كتاب 11
فرنسا: صراع «داخل» الحضارات!
الجولة الأولى من نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا تثبت بشكل حاسم نهاية النظام الحزبي التقليدي في العالم، سواء أكان المقصود هناك الحزب اليميني أو الحزب اليساري. فالاثنان سقطا تقليديا، واليوم بات الظهور والصعود لنظام الفرد الواحد، نظام الحكم للفرد بدلا من الحزب.
أفراد قرروا السير ضد التيار السائد النمطي وقرأوا ما يرغبه الشارع، شاهدنا ذلك في تصويت بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي، ورأيناه بوضوح في انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة. أهل العولمة وعدونا بعالم مسطح، كما وصفه الكاتب توماس فريدمان، لنرى اليوم عالما «جبليا» مليئا بالمنحنيات تشكله الانتماءات الطائفية والعقائدية والدينية والأقلية المتطرفة البعيدة تماما عن فكرة التعايش والتسامح والتآخي الإنساني. بل حتى فكرة نهاية العالم التي روج لها المؤلف الأميركي فرنسيس فوكوياما، إذ قال في كتابه الشهير بنفس العنوان إن سقوط الاتحاد السوفياتي هو نهاية العالم كما نعرفه.
الوحيد الذي «توقعها» وكان له بعد نظر فيما طرح مع أنه تعرض لحملة هجوم عنيفة جدا على ما بينه وقتها هو الكاتب والمؤرخ الأميركي المعروف صاموئيل هاننغتون الذي أوضح فكرة «صدام الحضارات» في كتاب يحمل نفس العنوان المثير للجدل.
وما نراه اليوم هو فعلا كذلك، إنه صراع الحضارات والثقافات بالمطلق، أفكار وأديان وعقائد ومذاهب وطوائف تتصادم وتتصارع وتتشابك بشكل مجنون ودموي. قد تكون بداية انهيار المؤسسات التقليدية كما عرفتها الإنسانية بأشكالها المعترف بها، وقد تكون بداية تشكيل لمؤسسات جديدة.
صراع الحضارات قديم وليس بجديد، والصراع تحول في مراحل تاريخية مختلفة إلى صدام وإلى معارك بين شرق وغرب وشمال وجنوب وأديان ومذاهب. تارة لأسباب سياسية وتارة لأسباب اقتصادية، وتارة لأسباب دينية وتارة لأسباب ثقافية. في كل مرة كان يتم توظيف وإعادة توظيف الشعارات والأهداف لتناسب الحالة.
اليوم يعيش الغرب السياسي حالة لافتة ومهمة تتمثل في تشقق الجدار البنيوي الاجتماعي الذي قام عليه وأسسته مجموعة من القيم ولأهداف السامية والنبيلة، ليعيش الآن حالة «الصدمة» مع نفسه أولا، ومن ثم ينتقل لحالته الجديدة هذه، إلى حالة التصادم مع الآخر عبر سلسلة غير مسبوقة من السياسات والتشريعات التي من السهل وصفها بالعدوانية والإقصائية والسلبية، وهي عكس تماما ما كان الغرب السياسي يمجد نفسه بأنه حامي الحقوق وحصن الأقليات. صراع داخل الحضارات قد يكون الوصف الأدق لما يحصل داخل الغرب، هوية جديدة تحاول أن تخرج والمخاض عسير وصعب قد يولد حياً ويعيش وتتغير الهوية النمطية للسياسة الغربية، وقد يوأد في المهد ويموت من خلال المخاوف الآتية معه، هذا يعتمد على الاتجاه الفرنسي النهائي المقرر حسمه في مايو (أيار) المقبل. ماكرون الشاب الجديد المسمى كينيوي الفرنسي الجديد الذي أطل فهزم الكل، أما لوبان فهي الوجه الكريه ورمز العنصرية والكراهية. فرنسا هي رمز أوروبا ورمز الحقوق في الغرب، ونتائج الانتخابات فيها أثرها لن يكون فرنسيا فقط.