تحقيقات
صفحة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية
في توقيت شديد الأهمية والدلالة،تأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الى الولايات المتحدة الامريكية .. حيث تشهد قواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تغيرًا ملحوظًا مع تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتوافق أجندته مع مصر في كثير من الملفات .
قرارات ومواقف أمريكية جديدة سيكون لها تأثير مباشر على شكل وخريطة التحالفات الإقليمية خصوصًا تلك التي تدعمها واشنطن بشكل أو بأخر.، يأتى هذا فى وقت تشهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية تغيرا ملحوظا في سياستها تجاه العديد من الملفات أهمها الموقف من سوريا وعلاقتها بروسيا وإيران، لاسيما بعد مجئ ترامب بأجندة مغايرة تمامًا عن خلفه باراك أوباما الذي شهدت فترة رئاسته توترا في العلاقات مع كثير من الدول من بينها مصر والسعودية على خلفية قانون “جاستا” والمساعدات العسكرية للقاهرة، بالإضافة إلى أن أوباما لم يقدم جديدا بشأن ملف القضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر أي اختراق للعلاقات الشرق أوسطية.
ملفات .. فى حقيبة السيسى لواشنطن..
على ضوء هذا يمكن قراءة زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن حسب تقارير منسوبة للخارجية- وأهم الملفات التى تحملها تلك الزيارة وتوافق أجندة ترامب مع السيسى في كثير من الملفات أهمها مواجهة الإرهاب وتقليص نفوذ التيار الديني المتطرف، والذي يعتبر أهم نقاط التلاقي بين الرئيسين ، فالسيسي يواجه ذلك التيار على مسرح العمليات بسيناء ويحتاج إلى مزيد من الدعم الإقليمي في هذه الحرب لتسريع وتيرة حسمها، وهو ما يأتي منسجمًا مع قرار آخر اتخذه ترامب فور توليه الحكم بشأن منع دخول 6 دول عربية بالإضافة إلى إيران للأراضي الأمريكية في سياق الحرب على الإرهاب، وما يتضمنه هذا الملف من تفاصيل يدخل ضمنها إشكالية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وإمكانية وضعها على قوائم المنظمات الإرهابية، وهو ما تخشاه الجماعة نظرا للتوجهات المعروفة عن ترامب بعدائه لتيار الإسلام السياسي ، وإمكانية تحريك مشروع القرار الذي كان قد تقدم به نواب بالكونجرس في هذا الصدد.
الإدارة الأمريكية الجديدة بحاجة لمزيد من المعلومات بخصوص جماعة الإخوان في مصر والتي سيكون لها تأثير في حسم وضع الجماعة على قوائم المنظمات الإرهابية ، وهو ما يتوقع ان يقوم به السيسي خلال الزيارة.
ملف آخر لايقل أهمية عن مواجهة الإرهاب وسيكون مطروحًا على مائدة الحوار بين الرئيسين الذين قيل عنهما أنهما تربطهما كيمياء محددة أدت لشىء من الانسجام في كثير من الملفات، وهو ملف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر والتي تقلصت فترة عهد أوباما باستغلال ملف حقوق الإنسان والحريات كذريعة لتقييد حركة النظام المصري ، وهو الملف الذي عرقل التعاون بين واشنطن والقاهرة لما له من علاقة بملف التيار الديني في مصر واشكالية العلاقة مع القيادة فى مصر .
وتمثل القضايا الإقليمية عنصرًا رئيسيًا في مباحثات السيسي في الولايات المتحدة لاطلاع المسئولين الأمريكيين على موقف مصر الداعم للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمات في المنطقة باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء العنف ووقف إراقة الدماء، فضلًا عن التأكيد على موقف مصر بضرورة اعتبار كل التنظيمات المتطرفة في المنطقة على أنها وجه واحد بمسميات مختلفة.
وستكون القضية الفلسطينية أيضا محورا رئيسا ومهما على أجندة مباحثات الرئيسين، حيث أعلن الرئيس السيسي خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبومازن” أن إحياء عملية السلام ستكون على أجندة المباحثات الثنائية خلال لقائه مع ترامب، وهو ما تم التأكيد عليه خلال القمة الثلاثية التي جمعت الرئيسين السيسي وأبومازن مع العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، على هامش أعمال القمة العربية التي اختتمت أعمالها في البحر الميت بالأردن .
وتختلف هذه القمة عن كل اللقاءات الثنائية السابقة التى كانت أجندتها تتمحور حول قضايا معينة، هى (الأزمة الفلسطينية والمساعدات الأمريكية لمصر وملف حقوق الإنسان)، بينما الآن قضية مكافحة الإرهاب هى الهَمّ المشترك الأكبر بين الدولتين والرئيسين، كما أن مصر سيكون لها دور مؤثر، ليس فى القضية الفلسطينية فقط، لكن الأمور ستمتد إلى ليبيا وسوريا..
فيما يعتقد الخبراء العسكريون أن موضوع المساعدات الأمريكية لن يكون مطروحاً بقوة، لأن القاهرة تستعيد علاقاتها مع واشنطن بعد أزمة أراد فيها النظام الديمقراطى الأمريكى – وقتها – إخضاع مصر ضمن التبعية، ورَفَضَ «السيسى» واستطاع تنويع علاقات مصر الخارجية، وبالتالى لن تعود القاهرة مرة أخرى تحت العباءة الأمريكية، كما أن «ترامب» يبحث عن تخفيض ميزانية المساعدات بشكل عام لصالح رفع ميزانية وزارة الدفاع بنحو 10%، وهو ما يقدر بـ54 مليار دولار.
أما ملف حقوق الإنسان، فالواضح أن تعامل الإدارة الأمريكية معه لن يكون مثل الديمقراطيين، خاصة بعد النجاحات التى حققها
«السيسى» فى ملفىْ تحرير الاقتصاد وتحسين أوضاع الأقباط .
الواضح أن التوافق بين «ترامب» و«السيسى» أكبر من الاختلاف، وأن الأهداف والمصالح متوافقة أيضاً، فـ«ترامب»-كما قال السفير ياسر رضا، سفير مصر بواشنطن، يركز فى برنامجه على نقطتين؛ مكافحة الإرهاب والبحث عن فرص عمل جديدة لشركات بلاده.
والواضح أن مصر هى الرقم الصعب فى المنطقة لمكافحة الإرهاب؛ سواء على أرضها، أو دورها فى البلدان الأخرى، وخبرتها فى هذا الملف كبيرة جداً على الأرض، كما أن «السيسى» يبحث عن التعاون الاقتصادى مع كافة بقاع الأرض بعد خطوات اقتصادية جريئة خلال الفترة الماضية .
برنامج زيارة «السيسى» لن يكتفى بالحوار مع «ترامب» فقط، بل سيشمل أهم مؤسستين اقتصاديتين دوليتين، هما صندوق النقد والبنك الدولى، بالإضافة إلى لقاءات متنوعة مع رؤساء لجان بالكونجرس ورجال أعمال ورؤساء الشركات الكبرى ومراكز الدراسات والأبحاث. كما سيشمل برنامج السيسى تنوعاً ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة أن مصر لا تخفى شيئاً وليس لديها ما يعيبها، بل تملك أوراقاً مهمة للعب دور مؤثر فى المنطقة، خاصة أن الزيارة تأتى بعد القمة العربية فى الأردن وفى ظل أوضاع عربية صعبة ومنطقة ملتهبة ودور أمريكى مرتبك خلال السنوات الماضية يبحث «ترامب» عن تصحيحه، وقد قدم البنتاجون تقريراً مؤخراً إلى الرئيس الأمريكى حول كيفية هزيمة داعش.
الاهتمام الشعبى بالزيارة يؤكد أنها غير عادية، ويعكس مدى نجاح «السيسى» فى التعبير عن طموحات شعبه فى التوافق مع أمريكا بما يحقق المصالح المصرية دون أى مساس بالكرامة، كما أن الزيارة ترد على كل الذين انتقدوا انفتاح مصر على روسيا، وتؤكد أن القاهرة تدير ملفاتها الخارجية باقتدار وبتنوع يعكس أن مصر على الطريق الصحيح.
جديد العلاقات..
لا يسع المراقب إلا أن يلاحظ أن هناك بعض الخطوات والأفعال التى إتخذت مؤخرا والتى تشير إلى عودة بعض الدفء للعلاقات الثنائية، بعد فترة من التدهور والبرودة.
ويتمثل آخر هذه المستجدات فى طلب إدارة الرئيس باراك أوباما من الكونجرس الأمريكى إلغاء الشروط المرتبطة بمنح المساعدات العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا. وتتعلق تلك الشروط التى فرضها الكونجرس بعد ثورة يناير 2011 بالتقدم نحو الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان. وإذا كان القانون الذى فرض تلك الشروط قد منح إلإدارة الأمريكية الحق فى التغاضى عنها إذا كانت المصالح الأمريكية تستلزم ذلك، فإنه ظل يشكل عقبة تتكرر سنويا عند إعتماد المساعدات العسكرية لمصر، إذ ينبغى على وزير الخارجية الأمريكى إما أن يتقدم بتقرير إلى الكونجرس يبين فيه مدى التقدم فى ملفى الديمقراطية وحقوق الإنسان أو أن يوضح المبررات التى تدفع الإدارة لتجاوز تلك الشروط. و لجأت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة لهذا الإستثناء لتمرير المساعدات العسكرية لمصر فى فترة الرئاسة الأولى لأوباما. كما لجأ إليه وزير الخارجية جون كيرى فى فترة الرئاسة الثانية. وإذا كانت إدارة أوباما قد إستطاعت على الدوام تخطى عقبة الشروط بإستخدام الرخصة الممنوحة لها فى القانون، فإن الأمر الأهم هو أن بقاء تلك الشروط كان يسبب لها حرجا مستمرا ومصدرا للتوتر فى علاقاتها مع القاهرة. ومن ثم فهى تسعى اليوم لإلغائها.
ولا يقتصر الأمر فى الواقع على ذلك. فالموقف الأمريكى الجديد الراغب فى إزاحة شروط الكونجرس برمتها ينطوى على قناعة توصلت إليها الإدارة الأمريكية تدريجيا مفادها أن تلك الشروط لم يعد لها جدوى لأنها بكل بساطة لم تحقق الغرض من فرضها. فالقاهرة لم تخضع للضغوط الأمريكية بما فى ذلك تلك المرتبطة بالتهديد بقطع أو خفض أو تجميد المساعدات العسكرية. فواشنطن جمدت بالفعل فى 9 أكتوبر 2013 فى أعقاب فض إعتصامى الإخوان المسلمين برابعة العدوية والنهضة جزءا هاما من المساعدات العسكرية لمصر يتضمن على وجه الخصوص المعدات الثقيلة وهى طائرات إف 16 وقطع غيار الدبابات أبرامز وصواريخ
“هاربون” المضادة للسفن. ونظرا لعدم التوصل للنتائج المرجوة من هذا الضغط، قررت واشنطن الإفراج عن تلك المعدات فى 31 مارس 2015. والحقيقة إن هذا القرار كان يبرره كذلك، وبصورة أساسية، المستجدات التى طرأت على الساحة فى العالم العربى، وأهمها إنتشار التطرف الفكرى والإرهاب باسم الدين، وهو ما تمخض خصوصا عن ظهور وتمدد منظمة داعش الإرهابية فى العديد من دول المنطقة. وقد أكد جون كيرى أمام الكونجرس فى 24 فبراير 2016 إن طلب الإدارة الأمريكية بإلغاء القيود المفروضة على المساعدات العسكرية لمصر يبرره إنتشار العنف والإرهاب فى “عالم سقطت فيه الحدود”، وفقا لتعبيره. ولإقناع مستمعيه، أشار كيرى إلى الإعتداء الإرهابى الذى وقع فى مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا والذى راح ضحيته 14 قتيلا بالإضافة لإثنين وعشرين جريحا. وكان وزير الخارجية يبغى من وراء ذلك إقناع الكونجرس بأن الإرهاب الملتحف بالدين لم يعد قاصرا على العالم العربى وإنه يطال اليوم الدول الغربية والولايات المتحدة و إن سبل محاصرته والحد منه تتمثل فى مساعدة دول المنطقة التى تقوم بمكافحته، وعلى رأسها مصر.
والسبب الثانى الذى ذكره كيرى أمام الكونجرس لتبرير تغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه القاهرة يتمثل فى رغبتها فى الحفاظ على نفوذها داخل مصر، وهى قوة إقليمية ذات وزن هام، فى مواجهة منافسة دولية شديدة. ولم يشر كيرى تحديدا إلى روسيا، إلا أنه شدد على الدعم المالى الكبير الذى قدمته لمصر بعض دول الخليج، وهى المملكة السعودية والإمارات العربية والكويت، والذى تعدى العشرين مليار دولار منذ الإطاحة بمحمد مرسى فى يوليو 2013. وعقد كيرى مقارنة بين حجم تلك المساعدات واجمالى الدعم السنوى الذى تتلقاه مصر من الولايات المتحدة والذى ينقسم لمساعدة عسكرية تبلغ 1.3 مليار دولار و أخرى إقتصادية لا تتعدى 150 مليون دولار، وتساءل موجها حديثه لأعضاء لجنة المساعدات الخارجية : من سيكون أكثر تأثيرا على مصر..
يضاف إلى ما سبق المصالح الإستراتيجية التقليدية للولايات المتحدة فى مصر والعالم العربى والشرق الأوسط والتى تقررت على أساسها المساعدات العسكرية والإقتصادية الأمريكية غداة التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى 1979، وهى الحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل والإنتفاع بمميزات عسكرية متنوعة كأولوية مرور السفن الحربية الأمريكية فى قناة السويس للوصول سريعا إلى مناطق النزاع وعبور المقاتلات الأمريكية المجال الجوى المصرى. وهى مميزات هامة تمنح الجيش الأمريكى أفضلية نسبية فى مواجهة منافسيه. وقد أدى تصاعد خطر الإرهاب فى السنوات الأخيرة إلى مضاعفة أهمية تلك المميزات وإضفاء صفة الإلحاح على مصالح أمنية أخرى مرتبطة بها مثل سلامة عبور السفن فى قناة السويس والبحر الأحمر التى قد يهددها النزاع فى اليمن، وهو البلد المطل على مضيق باب المندب، وتشديد الرقابة على الحدود بين مصر ودول الجوار لمنع تهريب السلاح وتسلل المقاتلين، كما هو الحال مع ليبيا وقطاع غزة. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة إستثنت هذه المجالات من تعليق المساعدات العسكرية الذى تقرر عام 2013.
إن التطور التدريجى الراهن فى سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر ليس وليد اليوم. فقد بدت إرهاصاته خلال الأشهر الماضية وكانت من أهم محطاته، بالإضافة للإفراج عن المعدات العسكرية الثقيلة فى مارس 2015، إستئناف “الحوار الإستراتيجى” بين الدولتين، بعد توقف دام منذ عام 2009، خلال الزيارة الهامة التى قام بها جون كيرى إلى القاهرة فى بداية أغسطس الماضى. ولعل المغزى الأهم لتلك الزيارة هى أنها أوضحت أن واشنطن فى سبيلها للتخلى عن سياسة الضغط من خلال المساعدات العسكرية بعد أن إتضح عدم جدواها وإنها باتت تفضل بدلا منها أسلوب الحوار لتسوية المشاكل العالقة فى علاقتها مع مصر. ومما زاد من قوة هذا الإتجاه هو إزدياد إحتياج واشنطن لحلفائها فى المنطقة بسبب تصاعد النزاعات المسلحة ومصادر التهديد لمصالحها وبسبب إستمرار تمسكها بتقليل تواجدها العسكرى فى العالم العربى والشرق الأوسط.
صفحات فى تاريخ العلاقات ..
مرت العلاقات المصرية – الأمريكية بمراحل عدة، تباينت فيما بينها ما بين الصعود والهبوط، بحسب النظم السياسية القائمة في البلدين، والتقاء المصالح وتقاطعها.
وهو الأمر الذي كان جليًّا للجميع خلال الفترة التي تلت ثورة 30 يونيو 2013، عندما تم عزل الرئيس الاسبق محمد مرسي، ومنذ ذلك الوقت توترت العلاقات مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس باراك أوباما.
وكانت الصراعات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية قد بلغت ذروتها عام 1967، حينما اتخذت القاهرة قرارها بقطع علاقاتها مع واشنطن، في حين بلغ التعاون بينهما قمته فى السنوات الأخيرة لحكم السادات
في 23 يوليو 1952، بعد نجاح الثورة المصرية، قام مندوب عن مجلس قيادة الثورة بالتوجه إلى منزل السفير الأمريكي لدى القاهرة، وأبلغه بأن نظاما جديدا ثوريا قام في مصر، مؤكدا أن هذا النظام يهدف إلى تحقيق طموح وآمال الشعب المصري.
وتعاطت الولايات المتحدة الأمريكية مع الثورة المصرية بالقبول، وقام وزير الخارجية الأمريكي، آنذاك، جون فوستر دالاس، بزيارة القاهرة عام 1953، بعد انتخاب ايزنهاور رئيسا للولايات المتحدة. وأجرى دالاس نقاشات كثيرة مع الرئيس جمال عبد الناصر، حول التحالفات العسكرية، في ظل رغبة الولايات المتحدة في تطويق الاتحاد السوفيتي، لتلك النقاشات كشفت عن فجوة كبيرة في الأفكار بين دالاس وعبد الناصر.
في عام 1956 ساندت الولايات المتحدة مصر في وجه العدوان الثلاثي، وكان لموقفها إلى جانب موقف الاتحاد السوفيتي دورا كبيرا في إنهاء هذا العدوان.
وفي ظل رغبة الرئيس عبد الناصر بناء السد العالي، قام وزير الخزانة الأمريكي، روبرت أندرسون، بزيارة مصر عام 1956 وعرض على عبد الناصر تمويل السد العالي مقابل الصلح مع إسرائيل، لكن مصر رفضت الموقف الأمريكي، وهو ما أثار توتر في العلاقات بين البلدين، دفع الجانب المصري للتوجه إلى الاتحاد السوفيتي لبناء السد العالي.
منذ عام 1965، تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية ووصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بعد مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في عدوانها على مصر عام 1967، واستمر الوضع على هذا الحال بعد وفاة الرئيس عبد الناصر وتولي الرئيس السادات لمنصب رئيس مصر.
أدرك السادات بعد تجربة الحرب أن خيوط اللعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك حدث التحول في السياسة الخارجية المصرية، من التحالف الوثيق مع الاتحاد السوفيتي إلى التقارب مع الولايات المتحدة، الذي تطور بعد ذلك إلى تحالف قوي ووثيق بموجبه أصبحت مصر ثاني أكبر الدول التي تحصل على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل برعاية أمريكية.
في يناير 1988 خلال زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة، وافقت الإدارة الأمريكية على تعديل نظام تقديم المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر لتحصل عليها نقدًا، بعد ذلك تطور التعاون الاقتصادي بين البلدين ليشمل مجالات عديدة وأصبحت مشاركة الولايات المتحدة في تنمية ودعم المشروعات الإنتاجية والصناعية المصرية مؤشرًا مهمًا يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية في جميع المجالات.
في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، استمرت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة التي كانت تنظر للأولى على أنها قائدة للمحور المعتدل في الشرق الأوسط، وشهدت المنطقة الكثير من الأحداث التي عكست التعاون بين البلدين وعلى رأسها الغزو العراقي للكويت، وحرب تحرير الكويت وغيرها.
وعلى الرغم من الانتقادات الأمريكية لمصر بخصوص بطء مسيرة التحول الديمقراطي في ظل حكم مبارك، إلا أن الحوار الاستراتيجي بين البلدين لم يتغير، إدراكا منهما بحاجة كل منهما للأخرى.
وعندما فاز الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2009، قرر أن تكون القاهرة هي المنبر الذي يلقي منه خطابه للعالمين العربي والإسلامي.
ظرف سياسي متغير..
بعد ثورة 25 يناير كان الموقف الأمريكي متذبذبا، ووصل الأمر إلى تهديد المجلس العسكري أثناء إدارته لشئون البلاد، بقطع المعونات لمصر، وبعد وصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، ساندتهم إدارة أوباما، ثم ما لبثت أن تحولت في موقفها تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو التي صحح فيها المصريون مسارهم، حيث عطلت الولايات المتحدة وصول طائرات مقاتلة لمصر، بالإضافة إلى تعطيل وصول قطع غيار للطائرات المروحية وقطع غيار للدبابات.
بعد انقضاء الفترة الرئاسية الأخيرة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بالرئاسة في الولايات المتحدة، شهدت العلاقات المصرية الأمريكية منحنى جديدا، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول المهنئين لترامب على فوزه بالرئاسة الأمريكية، كما جرى بينهما اتصال هاتفي، فيما أعرب الرئيس الأمريكي عن إعجابه بالرئيس عبد الفتاح السيسي.