كتاب 11
قمة البحر الميت
ربما يكون من قبيل الصدفة اختيار منطقة البحر الميت الأردنية مكانا لانعقاد القمة العربية الثامنة والعشرين، فالمكان ذو دلالة هامة ، فمنطقة البحر الميت هي أخفض منطقة على وجه الكرة الأرضية وبالفعل أزمات الدول العربية باتت في القاع، تتلاطمها الأمواج من كل مكان، والعرب لا يحركون ساكنا، تركوا أزماتهم لقوى إقليمية لها مصالحها التي ليست بالضرورة متوافقة مع المصلحة العربية، فاصبحت القمم العربية روتينية لا ينتظر من ورائها إنجاز او موقف جماعي ينتح عنه مبادرات لحل تلك الأزمات، مشاكل ساهمت دول عربية في خلقها وعجزت عن تقديم الحلول، ومن خلال القمم الاخيرة التي اعقبت ما يعرف بالربيع العربي منذ قمة بغداد في مارس 2012 والتي كنت أحد الإعلاميين الذين حضروها موفدا لمحطة سكاي نيوز عربية وحتى قمة موريتانيا في يوليو 2016 هناك عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى:
إن جامعة الدول العربية اتخذت مواقف لا تتفق مع مبدأ الحفاظ على الأمن القومي العربي حين ساندت المؤامرة الدولية على ليبيا، ووفرت غطاء للتدخل الدولي لاسقاط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011 ليس لنشر الديمقراطية كما كانوا يزعمون، ولكن للسيطرة على النفط الليبي من قبل دولتين كانتا تتصارعان على بسط النوذ هناك وهي ايطاليا وفرنسا، وهدم المؤسسة العسكرية الليبية، ودعم جماعات الإرهاب والميلشيات المسلحة، وتحملت دولة عربية تكاليف المشاركة العسكرية لحلف الناتو ، ونحج تدخل الناتو في قتل القذافي في مسقط رأسه في 20 اكتوبر 2011 وترك ليبيا ساحة للفوضى والصراع على السلطة .
الملاحظة الثانية :
إن القمم العربية التى تلت أنتفاضة سوريا اتخذت موقفاً منحازا ضد حكومة دمشق، ففي 12 نوفمبر 2011 علقت الجامعة العربية مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية، ومنذ ذلك الحين لم تدعى دمشق لحضور القمة ، ورغم أن هذا القرار تجاوزه الواقع السياسي والعسكري إلا أن الأمين العام الجديد “أحمد أبو الغيط” متمسك بالقرار القديم ، كيف تدعى الحكومة السورية إلى مؤتمرات دولية لحل الأزمة، وتتجاهل الجامعة العربية دعوة حكومة دمشق للقمة العربية، وهل لا تزال الجامعة العربية تدعم المعارضة المسلحة التي تلاشت واصبحت الميلشيات الإرهابية هي الموجودة على الأرض، وفي المفاوضات أيضا ، وها هو زعيم ما يسمى جيش الإسلام ” محمد علوش” يرأس وفد المعارضة في محادثات آستانة، كيف ستناقش القمة العربية الأزمة السورية في غياب طرف رئيس في تلك الأزمة وهي الحكومة السورية ، الا تشعر الدول العربية بالخزي وهي في موقف المتفرج على روسيا وتركيا وايران التي باتت الدول الفاعلة في تحديد مصير سوريا وفق أجنداتها ومصالحها؟.
الملاحظة الثالثة:
فشلت القمم العربية في بلورة رؤية لوقف الحرب في اليمن، حرب فرضت على دول الخليج من قبل أطراف اقليمية ودولية فاستنزفت ثروتها، وطال أمدها دون أمل في وقفها في المستقبل القريب، وبات مصير اليمن مرهون بالخطط الأممية التي لم تقدم ولم تؤخر، وادركت الدول العربية أن الحل لن يكون عسكريا وبدأ حديث عن حل سلمي قد للأسف من خارج المنطقة العربية ويفرض على العرب .
الملاحظة الرابعة :
على الرغم من أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى فإننا نشهد تراجعا لها في المؤتمرات العربية ، فقط بيانات بليغة للإدانة والشجب لتسجيل المواقف وإبراء الذمم ، فلا مبادرة يصحبها تفعيل على الأرض لحل القضية، وانما تمسك بالمبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي الملك الراحل “عبد الله بن عبد العزيز” في القمة العربية في بيروت عام 2002 ، وتصريحات من الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس الامريكي “دونالد ترامب” عن التمسك بحل الدولتين دون اجراءات فعلية ، وكلام عن دمج إسرائيل في تحالف عربي لمواجهة نفوذ إيران وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي العربي
الملاحظة الخامسة:
إن الجامعة العربية فشلت في تفعيل المبادرة المصرية بانشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة أي تهديدات للأمن القومي العربي، وهي مبادرة طرحت في قمة شرم الشيخ في مارس 2015 ، ورغم أن القمة تبنت المبادرة بالاجماع، وقامت لجنة من الخبراء العسكريين بصياغة بنود المبادرة، فجأة اصبحت المبادرة في خبر كان ، بسبب رفض السعودية لهذه المبادرة ، واستبدالها بتحالف إسلامي ، أعلنت معظم دول العالم المشاركة فيه بالاسم فقط ، فمعظم هذه الدول ادركت أن التحالف موجه ضد إيران التي ترتبط بمصالح معها ، صحيح أن إيران تتدخل في شؤون خمس دول عربية وتعمل على زعزعة الاستقرار في هذه الدول ، لكن نرى موقفا عربيا موحدا تجاه إيران، فقط قرارات تشجب التدخل الإيراني ، وتطالب بإعادة الجزر الإماراتية المحتلة إلى السيادة الإماراتية ، في نفس الوقت هناك تجاهل لايواء تركيا منظمات إرهابية ودعمها والتدخل في سوريا والعراق وليبيا .
البيانات الختامية للقم العربية إذن واحدة ، كلام عن التزام القادة العرب بدعم الجهود الرامية لحل الأزمات العربية دون أن يصاحب ذلك افعال على الأرض، لذا لن يكون هناك مفاجاءات في قمة البحر الميت، فالكيان العربي مخترق من قوى اقليمية ودولية، وليس هناك موقف عربي موحد للقضاء على الإرهاب في سوريا وليبيا والعراق واليمن ومصر ، وفرض عقوبات على الدول الداعمة للإرهاب في هذه الدول ، ولم يتبلور موقف موحد من رؤية إدارة ترامب الهادفة لتشكيل تحالف سني من دول المنطقة لمحاربة الإرهاب، فإذا استطاع القادة العرب التحدث بصراحة في هذه القضايا ستكون القمة بحق قمة الوفاق والاتفاق، فيما عدا ذلك لن تعدو القمة سوى تسجيل مواقف كسابقاتها، مجرد حدث روتيني لا تنتظر الشعوب من ورائه إنجازات.