كتاب 11
إلى متى تبقى طرابلس أسيرة «الإخوان»؟
لا يمر يوم على سكان العاصمة الليبية طرابلس إلا ويسمع أطفالها ونساؤها وشيوخها دوي الأسلحة الثقيلة، التي تبعث فيهم الرعب والفزع.
أطفال ليبيا في هذه المدينة المنكوبة باتوا يعرفون نوع السلاح المستخدم بكل أنواعه، وصاروا يميزون قعقعة السلاح من بعضها بعضاً، ويعرفون نوعيته.
لقد غدت طرابلس رهينة لدى تنظيم «الإخوان» والجماعات الأخرى التي جاءت من جلباب هذا التنظيم الشرس التي أفسد حياة الناس في البلاد العربية كلها، وخرّب ودمّر وطغى وتجبّر، حتى أصبحت بلاد العرب بهذا الشكل الذي نراه.
العاصمة التي تنوعت فيها محاولات الانقضاض والسيطرة، التي خاضها تنظيم «الإخوان» وشقيقاته للسيطرة على العاصمة منذ تأسيس ميليشيات الدروع «الإخوانية» عقب حراك فبراير (شباط) 2011، وبمجرد السيطرة على العاصمة وباب العزيزية، بعد أن هشّم الأطلسي البنية التحتية للدولة الليبية وليس فقط إزالة نظام القذافي.
ثم جاء الدعم القطري بقيادة الإرهابي النقيب حمد عبد الله فطيس المري، ليقود الفوضى في ليبيا مع جماعة الإخوان المسلمين داعماً إياهم بالمال والسلاح غير المحدود.
هوس التنظيم «الإخواني» واستعجاله السيطرة على العاصمة طرابلس، دفعه إلى جلب ميليشيات مناطقية موالية له بحكم تقاطع المصالح من خارج العاصمة لبسط السيطرة والنفوذ، ولسد العجز في تشكيل ميليشيات «إخوانية» خالصة من داخل العاصمة، باستثناء بضع ميليشيات ترتبط بالمال، وليس بالمعتقد الآيديولوجي لتنظيم «الإخوان»، ولهذا كان جلب ميليشيات من خارج طرابلس ضرورياً جداً لتنظيم الإخوان وشقيقاته لبسط السيطرة والقهر على أكثر من مليوني نسمة يسكنون العاصمة طرابلس؛ في أغلبهم يكرهون التنظيم «الإخواني» وأفكاره الخبيثة، ويرفضون وجوده.
وكانت عملية «فجر ليبيا» المسلحة، التي انطلقت لاستكمال اختطاف العاصمة عام 2014 عملية استباقية خاضها التنظيم «الإخواني» نتيجة خسارته الانتخابات، ولفرض واقع مغاير يمكنه من خلاله التفاوض لإعادة ما خسره التنظيم عبر صناديق الانتخاب بقوة السلاح.
تنظيم «الإخوان» منذ البداية سعى إلى تشكيل ميليشيات مسلحة في البلاد تحت مسمى «الدروع»، وهي قوة موازية للجيش، وأخرى تحت مسمى «اللجنة الأمنية العليا» موازية للشرطة، نظراً لصعوبة اختراق التنظيم لمؤسستي الجيش والشرطة. ولأن التنظيم كان على معرفة أن لا شعبية له تُذكر في أغلب المدن الليبية، خصوصاً العاصمة، ولا حاضنة مجتمعية له في عموم ليبيا، عمل على الاستقواء على الشعب بتشكيل ميليشيات مسلحة بمسميات دغدغ بها مشاعر المواطنين البسطاء، الذين كانوا يظنونها «ثورة» تغيير للأفضل، وأنه «ربيع عربي»، وهم لحقوا به، وأنه سينبت لهم الزهر والورد والخير الكثير، فجلب لهم الفوضى وسكاكين الذبح من «داعش» وأخواته.
البنك المركزي في طرابلس تحت سيطرة تنظيم الإخوان وميليشياته، ومحافظه رشحه للمنصب عراب تنظيم الإخوان علي الصلابي، وفق اعترافات مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي السابق، الذي وصف أعضاء التنظيم الشرس بـ«ناكثي» العهود، وأن ولاءهم لآيديولوجياتهم وليس للوطن.
العاصمة طرابلس التي تتعرض لنيران وأسلحة الميليشيات بشكل شبه يومي؛ لمجرد خلاف وتنازع بينها على أجزاء من مناطق النفوذ، تصبح العاصمة تحت النيران، وإرهاب الناس والأطفال باستخدام أسلحة ثقيلة.
لذا فإن طرابلس في حاجة لتكاتف وتعاون عربي أفريقي دولي، لافتكاكها ومؤسسات الدولة الليبية السيادية، وعلى رأسها البنك المركزي، من قبضة التنظيم الضال وميليشياته، لأن في بقاء العاصمة والبنك المركزي تحت سيطرة التنظيم الإرهابي سيكون الخطر على جميع المنطقة، فهذه الميليشيات لن تتورع عن استخدام أموال ليبيا لتصدير الإرهاب لتحقيق دولة الخلافة الإخوانية المزعومة، التي بالتأكيد ليست طرابلس أو ليبيا بأكملها نهاية حدودها.
كشفت دراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن الدولي أن «ميليشيات مسلحة في طرابلس سيطرت على مفاصل السلطة في العاصمة طرابلس، منذ دخول (المجلس الرئاسي المقترح) في مارس (آذار) 2016، وعلى الرغم من أن ولاء تلك الميليشيات لحكومة (الوفاق)، إلا أنها هي التي تسيطر بالفعل على كل شيء في العاصمة».
لذا، فإن تحرير العاصمة الليبية من تنظيم الإخوان المسلمين يعني تحرير ليبيا بالكامل وعودة الاستقرار والأمن لربوع هذا البلد المنكوب، ولن يتحقق هذا إلا بمساعدة الجيش ودعمه.