مصر الكبرى
د. عادل عامر يكتب … الديمقراطية المشروطة
ان نجاح العملية الديمقراطية لن يأتي في صالحها.. فإذا بها تختلق الأعذار والحجج وتضع الشروط للتهرب من خوض الاستحقاق وتعطي لنفسها الحق لتحدد سلفاً من يجب أن يفوز ومن يجب ألاّ يفوز، معللة تصرفها هذا بأن هذا الحزب أو ذلك إذا ما فاز في الانتخابات فسيقصي الآخرين.
. غير مدركة أنها بتصرفها الغبي هذا إنما تمارس منتهى الإقصاء، بل هو الإقصاء ذاته، لأنها بذلك تلغي إرادة الجماهير، إرادة الشعب الذي من حقه وحده أن يحدد من يفوز ومن لا يفوز ووحده أيضاً من يدرك ويقدر مصلحته ويعطي ثقته لمن يراه أهلاً لرعايتها.. لذلك نقول لأولئك الذين يرتعدون وتفزعهم الانتخابات بأن عليهم أن يحترموا خيارهم وارتضائهم بالنهج الديمقراطي وعليهم أن يعترفوا بواقعهم وحجمهم الحقيقي وأن تكف الأقلية عن ممارسة الإقصاء في حق الأغلبية تحت حجج ومبررات واهية تؤكد أن هذه الأقلية مازالت تنتقص من وعي الشعوب، ناسية أننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين ولا مجال لمثل هذه الحجج، فزمن الجهل والاستخفاف قد ولى. يناقش هذا التيار الموقف بالصورة التالية : الشعب االمصري شعب مسلم في غالبيته ومؤمن بالله وهذا ادعاء يفترض تجانسا ايدلوجيا ونفسيا وعقليا لاينسجم ومعطيات الواقع المركب والمتعدد وعليه لايجوز لتيار آخر لايحظى بدعم الاكثرية ان يعلن افكاره وطروحاته المتعارضة مع توجه وقناعة تلك الاكثرية. بعبارة اخرى ،ان النقاش، ان جاز اعتباره نقاشا، يتمحور حول حق اليساريين والتيار العلماني والمادي في ان يعبروا عن رايهم وقناعاتهم المتضمنة لموقفهم الصريح من الدين، ومن علاقته، اي الدين، بالدولة وبالمجتمع. يفترض الاسلاميون ان لاحق لهذه التيارات بذلك، مع اقرارهم العلني بمبدأ التعددية السياسية،. من يريد ان يعيدنا الى عصر الديمقراطية المشروطة بعد ثورة 25 يناير المجيدة سؤال تبادر الى ذهنى وانا أقرا كتاب مصر المفتوح والذى تموج فيه الحركة الدئوب والحوار السياسى الذى لا يخلوا من بعض المنغصات التى تثيرها رياح التغيير والخوف من القادم المجهول الذى ربما يكون خارج عن السيطرة النخبوية التى ترى لنفسها الحق فى قيادة وتوجيه المرحلة المقبلة وتريد ان تحرم منه الاخرين فى ديمقراطية مشروطة لم يعرف التاريخ لها وجود الا فى ذهن الحزب الوطنى الغابر والذى قامت الثورة من اجل تغييره والى الابد ان الاستفتاء الذى حدث والصراع بين نعم ولا كشف لنا عن وصاية جديدة تريد النخبة
ان تمليها على المجتمع فهى تريد ديمقراطية موجهة تقصى طرف وترحب بطرف آخر لتضيع معالم الثورة والتى كانت هدفها الاول الخروج من دائرة الوصاية على الشعب حيث انه قاصر ولا يعرف مصلحته والتى كانت تمارس باسم النظام الحاكم الغابر بفرض وصاية النخبة على الشعب ان الذين روجوا للتصويت بلا كان هدفهم الاكبر هو عرقلة اى انتخابات حرة ونزيهة فى المنظور القريب خوفا من الاخوان المسلمون واكتساحهم لهذه الانتخابات لا خوفا على مصر وحالة مصر الراهنة ولكن خوفا على مكتسباتهم الشخصية والتى يمكن ان يقف الاخوان بتنظيمهم الدقيق دون تحقيقها وكانها غنيمة يجب المشاركة فيها باى ثمن لا مستقبل بلد يجب ان تكون مصلحته هى الاولى والاهم فى هذه المرحلة مع ان الاخوان اكدوا مرارا وتكرارا بانهم مشاركون فى مستقبل الوطن وقناعتهم بان مصر لابد ان يبنيها كل المصريين واعلانهم عدم خوض انتخابات الرئاسة ومشاركتهم فى انتخابات المجالس الشعبية لا يتعدى 35 خمسة وثلاثون فى المائة ولكن النخبة الخائفة لا تريد ان تصدق هذا الكلام حيث ان معتقدهم
ان لا اخلاق فى السياسة ولكنه الكيد والمكر والمصالح وفقط مادمنا نريد ديمقراطية حقيقية فلابد من قبول راى الشعب وان يكون الشعب هو الحكم دون اى شروط وليات الشعب بمن يريد مهما كان اختيار الشعب فلا التفاف عليه ولا تقليل منه والقبول به كما عبر عنه الشعب وليقف كل مواطن خلف خيار الشعب هذه هى الديمقراطية التى تتبناها الثورة لا الديمقراطية المشروطة التى تتبناها النخبة . سوف نجد بلداً أنهكته الاحتكارات الأوروبية والأمريكية، وأوصلت أبناءه إلى حد الإقدام على الانتحار حرقاً، بعد أن حولت الشركات المتعددة الجنسيات هذا البلد إلى مناطق إنتاج مستباحة هزيلة التكاليف، وإلى ورشات تعيد إنتاج السلع الدولية بأبخس الأجور، وبما لا يكاد يسد رمق الشغيلة، أما عن الضرائب الحكومية فهي لا تستحق الذكر، قياساً بقيمة الوطن المستباح، وقد حققت الاحتكارات ذلك بالتواطؤ مع الديكتاتورية وأوساطها الفاسدة، التي تحقق بدورها ثراءً فاحشاً بمجرد التقاط فتات هذه الشركات. أما السياحة التي اشتهرت مصر بها، والتي تحقق أرباحاً هائلة لشركاتها الدولية وفروعها المحلية، فقد حولت البلد وشعبه إلى ما يشبه محمية طبيعية سياحية، وأما الأفظع و إن معظم حكام المنطقة، بل معظم حكام بلدان آسيا وأفريقيا، احتلوا مناصبهم عبر انقلابات عسكرية أوعبر انتخابات مزورة. وتعطينا الانتخابات الديمقراطية التي جرت في ساحل العاج، والتي لا تزال نتائجها معلقة، صورة واضحة عن السبب الحقيقي الذي يجعل ‘المجتمع الدولي’ يهب لمؤازرة المرشح الرئاسي الحسن واتارا، الذي يبدو أنه فاز بفارق ضئــــيل بالأصـــوات، بينما رأيناه يهب بالأمس ضد فوز حركة حماس الفلسطينية في الانتخابات التشريعية، ثم يعزلها في غزة، ويشن ضدها حرب إبادة شاملة. إن السبب الكامن وراء المؤازرة الدولية لواتارا في ساحل العاج، هو كونه نائب الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، أي أنه مرشح هذا الصندوق، بينما مرشحو حماس في الانتخابات الفلسطينية لم يكونوا كذلك، فحيل بينهم وبين نتائجها، وبناءً عليه ينبغي على المرشحين الشرفاء في الانتخابات الديمقراطية التونسية القادمة أن يكونوا كواتارا، وإلا حرموا من تنظيم الانتخابات، أو من الفوز فيها، أو من استلام السلطة بعد فوزهم. وكما يقول تييرنو موليمبو، فإن مثل هذه التفاصيل البسيطة توضح أكثر من جميع الخطابات حقيقة مثل هذه الديمقراطية، المشروطة المفروضة، وتكشف السبب الذي جعل انتخابات بسيطة في بلد أفريقي بسيط، إنما يحتل موقعا استراتيجياً حساساً في منطقته، تأخذ بعداً عالمياً، فهذه ‘القرية الكونية’ تتألف من علاقات وصداقات، ولكي يفوز المرشح في الانتخابات لا داعي لإجهاد نفسه، لأنه ببعض الحظ وبعض المعارف، في هيئة الأمم أو البيت الأبيض أو الإليزيه، سيضمن الفوز. إننا إذا ما قلنا ان هذا العالم محكوم بنظام احتكاري شايلوكي يجعله موحداً ومجزأ في آن معاً، ويجعل أقليته مرفهة وأكثريته معذبة في آن معاً، فنحن نصف الواقع. أما السعي إلى الخلاص، في المدى المنظور، فيقوم على استراتيجية حرب المواقع، وتحقيق التقدم بتراكم الأرباح الصغيرة (ربما بالنقاط). إن ما يستطيعه الشعب التونسي (وغيره طبعاً) هو العمل على تحصين المواقع المتقدمة التي حررها واحتلها، والعمل على تحرير واحتلال غيرها، والنجاح في الاحتفاظ بها، أي أن لا يتراجع عما أحرزه، وأن يصبر ريثما تقع الأحداث الإيجابية الأعظم في المنطقة العربية وفي العالم، فالطريق إلى الخلاص الحقيقي طويلة، لكن طولها لا يعني عدم تحقيق الانتصارات النسبية، والإصلاحات الجزئية، فتراكمها ضروري لتحقيق الخلاص الحقيقي، الخاص والعام.