الحراك السياسي

02:10 مساءً EET

قيادات أمنية وخبراء: المواطنين العائدون من القتال في سوريا والعراق.. خطر علي الدولة‎

تتحسب دول مختلفة حول العالم لعودة مواطنيها ممن توجهوا إلى العراق وسوريا وانضموا للقتال في صفوف تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة، وذلك بعد الضربات القاضية التي تلقتها هذه التنظيمات في البلدين.

وبطبيعة الحال، فإن مصر واحدة من هذه الدول، وخاصة في ظل الانفلات الأمني في الجارة ليبيا.

ووفقاً لكثير من المتابعين، فإن عدد المصريين الذي انخرطوا في التنظيمات المتطرفة في الدولتين قد يكون قليلاً بالمقارنة بدول إقليمية أخرى، ولكن الخطر المتوقع لعودتهم سيشكل تحدياً أمنياً كبيراً.

يقول عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف العميد خالد عكاشة، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه “وفقاً لتقديرات مراكز بحثية محلية ودولية موثوق فيها، فإن مصر لا تحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول من حيث انضمام أفراد منها لداعش وغيره من التنظيمات المتطرفة… ربما لا يزيد عدد العناصر المصرية التي تواجدت بتلك التنظيمات عن الألف”.

وأشار إلى أن “خطورة هذه العناصر لا تقتصر على إمكانية عودتها وشن هجمات داخل مصر… وإنما أيضاً قدرتها على إيذاء مصر من الخارج إذا ما تواجدوا في دولة جوار لها تمر بحالة من السيولة الأمنية العالية مثل ليبيا”.

وأوضح: “بعض تلك العناصر التي عادت بالفعل ربما قد شاركت بالحوادث الأمنية الأخيرة سواء بسيناء حيث تنظيم بيت المقدس فرع داعش بمصر أو حوادث الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد وغيرها.. ولكن برأيي الدور الأكبر كان لعناصر تابعة لتنظيم القاعدة تمركزت بليبيا منذ فترة غير قليلة وامتلكت السلاح المتطور والثقيل وخبرات القدرة على التنقل.. وبالتالي فإن انضمام المزيد من العناصر لهم يعني ببساطة توقع المزيد من الهجمات”.

وأوضح مدير مركز فيريل للدراسات الألمانية جميل شاهين، أنه “طبقاً لدراسة أُعدت بمركزه ببرلين عن هويات المقاتلين الأجانب بسوريا، احتلت مصر المرتبة الـ12، وهو مركز متأخر مقارنة بدول كالمملكة العربية السعودية وتركيا ودول الشيشان وجنوب آسيا الوسطى والعراق وتونس”.

وأضاف: “منذ بداية الأزمة السورية في 2011، اقترب عدد المصريين الذين انضموا إلى مختلف التنظيمات من الألفي عنصر.. وطبقاً للدراسة هناك 870 مفقوداً من العناصر المصرية. ونتوقع أن يكون هؤلاء لقوا حتفهم خلال المعارك بين الفصائل وبعضهم دفنوا بمقابر جماعية مجهولة، لأن قتلى المعارضة بمعارك مع النظام يتم فحص هوياتهم جيداً بمعرفة أجهزته المخابراتية … أو قد يكونوا قد نقلواً لمستشفيات بالداخل أو ربما بتركيا حيث تنشط تجارة الأعضاء البشرية وبالتالي تم أخذ أعضائهم والتخلص من الجثث”.

واستنتج أن “المتبقي على قيد الحياة إذن قد يكون في حدود المئات”، وحذر من أن “البعض منهم قد يعود لمصر ويدخل البلاد بشكل نظامي بعد الحصول على هوية وإقامة دولة أخرى أوروبية، وبالتالي يصعب على الأجهزة الأمنية كشفهم”.

ويرى عضو البرلمان والخبير الأمني البارز سمير غطاس أن خطورة العناصر المصرية العائدة لا تكمن في عددها لكونه غير كبير وإنما في نقل ما اكتسبوه من خبرات قتالية لمن سيستطيعون تجنيدهم داخل البلاد، مذكراً بأن “أغلب القيادات المؤسسة للتنظيمات الإرهابية الحالية مثل حسم وبيت المقدس هم من العناصر المصرية التي قاتلت بأفغانستان وألبانيا والتي كان محظوراً دخولها لخطورتها على الأمن القومي، واستطاعوا العودة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي”.

وحول تعديلات قانون الجنسية التي تمت إحالتها للبرلمان وتتضمن إسقاط الجنسية عمن يثبت انضمامه لمنظمات إرهابية، قال غطاس في تصريح إن التعديلات لم تناقش بعد، وأنه لا تستطيع مصر ولا أي دولة رفض أي مواطن عائد إذا ما تم تسليمه رسمياً لكون ذلك مخالفاً للقوانين الدولية.

وأضاف: “نرى أن هذه التعديلات قد تسبب ضرراً سياسياً وحقوقياً لصورة مصر بالخارج لاحتوائها على صياغات فضفاضة.. فضلاً عن عدم وجود وضعية قانونية لعديم الجنسية بالبلاد، وكذلك لأن السلطات المصرية لن تكون مخولة بمعاقبة من ستسقط جنسيته حتى إن ثبت ارتكابه لجرائم بحق مصر”.

وأشار الباحث في الحركات الإسلامية ماهر فرغلي إلى صعوبة أن تتمكن السلطات من رصد كل من توجهوا لمناطق سوريا والعراق بصورة دقيقة. وقال إن فترة الرئيس السابق مرسي شهدت تشجيعاً كبيراً لشباب صغير السن للسفر والجهاد بسوريا.

وأضاف: “بعض من سافروا لم يكن لديهم نشاط قبل سفرهم ليتم رصدهم من قبل الأجهزة الأمنية، فضلاً عن أن أغلبهم سافر بتأشيرات سياحية لإيطاليا وتركيا ومنها توجهوا لسوريا وانضموا تحديداً لحركة أحرار الشام ومنها توزعوا لداعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات المعروفة بتشددها، والآن يستطيعون العودة بسهولة بنفس طريقة الذهاب، وبالتالي هذه هي الفئة المرجحة للعودة، وليس القيادات الكبيرة المرصودة أمنياً”.

من جانبه، أكد مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء مجدي بسيوني استعداد وتكاتف الأجهزة والمؤسسات المصرية لمواجهة خطر العودة المحتملة لهذه العناصر، مشيراً إلى الخبرات “التي اكتسبها الأمن المصري خلال تعامله مع ملف العائدين من أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، والتي تبلورت الآن أكثر وأكثر بفضل التبادل السريع للمعلومات بين الأجهزة الأمنية على المستويين الإقليمي والعالمي بعد أن بات الإرهاب طوفانا يواجه الجميع لا دولة بعينها”.

وشدد بسيوني، لـ(د.ب.أ)، على أنه “رغم الاستعداد واليقظة الأمنية، فإن الإرهاب سيظل موجوداً بفعل التمويل الخارجي”، وقال: “طالما هناك تمويل يظل هناك إرهاب … الجميع يعرف حجم التحديات الموجهة ضدنا من قطر وتركيا، ولو لم يكن الأمن مستعداً لكانت البلد قد انهارت تماماً … يكفي ما يتم ضبطه من كميات هائلة من شحنات أسلحة وذخائر بملايين الدولارات ليعرف الجميع مدى استعداد أجهزتنا على الحدود رغم وعورتها وطولها، فضلاً عما يوجه من ضربات استباقية لأوكار الإرهاب بالمحافظات والمدن المصرية”.

إلا أنه عاد وأكد أهمية “تكاتف اليقظة المجتمعية مع الأمنية لدرء خطر هذه العناصر”.

وحث أحمد كامل البحيري الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدولة على العمل على إدماج وتأهيل من وصفهم “بالعناصر المحبطة” ضمن العائدين.

وقال، لـ(د.ب.أ)، :”عدد المصريين بداعش لم يكن كبيراً، ولم يتواجدوا أيضاً بصفوفه القيادية نظراً لحصرها منذ تأسيس التنظيم على العنصر العراقي … عددهم كان في حدود الألف من الذكور والإناث، قضى نحو 300 منهم في العمليات، والباقي نحو 700 ، ربما يعود نصفهم … وجزء كبير من هؤلاء العائدين فئة نطلق عليها “العنصر المحبط” وهم من الشباب الصغير الذي انخدع بشعارات الخلافة، وعندما سافر وانضم فعليا وعرف حقيقة التنظيم الإرهابي والأفعال الشائنة التي تمارس داخله هرب أو كان يحاول.. هؤلاء من الممكن استقطابهم وتأهيلهم تدريجياً للعودة للمجتمع”.

وحذر من أن هؤلاء يختلفون عن فئة أخرى ساكنة لعدم توافر المال والسلاح والتواصل، كما يختلفون عن فئة الفاعلين الذين ينضمون فور وصولهم لتنظيمات إرهابية معروفة كبيت المقدس أو جماعات وليدة في الوادي والدلتا، أو حتى يمكن توظيفهم على الفور من قبل أطراف بالداخل والخارج لشن أعمال عنف.

وأشار في هذا الإطار إلى أنه “بينما لا توجد أدلة واضحة على علاقة داعش بتنظيم الإخوان المسلمين.. فإن عناصر الإخوان يشكلون باستمرار بيئة خصبة للاستقطاب لأي تنظيم متطرف في ظل الحديث عن المظلومية والثأر، ما يجعل التعاون غير مستبعد رغم اختلاف المنطلقات الفكرية”.

ورأى البحيري أن “الثغرات على الحدود الغربية تظل هي الأخطر أمنياً، تليها الثغرات على الحدود الجنوبية مع السودان.. أما الحدود الشرقية بسيناء فتشهد تحسناً نسبياً خاصة في ظل التعاون الأمني مع الأردن وتحسن العلاقات مع إسرائيل”.

وقد أجمع المتابعون على أن السلطات المصرية لن تتوانى عن مواجهة هذا التهديد بكافة السبل من أجل تعزيز ما حققته من استقرار اقتصادي ومجتمعي، وأنها ستواصل جهودها لتحقيق قدر من الاستقرار في دول جوارها لأن هذا سينعكس بالتالي على أمنها الداخلي.

التعليقات