مصر الكبرى
آخر نظريات المؤامرة
انتهت المعركة الانتخابية الطويلة المنهكة على رئاسة مصر، وحسمت لصالح مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي، وذلك بفارق ضئيل جدا أعلنته لجنة انتخابية قضائية أنهكها التعب وأهلكت الشعب والعالم وهي تعلن عن النتيجة في مشهد طويل يكاد لا ينتهي. حبس الناس أنفاسهم وهم يتوقعون وينتظرون الإعلان عن فوز أحمد شفيق، فالعلامات والمؤشرات والشائعات كلها كانت تتجه إلى هذا الاتجاه، لكن النتيجة حسمت وظهرت مفصلة الطعون والنسب والأصوات بشكل دقيق أراح وطمأن الناس، مما جعل حالة القبول والاستيعاب للنتيجة ممكنة. ودخلت مصر بالتالي في مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة قبول أول رئيس مدني منتخب في تاريخها الطويل.
ولكن بما أننا في العالم العربي الذي «يتنفس» نظريات المؤامرة، فقد وددت مشاركتكم في آخر ما يتم تداوله الآن من «فكرة» متكاملة لتفسير ظاهرة الربيع العربي ونتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة. تقول «النظرية» إن الأميركان سئموا التعامل مع منظمات وجماعات وتنظيمات تمثل الإسلام، مثل «القاعدة» وطالبان و«الجهاد» و«التحرير» وحماس وحزب الله و«الإخوان المسلمين» وغيرهم، خصوصا أن جميع هذه الجماعات محظورة وتعمل في الخفاء وتحت الأرض، وبالتالي لا تخضع لقواعد اللعبة السياسية بين الدول، وفتشت أميركا حولها لترى أي النماذج هو أقرب للتعايش مع الآخر وقبوله، وبما أن النموذج الأردوغاني هو مشتق من النموذج «الإخواني»، بحسب ما يتم تداوله، فقد «تبنت» الإدارة الأميركية فكرة وصول «الإخوان المسلمين» واللعب بحسب قوانين اللعبة السياسية وعدم الخروج عن النص واللجوء للعنف وتطبيق ممارسات بحسب آراء لا تتوافق مع قواعد وأنظمة دولية متفق عليها.
ولأن الأميركان لديهم عشق لفكرة الفرانشايز، وهي مسألة مريحة لمتخذ القرار بحيث يعرف النوعية والنمط الذي يتوقعه من منظومة واحدة تتكرر في مواقع جغرافية مختلفة، مثل مطاعم «الماكدونالدز» ومقاهي «الستاربكس» المعروفة، فإنه تم الاقتناع من قبل الإدارة الأميركية بأن «الإخوان المسلمين» هي «فرانشايز» سياسي ديني معروف ومريح للتعامل معه، قديم وموجود في الشارع العربي، وطرح وفكر الجماعة وسطيان وقابلان للتعايش، وبالتالي لم يكن أمام المجلس العسكري المصري إلا «الرضوخ» لقبول فوز مرشح «الإخوان المسلمين»، والتلميح صراحة بأن أي نتيجة عكس ذلك ستكون «مضادة» للثورة والديمقراطية، وستؤثر على العلاقات مع عسكر مصر والدعم المالي لهم.
لكن هذه فقط نصف القصة، فبقية القصة تقول إن مراكز صناعة القرار، المعروفة بالـ«Think Tasks» المحسوبة على التيار المحسوب على المحافظين الجدد، لا تزال حية وبخير ومليئة بـ«أبناء» ريتشارد بيرل وبول وولفويتز وغيرهم من قيادات هذا التوجه المتطرف الذي يرى ضرورة وصول إسلاميين سياسيين إلى السلطة حتى تزداد «حدة» الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي لتهيئة المناخ العالمي لـ«الضربة الكبرى» التي يروج لها بقوة الحزام «الإنجيلي»، والولايات الجنوبية من الولايات المتحدة الأميركية التي يوجد فيها أتباع المذهب البروتستانتي المعمداني المتشدد الذي يؤمن بسِفر النبوءات المثير للجدل في «الإنجيل»، ويعتقد بضرورة ونوع المعركة الكبرى بين الشر والخير والمسماة في أدبياتهم بمعركة «الهرمجدون»، ويأتي فيها المسيح المخلص لينصر الفرقة المؤمنة بحسب معتقدهم. وطبعا هذه ليست «بسيطة» و«ساذجة» لكنها عقيدة موجودة وبقوة لدى فريق بسيط من الساسة ورجال الأعمال النافذين في أوساط القرار في الأجهزة التنفيذية.
تطرف يقابله تطرف، هكذا تصور المشاهد السياسية من الباطن. هذه النظرية آخذة الآن في الانتشار لتفسير ما يحدث على الساحة السياسية في العالم العربي، وأن الموضوع لعبة استخباراتية كبيرة جدا وراءها مخطط ضخم، لكن هذا لا يمحو أبدا وجود أسباب جوهرية للغضب والرغبة في الإصلاح، لأن المشاكل الموجودة في العالم العربي جذرية وأصيلة وقوية وحقيقية، وإهمالها وتجاهلها أدى إلى تفاقمها وانفجارها، وبالتالي حصول ما حدث سواء بأسباب ذاتية أو باستغلال الآخرين لها، حيث تبقى النتيجة واحدة ومهمة جدا.