مصر الكبرى
دور العدالة الانتقالية في بناء الديمقراطية في مصر
محمد الشناوي
بعد أن تولى الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي منصبه كأول رئيس مدني منتخب في مصر،بات من المؤكد أن تكون مشكلة استمرار الفراغ الأمني من أولوياته القصوى إلى جانب ما بدا وكأنه محاكمات صورية لرموز النظام السابق وعدم تحقيق العدالة فيما يتعلق بحقوق ضحايا استخدام العنف لقتل وإصابة المتظاهرين والتباطؤ الشديد في إصلاح أجهزة القمع خاصة الشرطة وقوات الأمن، وعدم وجود دلائل واضحة على أن أخطاء وانتهاكات النظام السابق قد توقفت بعد الثورة.
ويجب ألا يعيد الرئيس اختراع العجلة للتصدي لمثل تلك التحديات بل يجب على فريقه الرئاسي أن يسارع بالرجوع إلى تجارب الشعوب الأخرى في التعامل مع عملية التحول الديمقراطي بعد عقود من الدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان حيث يرى الخبراء أن المشكلة الأساسية التي مرت بها الفترة الانتقالية في مصر هي أن المجلس العسكري الحاكم أخفق في اتباع ما يسمى بآليات العدالة الانتقالية وهي:
أولا: الملاحقات القضائية لأكثر رموز النظام السابق تحملا للمسئولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي.
ثانيا: تعويض المتضررين من تلك الانتهاكات والاعتذار عما حدث لهم في الماضي.
ثالثا: تشكيل لجان الحقيقة لمعرفة أسباب انتهاكات الماضي وضمان عدم تكرارها في المستقبل.
رابعا:إصلاح المؤسسات التي شاركت في القمع في الماضي كالشرطة وأجهزة الأمن وكذلك إصلاح القضاء
تقييم الحالة المصرية بالنسبة للعدالة الانتقالية:
ويرى البروفيسور ناثان براون- أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن
أنه بعد أكثر من عام من اندلاع الثورة المصرية لم تر القوى السياسية في مصر أي إصلاح لأجهزة الشرطة بحيث يتم تطوير مفهومها للخدمة من مجرد خدمة السلطة والنظام إلى مفهوم خدمة الشعب والمجتمع بأسره، وفيما يتعلق بالملاحقة القضائية لرموز النظام السابق فإنها تجاهلت معظم التهم المتعلقة بانتهاكات الرئيس مبارك وأعوانه لحقوق الإنسان وتقلصت لتشمل عددا قليلا منها كما أن المحاكمة جرت أمام محكمة عادية بدلا من محكمة خاصة عادة ما يتم تشكيلها بعد قيام الثورات.
أما دانيال برومبرج- كبير مستشاري معهد السلام الأمريكي في واشنطن فيرى
أن ما حدث في الفترة الانتقالية يجب تصحيحه الآن حيث أنه بدلا من تعويض المتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان في عهد مبارك استمرت انتهاكات حقوق الإنسان المصري خلال الفترة الانتقالية تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مما خلق فجوة من عدم الثقة بين الثوار والمجلس،بل وأدت إلى تكرار اندلاع المواجهات واستخدام العنف، وبعكس الحالة التونسية حيث خرج الجيش نظيف اليدين لم تعد نظرة المصريين للجيش كمنقذ بديل لقوات الأمن التي قمعت الشعب في الماضي، كما أن محاكمة الرئيس المخلوع مبارك بدت إلى حد كبير مسرحية سياسية أراد المجلس العسكري استخدامها لكسب الشعبية ولكن لم تفلح في تحقيق ذلك الهدف فيما يحاول لواءات المجلس العسكري تحويل مسار الثورة باتجاه مصالحهم وليس نحو ما يريده الشعب المصري.وأدى عدم إصلاح أجهزة الأمن إلى حالة من الفراغ الأمني التي أسهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل بات يهدد استقرار البلاد.
بينما يقيم هاني مجلي- رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اخفاق المجلس العسكري في انتهاج آليات العدالة الانتقالية فيقول:
"بعد مرور عام وأكثر على الثورة يشعركثير من المصريين أن المجلس العسكري الحاكم تجاهل مطالبهم وكان الأوجب أن يدرك لواءات المجلس أنه فيما يتعلق بأولويات تطبيق آليات العدالة الانتقالية يجب الاستماع لما يقوله الشعب ومعرفة هل يفضل الشعب أن تكون الأولوية هي العدالة الناجزة في محاسبة رموز النظام السابق أم إصلاح الشرطة والنظام القضائي أم تعويض المصابين وأسر الشهداء؟ لأنه لن يمكن توفير الاستقرار المنشود دون تنفيذ آليات العدالة الانتقالية والتي يصعب عادة تنفيذها في آن معا وإنما بأولويات يحددها الشعب."
توصيات الخبراء من أجل تحسين عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مصر
ويوصي هاني مجلي الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي بما يلي:
"على الرئيس المنتحب أن يعيد ترتيب أولويات آليات العدالة الانتقالية بحسب الرغبة الشعبية وألا يقبل بأن يحكم المجلس العسكري مصر من وراء الكواليس بعد انتخابه رئيسا جديد للبلاد لأن مثل تلك المحاولة سبق وقام بها الجنرالات في بيرو وأسفرت عن تعثر التحول نحو الديمقراطية لمدة زادت على عشرة أعوام، وبالنسبة للإخوان المسلمين الذين تمكنوا في انتخابات مجلس الشعب من أن يصبحوا أكبر كتلة برلمانية في المجلس يتعين عليهم التعاون مع كافة القوى السياسية الأخرى وعدم استبعاد أي تيار سياسي لضمان الانتقال السلس نحو الديمقراطية في مصر."
أما البروفيسور ناثان براون فيناشد كلا من المجلس العسكري والقوي السياسية المصرية أن تتعاون معا لتيسير انتقال حقيقي لمصر إلى الديمقراطية:
"يتعين على المجلس العسكري الحاكم في المرحلة المقبلة ألا يحاول انتهاج النموذج التركي الذي احتفظ من خلاله جنرالات الجيش لعقود طويلة بنفوذ سياسي هائل باعتبارهم حماة الدستور العلماني، كما يتعين ألا يحاول الإخوان المسلمون من خلال حصولهم على أكبر نسبة من مقاعد مجلس الشعب المصري إعادة صياغة النظام السياسي المصري من خلال لجنة صياغة الدستور ليتناسب مع رؤيتهم الخاصة، بل اتباع النموذج التونسي في التحول الديمقراطي حيث اختارت الأغلبية المنتمية للإسلاميين أن تعمل عن كثب مع القوي السياسية الأخرى التي لا تنتمي للتيار الإسلامي بدلا من أن تحاول أن تلقي بثقلها على العملية السياسية."
ولدانيال برومبرجرؤيته الخاصة في علاقة القوى السياسية المصرية بالمؤسسة العسكرية:
" نظرا لأن القوات المسلحة كان لها دور خاص في مصر منذ ثورة عام 1952 وتمكنت من الحصول على امتيازات اقتصادية سخية في العقود الأخيرة فإن لواءات المجلس العسكري لا يريدون أن يؤدي انتقال السلطة إلى المدنيين إلى حرمان الجيش من تلك الميزات وسيحتاج الأمر في مصر إلى عملية مساومة بين القوي السياسية وبين المجلس العسكري لتوفير بعض الضمانات للقوات المسلحة وإذا تمكن الإخوان المسلمون من تشكيل الحكومة القادمة فسيتعين عليهم التنازل عن بعض الامتيازات للقوات المسلحة."