كتاب 11
ثروات ليبيا الضائعة والتنظيم الشرس
قبل أن يأكل الكلامَ الكلامُ أقول: على الليبيين أن يستغلوا نفطهم بشكل أمثل في تنمية مستدامة واستثمار يعود بالنفع عليهم قبل أن ينتهي النفط، ويصبح أرخص من الماء، وهذا لن يكون إلا برتق هذا الصراع على السلطة فيما بينهم.
ليبيا بلد منكوب منذ سنوات، واقع بين الفوضى والانقسام والتنافس الدولي حول الظفر بثرواته والاستحواذ عليها من ناحية، والتناطح السياسي بين الفرقاء المحليين، الذين لا يجمعهم سوى صوت الرصاص والقذائف، ولا يوحدهم الوطن ولا هموم أهله، وخلف كل هذا الصراع تنهب ثروات ليبيا المتنوعة، العينية منها والمكنوزة في وضح النهار.
فليبيا يريدها أتباع تنظيم «الإخوان» بيت مال مشاع لهم تحت مسمى «بيت مال المسلمين»، بينما بعض من رفع شعار معارضة نظام القذافي جاء متعطشاً لنهب ما يمكن نهبه من خزينتها، والفرار به خارج أراضيها.
ليبيا البلد النائم على بحيرة نفط، التي لم يعلن النظام السابق عن ثروتها الحقيقية، خوفاً من التكالب الدولي عليها، كما كان يقال وقتها، كانالنفط فيها بمثابة نقمة ولعنة عليها، أكثر من كونها ثروة تحقق لأهل هذا البلد مستوى أفضل من الحياة الكريمة وليس الرفاهية كما ظن البعض، ليبيا لم تحقق طيلة 42 عاماً أي نوع من التنمية المستدامة حتى تكون بديلاً عند نضوب النفط، أو تحوله لمجرد قار أسود لا قيمة له، في ظهور بدائل أخرى، خصوصاً في وجود تقارير ودراسات تنبئ بنهاية عصر النفط في عام 2040، وأنه سيفقد هيمنته في سوق الطاقة، ويلحق بالفحم في ظل البحث عن الطاقات البديلة وبروز الطاقة الشمسية والرياح، وبعد أن انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح لتصبحا بدائل أنظف وأرخص من النفط، وستصبح أغلب السيارات تعمل بالطاقة الكهربائية كطاقة نظيفة بدلاً من النفط، ما سيترتب عليه انخفاض شديد في الطلب على النفط، ما سينعكس سلباً على البلدان ذات الاقتصاد المعتمد كلياً على النفط، وليبيا أحد هذه البلدان، مما يشير إلى صعوبة بقاء حياة الليبيين طيبة.
النفط الليبي ينهب ويتم تهريبه، حيث كشفت صحف إيطالية عن القبض على رجل مافيا يدعى دارين ديبونو في لامبيدوزا متهم بتنظيم النقل البحري للوقود المهرب من ليبيا، صحبة جوردون ديبونو، بالتعاون مع المهربين المحليين لبيع النفط بأسعار زهيدة، وهذا ما أكده تقرير خبراء الأمم المتحدة.
ليبيا ليست غنية فقط بالنفط الأسود القابع تحت الأرض، بل بالذهب الأصفر الرنان أيضاً، فحسب بيانات المجلس العالمي للذهب، فإن احتياطي ليبيا من خامات المعدن الثمين يضعها في المرتبة الثانية أفريقياً، وفي المرتبة الرابعة عربياً لحيازة لهذا المعدن الثمين، ويتركز الاحتياطي الأساسي من خام الذهب في جبل العوينات، الذي تتم سرقته من اللصوص والمرتزقة من دول كثيرة وميليشيات إرهابية، في غفلة من أهل ليبيا المنشغلين بالصراع على الكراسي.
حتى تاريخ ليبيا وآثارها لم يسلم من النهب، فقد تم اقتحام متحف «السراي الحمراء» على شاطئ العاصمة، وسرقت منه قطع مهمة تعود إلى حقب تاريخية كثيرة من تاريخ ليبيا، منها «الحسناوات الثلاث» التي كانت من أهم القطع المنهوبة، والتي تم تهريبها إلى قطر عبر مطار معيتيقة الذي تسيطر عليه الجماعات الإسلامية، مستغلة حالة الفوضى التي تعم البلاد.
لقد تبيّن أنه تم نهب 7 آلاف قطعة أثرية من متاحف طرابلس وطلميثة وشحات ومصراتة ولبدة الليبية.
وما زال مسلسل نهب الثروات الليبية مستمراً، سواء التي في باطن الأرض من ذهب ومعادن، أو تلك الموجودة على سطحها، ما دامت ليبيا تحت سيطرة الميليشيات، سواء المؤدلجة، أو تلك ربيبة المال والنفوذ والمصالح، ما لم يستفق الليبيون من سبات الصراع ويستعيدوا السيطرة الكاملة على بلدهم.