مصر الكبرى

10:26 صباحًا EET

عرض غنائي على مسرح لندني يتناول حياة مايكل جاكسون

سرد السيرة الذاتية بإيقاعات الموسيقى والغناء
ملك البوب يتألق بنجاح جديد على الرغم من غيابه ورحيله عن عالمنا

كتبت – مروة فهمي :  
تنبض لندن بالمسرح وعروضه المختلفة ، لكن القصص الموسيقية والغنائية تحتل القمة . وكلما ذهبت إلى الحي المسرحي في منطقة < الويست إند > بالعاصمة البريطانية أشعر بالسعادة والفرح لوجود هذه الأعمال الرائعة التي تخطف الانتباه وتشد الجمهور إليها . وتستمر بعض العروض المسرحية منذ أكتر من 25 عاماً مثل مسرحية < شبح الأوبرا > التي لا تزال تهيمن وتتجدد وتستعرض نفسها كل مساء بالموسيقى التعبيرية التي صاغها الموسيقار أندرو لويد ويبر صاحب المسرحيات الغنائية الناجحة والذي لا يكف عن التلحين وتأليف العروض الجميلة الخلابة .
يشدني في منطقة الويست إند هذا التنوع والمغامرات الفنية التي يُنفق عليها بسخاء وتحقق الملايين ، نتيجة صنعة فنية متمكنة والحذق الشديد في كل شئ .
تتألق في هذه العروض المواهب النسائية التي تنضج على خشبة المسرح البريطاني العريق بعروضه المستمرة من خلال ألوان متنوعة في الدراما والموسيقى وفن الاستعراض مع الغناء .
وأخيراً ذهبت لمسرح < ليريك > لمشاهدة العرض الغنائي والموسيقي الذي يحمل إسم المغني الراحل وملك البوب مايكل جاكسون . والمسرحية تحمل إسم ألبومه الأشهر رواجاً منقطع النظير ..< thriller >
وتصورت إنني سأشاهد مسرحية تقليدية لها بداية ونهاية ووسط وتتخللها الفصول الميلودرامية الدامعة ، لأن العرض يتناول شخصية مثيرة رحلت في صمت ، لكن غيابها أثار ضجة وألقى الضوء على حياة حافلة بالمفاجآت .
وكانت المفاجأة الأخرى أن العرض ليس به دموع ولا آهات ، وإنما مشاهد متواصلة من اللوحات التعبيرية تجسد حياة جاكسون الذي ابتدع طريقة القص التعبيري المجسد لكلمات الأغاني التي يلقيها .
وأنا وبنات جيلي من محبي موسيقى جاكسون ، فقد جاء إلينا بهذه الفقرات الموسيقي الجديدة تماماً ، والتي تعتمد على إيقاعات تجسد خطوط الأداء التعبيري . كان جاكسون يمثل وهو يرقص ويعبر وهو يغني وينسج لوحات كاملة ويختار المناظر ويصمم الحركات المختلفة ويدير المجاميع التي كانت تظهر معه في أغانيه ، فهو باختصار فنان شامل .
وهو مبتدع فن < الكليب > المصور وتفوق فيه وافتتح هذا المذاق الخاص الذي يجمع الموسيقى مع الكلمات ويترجمها بخطوات الرقص التعبيري بالإضافة إلى مناظر وديكور معبر للغاية .
دخلت مسرحية جاكسون وخرجت منها في حالة سعادة كاملة ، لأن العمل يجسد رحلة فنان اتجه إلى الابتكار ولم يتوقف على الإطلاق حتى غادر مسرحنا الإنساني ، لكن يبقى منه إلهامه لعشرات الفرق الغنائية بل المئات التي تسير على نهجه .
كان غناء جاكسون عاطفي و تعبيري في الوقت نفسه ويتحدث عن تجارب تمس المشاكل المختلفة في تيار الحياة . فقد عارض العنصرية ووقف مع المساواة وندد بالحروب والتخريب ودعا إلى عالم يخلو من الصراع ويعيش نبض الفن ويستلهم القيم الجميلة .
لم تكن حياة جاكسون سهلة ولا بسيطة ، فقد جاء من أسرة فقيرة احترف أغلب أفرادها الغناء وانخرطوا فيه وقد حقق الملايين ، لتفوقه في سوق المبيعات والشرائط والاسطوانات واكتسح الساحة لسنوات طويلة وتفوق على مبيعات الفيس بريسلي وفرقة البيتلز البريطانية . وكل ذلك نتيجة مواهبه وابتكاراته المتجددة . وعندما تسمعه يغني أعماله العاطفية تشعر بأنه يتحدث إليك أو يقيم معك الحوار من خلال صوته الرقيق والمعبر .
كانت < كليبات > جاكسون كلها عبارة عن عناق فني بين الكلمات والموسيقى والصور الفنية التي تحكي عن موضوعات قريبة من أذهان الشباب ومشاعرهم وكان يكتب السيناريو وينفذه ويشرف على كل مراحل أعماله الفنية .
قبل رحيله كان يخطط لعودة بعد احتجاب قصير نسبياً بسبب المرض ، غير أن الموت وضع نهاية لحياته فلم يتحقق الجولة الأخيرة ، لكن المطرب ترك خلفه تراثه والذي اعتمدت عليه المسرحية البريطانية التي أعادت سيناريو الأغاني من جديد بلوحات خلاقة من الإبداع الفني .
لقد تحول مسرح بريطاني إلى خشبة حية لاستعراض فن جاكسون بملابسه وطريقة الآداء والحركة السريعة المرتبطة بالموسيقى المتدفقة من إيقاعات صاخبة تملئ سماء القاعة بالضجة والفن .
وقد استلهم جاكسون عدة ألوان موسيقية ، فقد تأثر بـألفيس بريسلي ملك موسيقى الروك ، كما انه استلهم تاريخه كله حيث كان معجباً به للغاية وسار على ضربه في العلاقة الحية مع الجمهور .
يعكس المغني الأمريكي نبض العصر وإيقاعه فقد ألهم الشباب بثيابه وقبعته وبالطريقة التي كان يظهر بها على المسرح ليغني ويدير حركة فنية ذات طاقة غير عادية من التفاعل الجميل والمعبر عن روح الموسيقى .
جاسكون استلهم نبضات الموسيقى الزنجية في أمريكا ، وهي تراكم طويل تنعكس فيه ثقافات إفريقية ومناخ القارة السوداء .
وقد تأثر قبله بهذه الموسيقى الفيس بريسلي نفسه ، إذ استوعب الألوان المختلفة لفن الجاز الموسيقي العازف على الأوتار الداخلية للنفس والغوص في أعماقها ، حيث تتراكم أحزان لدى زنوج أمريكا نتيجة لاضطهاد طويل والشعور بالغربة في قارة جديدة حضروا إليها هؤلاء الأفارقة من وراء البحار نتيجة تجارة الرقيق المرعبة .
تركت هذه الموسيقى آثارها على الوجدان الأمريكي وشكلت بعض الوجوه المعاصرة في إيقاعات حية متدفقة . وقد أضاف جاكسون لمسات العصر ومغامراته التي اقتحم بها أجواء جديدة تماماً صورها في شرائط وكليبات عكست الموجة التي هيمن عليها ومنحته لقب الملك .
جاء العرض الموسيقي الغنائي في منطقة الويست إند يعتمد على تسجيلات جاكسون . وإعادة تمثيل اللوحات والمناظر من خلال فريق تمثيلي استطاع تنفيذ كل السيناريوهات التي رافقت رحلة الفنان الراحل كلها .
والعرض مبهر ويجعلك خلال ثلاث ساعات في ارتباط وثيق مع جاكسون الفنان والمطرب والممثل والراقص على خشبة المسرح .
وكأنك في حفلة حقيقية وفي حضور المطرب نفسه ، فمن يمثلون دور جاكسون كل ليلة يتخفون خلف أقنعته ونظارته وقبعته ويجسدون شخصيته بالضبط وطريقة الآداء المبهرة .
شدني العرض بهذ التدفق الموسيقي فخلال مدة المسرحية لم يتوقف الغناء السارد لقصة حياة والتركيز على الطموح الفني والرغبة في التحليق والطيران والاستمرار في عالم الشهرة والنجاح بهذه الدرجة .
وقد حقق جاكسون النجاح والمال والشهرة ، غير أن الإنسان لم يكن سعيداً فطفولته المضطربة وطريقة تربية اعتمدت القسوة ، سلبته الاستقرار النفسي ، لذلك كان قلقاً دائماً ولم يشعر بالأمان .
ودفعته هذه الحالة أحياناً للانزلاق في مشاكل وصعاب وخلافات مع الإعلام والمجتمع أيضاً .
لكن يبقى من جاكسون الفنان المحب للموسيقى والشغوف بقدراتها غير المحدودة وفتحها لآفاق عريضة للاستمرار واستنشاق هواء الحياة .
كانت الموسيقى هي الدافع للحياة لدى هذا المطرب الأمريكي ، الذي ترك بصماته على عالمنا المعاصر . وقد ذهبت إلى المسرح ووجدت جاكسون حياً في هذا العرض الشيق ، الذي أعاد بث سيرة حياة كاملة واستعرضها باللوحات الغنائية الراقصة على طريقة الفنان المعروفة .
عرض جميل يستمر لثلاث ساعات تطوف بحياة مايكل جاكسون وتضعه أمامك بأغانيه ولوحاته وكليباته التي صنعها بنفسه وهزت العالم كله ولا تزال ، حيث أن مبيعاته هي الأعلى بالتأكيد في سوق الاسطوانات والشرائط المختلفة .
غادر جاكسون عالمنا بعد حياة حافلة وأحياناً مضطربة ، لكن فنه يثير البهجة ولوحاته الراقصة تقدم الفن الرائع العاكس لنبض العصر ومشكلاته وأحلامه وتعثره أيضاً .

التعليقات