عرب وعالم
نيجيريا: جماعة موالية لداعش تتمدد في مساحات هائلة حول بحيرة تشاد
على سواحل بحيرة تشاد تنفذ جماعة حليفة لتنظيم داعش مهمة محددة، لكسب تأييد السكان المحليين.
ومن بين السبل التي تسلكها جماعة داعش في غرب أفريقيا، لاستمالة السكان حفر الآبار، وتوزيع البذور، والأسمدة، وتوفير المراعي الآمنة للرعاة لإطعام ماشيتهم.
وقال أحد الرعاة الذي يسعى بماشيته وراء الكلأ داخل وخارج المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة التي انشقت عن بوكو حرام في نيجيريا في 2016: “إذا كنت راعياً أو سائقاً أو تاجراً لن يعترضوا سبيلك، فقط اتبع تعليماتهم التي يحكمون بها المنطقة، إنهم لا يمسون المدنيين بأذىً ولا يستهدفون سوى أفراد الأمن”.
وتمكنت الجماعة بهذه الحملة من إقامة أسس اقتصاد وليد يتيح لها فرض ضرائب في إطار سعيها للسيطرة على مناطق في شمال شرق نيجيريا، وفي النيجر.
ويقول شهود ومصادر مطلعة وباحثون ودبلوماسيون غربيون إن “الجماعة تتمدد على مساحات أوسع، وأنها رسخت وضعها بصورة أكبر مما يقر به المسؤولون، وللمرة الأولى يوفر هؤلاء تفاصيل عن جهود الجماعة المتنامية لتأسيس إدارة في منطقة بحيرة تشاد”.
وتظهر خريطة نشرتها وكالة التنمية الأمريكية في فبراير الماضي، أن الأراضي التي تسيطر عليها الجماعة تمتد لمساحة تزيد عن 100 ميل في ولايتي بورنو ويوبي في شمال شرق نيجيريا، وهي مناطق لم يعد للحكومة فيها وجود يذكر، بعد صراع استمر نحو 10 أعوام.
ولم ينهزم المتطرفون كما تقول نيجيريا، ويقول باحثون إن تنظيم داعش في غرب أفريقيا، أقل تشدداً من بوكو حرام وأصبحت الجماعة المهيمنة في المنطقة، وترسم الخريطة الأمريكية صورة مشابهة حيث تسيطر الجماعة على أغلب ولاية بورنو.
ويقول جاكوب زين من مؤسسة جيمستاون في واشنطن: “داعش يحظى بسمعة بشعة حول العالم، ولا يتخيل الناس أنها قد تكون أكثر اعتدالاً من جماعة بوكو حرام”.
وأهملت الدول المحيطة ببحيرة تشاد، وهي نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون، المنطقة فترةً طويلةً، ما أتاح لجماعة التنظيم في غرب أفريقيا إقامة معقل تشن منه هجمات، وتتناقض مكاسبها على الأرض مع ما تُمنى به من هزائم وانتكاسات في سوريا والعراق.
وقال فينسنت فاوتشر المتخصص في ملف بوكو حرام بالمركز الوطني الفرنسي لأبحاث العلوم: “من المنطقي أن تدير الجماعة الاقتصاد المحلي وتفرض الضرائب”، وأضاف أن “ذلك يفتح المجال أمام مساع أطول أمداً لإقامة علاقة مع السكان”، مشيراً إلى أنه إذا نجح تنظيم داعش في غرب أفريقيا في ذلك، فقد يمثل تهديداً أكبر من جماعة بوكو حرام.
وكان الرئيس النيجيري محمد بخاري تعهد في 2015 بالقضاء تماماً على بوكو حرام، ويصر مسؤولون على أن هذا تحقق بالفعل، رغم استمرار الصراع للعام العاشر، ورفض متحدث باسم الرئاسة النيجيرية التعليق على القصة.
ليسوا حكومة
ويقول محللون إن جماعة التنظيم في غرب أفريقيا تمتلك قوة قوامها ما بين 3 و5 آلاف مقاتل، أي نحو ضعف ما لدى بوكو حرام، ولكن المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة ليست آمنة بالكامل، وتقصف القوات الجوية النيجيرية المنطقة بشكل متكرر، كما تهاجم قوات من دول بحيرة تشاد المناطق الواقعة على سواحلها وجزرها.
وقال المتحدث باسم الجيش النيجيري البرغادير جنرال جون أجيم، في إفادة إن “القوات المسلحة تعتبرهم مثل بوكو حرام، لسنا مهتمين بأي جماعة هي، ما علاقة هذا بالأمر؟”، وأضاف: “إنهم ليسوا حكومة، يخطفون فتيات من مدارسهن”.
وأعلن الجيش النيجيري عملية للقضاء بالكامل على مواقع بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، معقل داعش في غرب أفريقيا، وإنهاء التمرد المسلح هناك في غضون 4 أشهر.
ويقول دبلوماسي غربي إن الجماعة أثبتت حتى الآن أنها صعبة المراس في قواعدها في بحيرة تشاد، إذ لا تتمكن القوات من الوصول بفاعلية إلى داخل المنطقة، وأضاف أن الجيش النيجيري خسر تماماً فرصة المبادرة في مواجهة التمرد.
وأضاف الدبلوماسي أن تنظيم داعش في غرب أفريقيا على استعداد للتخلي عن مناطق أقل أهمية، لأن الجيش لا يستطيع السيطرة عليها، لكنه يسيطر بالكامل على الجزر والمناطق المحيطة بها بشكل مباشر والتي يعيش ويتدرب فيها.
وتقدم جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المساعدة للحكومات في المنطقة بالتدريب ومعلومات المخابرات، ورفض مسؤولون غربيون التعليق على القصة، أو لم يستجيبوا لطلب التعليق عليها.
وتحمي الجماعة السكان المحليين من بوكو حرام، وهو أمر لم يتمكن الجيش النيجيري من تحقيقه طوال الوقت، وقال مصدر مطلع على ملف الجماعات المسلحة، إن ذلك أكسب الجماعة دعماً محلياً وقضى على تأييد الجيش تماماً.
ويقود أبو مصعب البرناوي الجماعة، وهو ابن مؤسس بوكو حرام محمد يوسف الذي أشعل مقتله في 2009 على يد الشرطة فتيل تمرد إسلامي مسلح في نيجيريا أودى بحياة أكثر من 34 ألف شخص حتى الآن.
ولا يسعى قادة الجماعة للظهور الإعلامي، ولا يعلنون المسؤولية عن هجمات وسبب ذلك المحتمل هو تجنب وسائل الإعلام الدولية وإثارة حفيظة الحكومات في المنطقة، ويتناقض ذلك مع العنف واسع النطاق الذي تمارسه بوكو حرام بزعامة أبو بكر شيكاو المتعطش للظهور الإعلامي والذي أعدم حتى أفراداً من المقربين منه، ولغمت جماعته نساء وأطفالاً وأرسلتهم لمهاجمة مدنيين في مساجد وأسواق ومخيمات نازحين.
جواسيس في كل مكان
ويحكم العداء العلاقة بين بوكو حرام وجماعة داعش في غرب أفريقيا لكن بعض من يتنقلون في مناطق يسيطر عليها التنظيم يشعرون بأمان أكبر مقارنةً مع أماكن أخرى في شمال شرق نيجيريا.
وقال راعٍ ثانٍ: “لديهم نقاط أمنية للتفتيش، إذا كنت زائراً منتظماً يعرفونك”، مضيفاً أن هناك جواسيس للجماعة في كل مكان بما يشمل مخبرين يحذرونهم من هجمات الجيش.
وأضاف أنه “شاهد راية التنظيم السوداء، وأن الوعاظ اعتادوا على استمالة الناس”، وتابع: “على الرجال الذين يعيشون تحت حكم الجماعة إطالة لحاهم إضافةً إلى فرض قيود على التنقل ليلاً ،والصلاة أمر إجباري وقد يعاقب المخالفون بـ 40 جلدة”.
وقال رعاة إن الجماعة توفر لهم مراعً آمنة مقابل 2500 نايراً (8 دولارات) للبقرة و 1500 نايراً للحيوانات الأصغر، وتدير الجماعة أيضاً أماكن لذبح الماشية مقابل جزء من الذبيحة.
عرض وطلب
ومايدوغوري أكبر مدينة في شمال شرق نيجيريا، ومركز قتال الجيش ضد بوكو حرام، ولكن أغلب المناطق الريفية ظلت بعيدة عن أيدي السلطات مما تركها ساحة لتمدد أفراد التنظيم في غرب أفريقيا الذين يوفرون الحماية للسكان، خاصة من بوكو حرام.
وقال مصدر مطلع: “البرناوي يرسل أشخاصاً إلى مخيمات النازحين لحث الناس على العودة والزراعة والناس يستجيبون”، وأضاف أن “جيش نيجيريا يخدم المتشددين عندما يغلق الأسواق لحرمانهم من الإمدادات، وفي المقابل تشجع الجماعة على التجارة والأعمال”.
وقال أحد السكان الذي يعمل في صناعة الفحم إنهم “يعاملون الوافدين إلى المنطقة بود ولطف كما يقومون بتعليم البعض وإهداء من يريدون الانضمام إليهم دراجات نارية”.
علاقة واهية
ورغم اسم الجماعة يعتقد خبراء، أن علاقة الجماعة بتنظيم داعش في الشرق الأوسط، واهية.
وقال جاكوب زين: “الواضح من الوثائق الأساسية لجماعة داعش في غرب أفريقيا، أنها طلبت من التنظيم الرأي الشرعي في من يحق لها مهاجمتهم”، وأضاف أن “شؤون الحياة اليومية بما في ذلك العمليات العسكرية أمر متروك لقادة الجماعة أنفسهم”.
ويقول آخرون إن الجماعة المسلحة تفتقر إلى الجاذبية الواسعة التي حظي بها التنظيم في العراق وسوريا.
وقال الدبلوماسي الغربي: “تنظيم داعش في غرب أفريقيا، أكبر جماعة مرتبطة بالتنظيم لكنها منظمة نيجيرية بالأساس، لا تجتذب مقاتلين أجانب فمن الصعب الوصول إلى هذا المكان”، ولكن ما لديها من مقاتلين بإمكانه تنفيذ هجمات محددة الأهداف مثل خطف 100 تلميذة من داباتشي في فبراير(شباط) الماضي ثم الإفراج عنهن فيما بعد دون تفسير، وأيضاً شن هجوم دموي على قاعدة للجيش النيجيري في مارس(آذار) الماضي.
ولكن الجماعة تواجه معضلةً رئيسيةً، ففي حين تسعى لاستمالة السكان إلا أنها تعاقب بوحشية من يعارضها، وعلى سبيل المثال ذبحت الجماعة عشرات الصيادين في أغسطس(آب) الماضي ما قد يضر بموقفها بين السكان المحليين، وقال الباحث فاوتشر: “من المهم عدم رسم صورة وردية للوضع هناك”