مصر الكبرى
الجماعة تعود للمناورة بعد هزيمة وتتحدث عن التوافق .. الاخوان المسلمون يتكتلون خلف مرسي بعد إزاحة الشاطر
صفعة نائب المرشد تربك التنظيم الحديدي
كتب – يسري حسين  : 
تلقى الاخوان المسلمون صفعة قوية ألقت بهم وبمرشحهم القوي خيرت الشاطر ، خارج أسوار الخطة المحكمة التي نسجها جنرالات التنظيم للسيطرة على الشأن المصري تماماً وتكبيله بقيود الجماعة الصارمة .
لقد كشفت الهرولة العنيفة للاستحواذ على مصر حجم الخطة والطموح الجارف المستمر منذ عام 1928 واعتقاد المرشد العام محمد بديع أن الظروف أصبحت مواتية لرفع علم الجماعة فوق قصر الرئاسة بعد التمكن من السيطرة على البرلمان ومحاولة الاستيلاء على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور لولا تدخل القضاء وإجهاض هذا التحرك .
وهم الآن يدفعون بالمرشح الاحتياطي : محمد مرسيلوضع هدف الاخوان في مرمى الرئاسة المصرية ومن يقرأ تاريخ الجماعة يرى استراتيجية مستمرة تعتمد على اقتناص الفرص واستثمار كل الظروف للتكويش على السلطة . فعلوا ذلك مع الملك فؤاد أولاً وحاولوا مع فاروق ، وتحالفوا مع عبد الناصر وانشقوا عليه ، ثم احتضنوا نظام الرئيس السادات ثم أطلقوا عليه النيران .
سعت الثورة المصرية التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير العام الماضي لتقويض سلطة الاستبداد . وكان يمكن صوغ فجر مصر الجديدة على قواعد ديمقراطية تفتح باب التعدد والانفتاح والحرية . غير أن < الجماعة > أجهضت كل ذلك بالسعي لاحتكار كل شئ وارتداء عمامة الدين ودفعنا إلى حفلة ذكر وتجاهل التحديات الكبرى لتشغيل البلاد ووضع مصر أمام مسار الحرية والانطلاق في شارع التنمية .
أغرى الفوز في انتخابات مجلسي الشعب واشورى < الجماعة > بالاستحواذ على كل شئ وطرد الآخرين من الساحة . وقد ظهر الكتاتني رئيس البرلمان  وهو يمارس نفوذه ويستخدم قبضته لتحويل مصر إلى إمارة إسلامية ، وهي الدولة العريقة المنفتحة على الدستور المدني منذ أحقاب طويلة .
كان يمكن ترك الاخوان يهميمنون على البرلمان مع السلفيين وترك كرسي الرئاسة لشخصية ليبرالية مدنية تعبرعن تنوع المجتمع المصري كما فعلت تونس ومن خلال حزب النهضة .
وقد تحدث راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي والإخواني بلهجة غاضبة عن تصرفات الجماعة في مصر ، لأنهم في رأيه يتحركون بمراهقة سياسية وأنانية ويعملون على إقصاء الجميع وإزعاج الأقباط . ودعا الغنوشي أصدقاء الأمس بالعمل لمصلحة وطنه ، وليس من أجل الوصول إلى الرئاسة أو تشكيل الحكومة ، لأن المهمة الملقاة على كاهل مصر ، أن تخرج سالمة وحرة وديمقراطية واسترداد الثقة في دورها على ساحة العالم العربي والإسلامي .
الشيخ راشد نصح إخوان مصر بالتروي والتعقل والتمسك بالعلاقة مع الأحزاب المصرية الأخرى والتعاطف مع الأقباط وكل الأقليات للمحافظة على التماسك والقوى . غير أن الإخوان لم يسمعوا نداء الشيخ راشد ولم ينصتوا إلى تصريحات قيادي من الجماعة هو د. جمال الهلباوي الذي اعترض على سياسة الاستحواذ وودعا للخوار مع كل القوى ورفض الإقصاء ، وهو ما استخمه مبارك خلال الثلاثين عاماُ من حكمه .
وقد رفض اخوان مصر النصائح القادمة من تونس أو من داخل صفوفهم . إذ شعروا بالقوة التي يملكونها في البرلمان ووقوف التيار السلبي بجانبهم مع وجود سعد الكتاتني على قمة البرلمان يهدد ويتوعد ويشخط في النائب زياد العليمي ويلوح له بالفصل لانه تحدث بصراحة جون خوف أو رعب وانتقد المجلس العسكري
لقد احتكر الاخوان رئاسة كل اللجان في مجلس الشعب وتصرفوا كأنهم الحزب الوطني تماماً والفارق أن بعضهم يرتدي الجلباب ويمسك السبحة ويُطلق اللحى .
مصر لا تريد استبداداً آخر وترفض الانتقال من حكم الوطني إلى الإخواني ، لذلك انتفض المصريون عندما تقدم خيرت الشاطر في مظاهرة لاستعراض القوة لترشيح نفسه للرئاسة .
كان الإخوان تعهدوا بعد الترشح بهذا المنصب الرفيع ، وتحدثوا طويلاً عن رئيس توافقي ترضى به جميع الأحزاب . لكنهم فجأة قفزوا إلى المقاعد الأولى ورفعوا صورة الشاطر ، الذي بدأ يتحدث كأنه الرئيس فعلاً ويستعرض مهاراته وقدرته ويتوعد الآخرين .
وكان استفزاز ترشيح الشاطر الباعث على دخول اللواء عمر سليمان الحلبة . وللحظات أعطى البعض موافقته لتأييد السيد اللواء لوقف زحف الاخوان بزعامة الشاطر إلى كرسي الرئاسة المصرية ، لأن المفروض من يجلس عليه أن يحظى بموافقة جميع أطياف الشعب .
أدت مغامرة الإخوان لخلط الأوراق وهز الوضع المصري ، مما دفع قطاعات عريضة للاستنجاد برمز للنظام السابق حتى لا تقع الدولة في قبضة الجميع .
هذا ما أحدثه تخبط الإخوان وهرولتهم إلى السلطة وتطلعهم إلى حكم مصر بالكامل عبر البرلمان والرئاسة والتكويش على كل شئ في البلاد .
وقد تولت اللجنة العليا للانتخابات إبعاد الشاطر وحازم صلاح أبو اسماعيل مع آخرين ، مما أدى هذا الموقف إلى حالة إرتياح كما يقول الكاتب المصري سعد هجرس وأيده في موقفه الصحفي عبد الله السناوي وكل رموز المجتمع المدني ، فلا عودة للنظام السابق ولا ترك الجماعة تتولى السلطة وتستولي على الثروة المصرية .
صحيح أن الإخوان الآن يقفون خلف محمد مرسي لكن يمكن القول انهم خسروا جولة مهمة للغاية وضاع منهم الشاطر في زحمة التكالب على المقعد الرئاسي . وهم الآن يعانون من الهزيمة لكنهم يرجعون مرة أخرى للمناورة ويطرحون صيغة التوافق مع القوى الوطنية . وفي هذا المضمار يتحدث أحمد أبو بركة القيادي في الجماعة عن قدرة البرلمان الاخواني والسلفي على تشكيل لجنة تأسيسية لكتابة الدستور وضم كل القوى الوطنية إليها .
بعد الهزيمة يتحدثون مجدداً بلا خجل عن توافق أطلقوا النار عليه منذ لحظات مبكرة بعد سقوط مبارك وتولي العسكر للسلطة .
والأحزاب المصرية والقوى الوطنية لا يُمكن أن تُلدغ من الإخوان مرتين فيكفي ما جرى في المرة الأوى وما حدث في الميادين من تخلي عن الثورة وانحياز إلى المجلس العسكري على أمل الانفراد بالسلطة ودفع الشاطر إلى الرئاسة .
لقد تركت الانتخابات الرئاسية محمد مرسي رئيس حزب العدالة والحرية لينافس في الانتخابات المقبلة . ومرسي ليس بنفوذ الشاطر لكنه سيعتمد على التنظيم الذي يهيمن عليه رجل الأعمال والمليونير نائب المرشد العام ، والذي يملك نفوذاً شديداً ويريد الثأر لما حدث له بالاصرار على انجاح المرشح الاخواني الاحتياطي .
وقد أخفق الليبراليون مع اليساريين والقوى الوطنية الأخرى في الإلتفاف حول مرشح يعبر عنهم ، لكن منع الإخوان من الوصول إلى الرئاسة قد يكون الهدف الذي قد يجمع بين التيارات التي لا تزال للأسف تختلف فيما بينها في وقت لا يصح فيه ارتكاب هذا الخطأ .
خروج الشاطر وعمر سليمان وحازم صلاح أبو اسماعيل من حلبة التنافس أدى إلى إرتياح مؤقت خصوصاً أن الأسماء الموجودة يمكن اختيار شخصية منها تتحمل تبعات الرهان الليبرالي والمدني . أما موقف السلفي أبو اسماعيل فهو محير بالتأكيد لأنه لا يتمتع بأي تقاليد ديمقراطية فهو يصر على البقاء والتنافس مع وجود ظروف تمنعه من ذلك تماماً .
مصر أمام تحدي بالغ الضراوة . والمجتمع على الرغم من ضربات الاخوان لايزال قادراً على الرؤية وانقاذ الثورة بالوعي الديمقراطي الذي يقود إلى استقرار وفتح الأبواب أمام الشعب كله ليكتب دستوره ويصنع مستقبله ولا يعود إلى الوراء مرة أخرى .
أهمية ما حدث أن المصريين أنفسهم اكتشفوا آلاعيب الإخوان وسعيهم إلى السلطة وإصرارهم على ضرب الديمقراطية ، لأن من يحاول إقصاء الآخرين يسعى لترسيخ الاستبداد ، ومصر ثارت على تراث طويل من القمع ولن تسمح مرة أخرى بعودة ديكتاتورية ، مهما تخفت خلف شعارات دينية ومظاهر سلفية وأخرى تناور وتخادع وتدعو بعد الهزيمة للحديث عن وفاق وتعاون .