكومبرادورية هي الشكل الرئيس للاندماج غير المتكافئ في النظام العالمي بتعبير د. سمير أمين. ولن نستطيع كتابة تاريخ مشترك وبناء وطن جديد إلا إذا قدمنا رؤية إنسانية تتحدى الحواجز الاجتماعية، وتتعامل مع الجميع من موقع الندية والتكافؤ، وتسيطر وطنيًّا على التراكم الذي يلبي طموحات الأمة المصرية وآمالها في حياة حرة كريمة.