مصر الكبرى
د. عادل عامر يكتب … الزبالة تكسو شوارع مصر
تلك العجوز التى تقارب من عمر امى وهى تفتش فى كومات الزبالة تبحث عن بقايا طعام او لقيمات تعطيها لابنائها الجياع الذين ينتظرونها .
هذا هو الذل في نظام مبارك الذل والمهانة التى تعرض لها خيرة شباب مصر فى الاقسام ومراكز الشرطة وهتك العرض وسلب المال وإذلال النفس البشرية التى كرمها الله فى كل كتبة ورسالاته حتى المرضى بالمستشفى ورأيت الذل والمهانة والكسرة التى تكسو وجوه من يرجون شفاء . ذكرياتى طالما شممت روائح الزبالة والمخلفات بين البيوت والشوارع وهناك الملايين ممن يعيشون فيها وعليها . هو يعرف هذا السلم جيدا … سلم معدني ملتوي مثل التعبان اللي عثر عليه ذات مرة تحت الحجره الكبيره علي الرصيف . له رائحة غريبة ، لايعرف كيف يصفها ، لكن سمع السيده الانيقه مدام صوفيا التي تعيش في الدور الخامس تتأفف وهي تخرج قمامتها يوما وقالت هامسة ، ريحه نتنه ، هو لايعرف مالذي تعنيه تلك الكلمه ، لكن الرائحة التي شمتها السيده والتي يشمها هو طيلة الوقت ، علي الارجح هي تلك الرائحة النتنه التي قالت عنها لايعرف سبب الرائحه ، ربما ريش الدجاج الذي تلقيه السيده العصبية الحاجه سكينة ، التي تعيش في الدور السابع من باب مطبخها علي السلم ، تشتري فراخ وتعود بها من السوق تصرخ ، وتغيب في مطبخها وقت لايعرف مقداره ثم تفتح الباب وتلقي الريش خلف الباب الذي تنبعث منه ابخره ذات رائحة خاصة ، وصفتها زوجه البواب بأنها رائحة ( المرقة ) هل ريش الفراخ المتراكم يوما بعد يوم ، هو سبب تلك الرائحة التي تحتل السلم ، ربما لا ، ربما تلك الرائحة سببها كيس القمامة الممزق الذي تركنه الوليه ام شوقي التي تعيش في الدور الرابع كل يوم خلف باب مطبخها وحين يأتي الزبال ليرفع الزباله بالكيس ، تتساقط الفضلات من الكيس ، فضلات لها رائحة نفاذه ، حين يشمها ، يحس دوارا ، انه ذات الدوار الذي احسه حين مر من جانب الصبي النائم تحت الكوبري ، حين رآه نائما يشخر والذباب يحتل وجهه وكل ملامحه ، احس دوارا كاد يعصف بوعيه ، انه ذات الدوار الذي يحس به حين يشم رائحة فضلات السيده ذات الكيس المثقوب ، وقتها تتقلص معدته ويحس دوار يكاد يفقده وعيه لولا انه اعتاد الجري بعيدا عن الزبال وفضلات السيده التي تسكن في الدور الرابع من اين تأتي تلك الرائحة التي تحتل السلم ورئتيه وتضايقه ، ربما من الماء الراكد العطن الذي يسيل من ماسورة الصرف علي عتبه الست تحية التي تسكن في الدور الثالث ، نعم ماسورة صرف الحمام الصغير تسقط قطرات قاذوراتها فوق العتبه والسيدة لاتكترث ولا تصلح الماسورة وحين تضطر لفتح باب المطبخ المطل علي السلم المعدني ، وقتها تغلق انفها بإصبعها وتتأفف ، كاد يوما يقول لها اصلحي الماسورة لكنه احجم عن الحديث معها ، هي سيده سليطة اللسان تتمزج بالسخرية منه ومن اصابعه التي تخرج من الحذاء القديم وتسخر من بنطلونه القصير والحزام الذي يربط به وسط البنطلون فيحول بين سقوطه ارضا وظهور سرواله الباهت الذي لايتذكر كيف حصل عليه ولا من اعطاه له ، لكنه سروال قديم باهت اللون والرسومات ، هو شخصيا لا يشعر خجلا من سرواله ، المهم انه يستر عورته تحت البنطلون لايعرف له اب ولا ام ، لايعرف من احضره علي هذا السلم الحلزوني المعدني وتركه ، كل مايعرفه انه يعيش هنا ، علي هذا السلم ، كيف يأكل ، يأكل من بقايا الاطعمه التي اوشكت تفسد وتأنف القطط عن الاقتراب منها ، هو يأكلها بشهية رهيبة ، حين تمنحه واحده من السكان في اي دور ، طبق به اكل ، يأكله وبسرعة ، لايشم رائحته لايكترث بطعمه ، المهم انه بمليء بطنه التي اعتادت عصافيرها علي الصوصوة طيلة الوقت ، ذات مره شك انه ابن كل هؤلاء النسوة سكان العقار ، بعضهن يحنو عليه ، بعضهن يمنحه اكلا ، بعضهن يمنحوه القمصان والبنطلونات القديمه ، وحين يحصل علي اي ملابس ، يرتديها فورا ، احيانا تكون صغيره عليه فيعيش مخنوقا وأحيانا تكون واسعة عليه لدرجه سقوط البنطلون وظن البعض ان القميص الذي يرتديه ليس إلا جلباب واسع لكنه حين كبر ، عرف انه ابن سيده اخري لاتسكن في هذا العقار ، هي التي ولدته ، لكنها تركته علي السلم ورحلت ، عرف ان سيده طردته من رحمها فصرخ وبكي فتخلصت منه علي سلم عقار لاتسكن فيه ، ربما هو ابن فضيحة ، ربما هو ثمره اغتصاب لعين ، قررت السيده تنسي كل اثاره حني ابنها من ذلك الرجل المجرم ، لايعرف بالضبط ، لكن الامر المؤكد ان سيدة ما انجبته مثل كل الاطفال ثم تركته علي ذلك السلم وفرت منه ومن المشاكل التي كان سيحدثها وجوده في حياتها. ربما عثرت عليه قطعه لحمه حمراء السيده البدينة ذات القلب الطيب التي تسكن في الدور الاول ، الست انصاف ، ربما عثرت عليه وقت خرجت لتكنس بسطه سلمها وتلقي علي درجاته ماء مشبع بالمواد المطهره ، ربما وقتها سمعت صراحة رضيع صغير لاحول له ولا قوه ، ربما حملته لصدرها فأحست مشاعر حرمتها الدنيا منها وقت حرمتها من الانجاب كالأرض الجدباء لا يثمر فيها إلا الشوك ، ربما اشفقت عليه وقتها وقررت ترعاه ، ترعاه علي السلم امامها ، ربما احضرت صندوق كرتوني كبير وفرشته له بورق جرائد قديمه ووضعته فيه وغطته ببطانية قديمه كادت تلقيها في الشارع ، ربما طلبت من زوجه البواب باتعة ارضاعه مع صغيرتها التي انجبتها قبل العثور عليه علي السلم بحوالي شهر ، ربما اعطتها مرتب شهري للاعتناء بالصغير الذي قررت تبقيه امام عينها علي بسطه السلم في الصندوق الكبير ، انه يحس من نظراتها مشاعر خاصة تختلف عن مشاعر بقيه السكان ، كأنها تحبه ، لكنها بالطبع لاتقول له هذا ، لاتقول له انها تحبه وهو الشاب المتشرد الذي ينام علي بسطه شقتها ، لكنه يعرف انها تحبه ، المهم عاش علي ذلك السلم ، البواب وزوجته وجميع السكان يعتبروه ابن للعقار ، نعم هو ابن العقار لايقوي احد علي اجباره علي مبارحته ومغادرته ، الجميع يعتبره وجوده طبيعيا منطقيا وهو ايضا لايذكر طفولته ، لايذكر كيف مرت عليه الايام من لحظه العثور عليه علي السلم هكذا اصبحت مصر الان بعد الثورة الزبالة في كل مكان وعلي كل رصيف ربما رغبت الثورة ان تنعم علي اكالي الزبالة منذ عهد مبارك الظالم وتوفر لهم الزبالة في كل مكان راحة لهم بدلا من ان يذهبوا الي امكانها المخصصة من قبل فأصبحت في متناولهم