آراء حرة
ليونيد بيرشيدسكى يكتب: هل ساهم «فيسبوك» في تمزيق النسيج الاجتماعي؟
من المتوقع أن يرفع موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» نسبة المبيعات بواقع 46 في المائة، وأن يضاعف صافي الدخل مرتين. لكن صدق أو لا تصدق، كان العام الماضي عاماً سيئاً للموقع. فعلى الرغم من الأداء المالي، فإن عملاق التواصل الاجتماعي سيواجه تصفية حسابية عام 2018، مع حصار الجهات التنظيمية له من عدة جبهات.
تتعلق القضية الأولى بمحتوى الموقع نفسه، فبدلاً من «تكوين شبكة علاقات اجتماعية عالمية»، بحسب الهدف الذي حدده مؤسسه مارك زوكربرغ، فقد تسبب الموقع «في تمزيق النسيج الاجتماعي»، بحسب تعبير تشامث بالميتيبي، نائب الرئيس السابق للمؤسسة لشؤون نمو أعداد المستخدمين. فهو لا يسمح لأطفاله باستخدام «فيسبوك»، لأنه لا يريد لهم أن يصبحوا عبيداً للعقد الناتجة عن زيادة نسبة مادة «الدوبامين» في الدماغ التي تحدث نتيجة للتفاعل عبر «فيسبوك».
وتماثل انتقادات بالميتيبي تلك التي أثارها سين باركر، أول رئيس لـ«فيسبوك»، والتي قال فيها حرفيا «هي تتسبب في تغيير علاقتك بالمجتمع، وعلاقة الناس ببعضها البعض. الله وحده يعلم ما يسببه لعقول أطفالنا».
من جانبه، جاء رد فعل «فيسبوك» على اتهامات بالميتيبي عصبياً، حيث قال إنه «لم يعمل بالشركة لفترة طويلة (فقد تركها عام 2011)» ولم يكن على علم بمبادرات «فيسبوك» الأخيرة. ولا أرى أي انعكاسات لتلك المزاعم التي ساقها باركر أو بالميتيبي على المستخدمين للشبكة الاجتماعية.
بالنسبة للغرباء والجهات المنظمة، فإن «فيسبوك» يبدو مصدراً للراحة الآنية في مجال مهم لصحة المجتمع. غير أنه، في المقابل، يجعل من إساءة الاستخدام والعدوانية تجاه الغير أمراً بالغ السهولة، وهو ما أشارت إليه «اللجنة البريطانية لمعايير الحياة العامة» في تقرير نشر الأربعاء الماضي. ففيما بدا كأقوى جرس إنذار في مجال الإعلام الاجتماعي على الإطلاق، فقد ناشد التقرير رئيس الوزراء لدعم التشريعات بهدف «تغيير ميزان المسؤولية القانونية تجاه المحتوى غير القانوني لمؤسسات التواصل الاجتماعي».
ورغم أن «فيسبوك» لا يزال المنصة الاجتماعية الأقوى، فقد بات «غوغل» و«تويتر» يواجهان ضغوطا مشابهة من الحكومة في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد سنّت ألمانيا قانوناً يطالب مواقع التواصل الاجتماعي بحذف أحاديث الكراهية فوراً أو مواجهة غرامات. وفي الولايات المتحدة، فقد دفعت الممارسات التي قامت بها روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية «فيسبوك» إلى تطبيق المزيد من إجراءات الأمان على مبيعات الإعلانات، عبر الموقع وإلى محاولة سن المزيد من التشريعات لضمان الشفافية.
تعتبر الضرائب ميداناً آخر يستهدفه المنظمون خاصة في أوروبا. فـ«فيسبوك»، شأن «غوغل»، يحتفظ بجميع عائداته غير الأميركية في آيرلندا، نظرا لضرائب الشركات المنخفضة هناك، ويسدد غالبيتها هناك مقابل حقوق الملكية، مما تسبب في تطبيق ضريبة فعالة بنسبة 10.1 في المائة على موقع «فيسبوك» في الربع الثالث من عام 2017.
والعام الحالي، طالبت الدول الأوروبية ذات الاقتصاديات الكبرى، في مقدمتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، بتطبيق ضريبة الدخل على حجم الأعمال على شركات التكنولوجيا الأميركية، كتعويض على عدم سداد الضرائب. غير أن ذلك الإجراء الغاضب فشل في الحصول على الزخم الكافي من الاتحاد الأوروبي بفضل آيرلندا وغيرها من الدول التي تخشي التبعات الاقتصادية لذلك الإجراء. لكن الدول الأوروبية قامت بإجراءات أحادية، فمثلا قام الحزب الحاكم في إيطاليا بدعم خطة لاستقطاع نسبة 6 في المائة، من أي إعلان إلكتروني داخل الدولة.
والثلاثاء الماضي، أعلن «فيسبوك» أنه سيستقطع عائدات حجز الإعلانات الكبيرة في البلاد التي يعمل بها، باستثناء آيرلندا. لكن عندما جرب «فيسبوك» و«غوغل» تلك الطريقة في المملكة المتحدة، لم تتسبب في زيادة للضرائب بصورة كبيرة، بحسب الخبير الاقتصادي الآيرلندي سيموس كوفي. والعام الماضي، سدد «فيسبوك» في إنجلترا 2.6 مليون جنيه إسترليني (3.5 مليون دولار) ضرائب، فيما تحصل على عائدات إعلانات بقيمة 842 مليون جنيه إسترليني. وبصرف النظر عن المكان الذي تحجز فيه الشركة مبيعاتها، فإنها أيضا مطالبة بسداد قيمة حقوق الملكية الفكرية التي تتم بعيداً عن أوروبا، مثل جزر كإيمان. ويتشكك كوفي في أن يتسبب النظام الجديد في حدوث تغيير كبير في فاتورة ضرائب «فيسبوك» الإجمالية، لكن ما سيحدث هو عائدات أصغر ستتجه لدول أخرى.
يحاول «فيسبوك» أيضا أن يستبق حدوث المشكلات الخاصة بالإعلانات والمحتويات المنفرة عن طريق توظيف نحو 1000 مراجع. لكن حتى وإن قام بتوظيف 100 ألف مراجع، فلن يستطيع جيش المراجعين السيطرة على المحتويات المجهولة، التي ينشرها نحو ملياري مستخدم مجهول، منها عدد ضخم من الروبوتات والأشخاص مدفوعي الأجر.
الحل الوحيد هو تطبيق سياسة تقول إن الناس مسموح لهم بعمل صفحات بأسمائهم الحقيقية فقط، ليكون كل شخص مسؤولاً عن محتوى صفحته. لكن ذلك سيتسبب في تقلص قاعدة مستخدمي «فيسبوك»، وهو ما سيدق جرس إنذار للمستثمرين.