ثقافة
نادي بقطر يكتب : الكرسى “قصة قصيرة”
اختلف المؤرخين فى تحديد زمن حدوث هذه القصة وتباينت الأراء وان كانت العهدة على الراوى .
روى لنا انه فى مكان ليس بعيد عن هنا وربما للزمان بعض الشئ وان كان الأنسان هناك من هذا الزمان او فى اى مكان هو هو الأنسان تتشابه الاحداث وان اختلف الأسلوب . وهنا قال الراوى بعد ان رفع كوب الشاى الذى امامه ليحتسى منه ما تبقىى بالكوب. وبدأ يقول لنا كان هناك شيخ له من الصفات الحسنة وكان يلقى بكلماته على الأحداث والأفراد فى حينها حتى لو تسبب له ذلك من متاعب ولكن الكل يحترمه ويحبه ايضا ويستشيرونه فى خصوصيتهم وعموميتهم. وكان هذا الشيخ اسمه ابراهيم جالسا على الارض بجوار شجرة الجميزة المثمرة التى على حافة الترعة الممتدة بطول بلدنا. وقال منذ سنوات اتى فتى يدعى نبيل للعمل فى البلاط الملكى او قصر الرئاسة كما يسميه البعض وكنت وقتها من الحاشية وترقبته كله نشاط وحيوية وكان يعمل فى صمت وان كان لأبتسامته مفتاح لقلوب من حوله ليعطوه خبرات الرجال لم يكن له دور اساسى ومعلوماته بسيطة تضمحل امام رجالات القصر الذين يعرفون الأورقة والدهاليز ولأن القصر كبير جدا. وبدا خطواته الأولى نحو طريق طويل وبداخله هدف وأهداف اخرى وان كانت مشاغل الحاكم الذى يجلس على الكرسى كثيرة فلايعرف تفاصيل كثيرة بالقصر وتمر الأيام واخينا نبيل يتحسس الطريق للأمام ويخطو خطواته الأولى ببطئ نحو هدف واحد وهو الكرسى وان كان الطريق طويل فكان لأبد له من اختصار هذا الطريق. وليجنب ضميره جانبا وبدأ يعرف الدسائس والوشاية وايضا التقارير التى ترضى صاحب الكرسى.وبداء يتنازل كلما يقترب من الكرسى وان كان يرى ان هذا الطريق له فوائدة ليقترب اكثر فى ظل الكرسى لينعم بمزاياه الى ان وصل واصبح من الحاشية المقربة للكرسى حتى لو كان هذا على حساب من يعملون معه .ليتصارع مع بقايا ضميره وداعبه خياله ليكون هو صاحب الكرسى وشرع فى البحث عن اجود الأشجار وانواعها وعرف من تجار الخشب والرحالين انه يوجد فى اعماق القارة الأفريقية نوع من الأشجار نادر الوجودغالى الثمن لتميزه ولكن احضاره من المنطقة الأستوائية يستغرق وقت واموال ومجهود كثير جدا. فأتخذ قراره ان كل شئ يهون فى سبيل الكرسى واخذ المال وبعض من رجالاته وركب البحر واتجه الى الجنوب ليرى الأهوال والأمواج وحيوانات أيضا وايام بلا نوم وتخبط فى الطريق والموت أقرب لهم من ظلهم ولكن خشب النادر يستحق الكثير ومرت شهور ليصل الى اعماق القارة ويرسو على شاطئ البلدة التى بها هذه الأشجار ليجد أناس على فطريتهم لونهم أسود واسنانهم شديدة البياض كذلك قلوبهم .
ويتقابل مع شيخ القبيلة ويبادل معه الهدايا الثمينة والذهب ويطلب منه عدة أشجار من ذلك النوع النادر جدا ويحتفل مع رجاله وصبيانه للحصول على مطلبه ويأكل لحم الغزال المشوى والخمر المحلى ليلا ليرجع باكرا للعودة مرة اخرى من حيث آتى وحضر الى هنا مرة أخرى ومعه الخشب وعند وصوله اقام احتفال بين حاشيته الصغيرة والمنتفعين معه ويطلب منهم استدعاء امهر النجارين الذين حضروا و معهم الاسطى الكبير لهم ليتفق معهم على عمل كرسى نادر الوجود فى كل تفاصيله من هذا الخشب النادر وتطعيمة بالذهب والفضة وايضا الأحجار الكريمة لعمل كرسى لامثيل له على الأرض ولم يصنع من قبل على ان يقوم هو بتوفير الاقامة لهم من مأكل ومشرب وايضا النساء الصغار ولا يبخل عليهم بالمال والحشيش والأفيون وأيضا لايقوموا بعمل كرسى لأحد مرة أخرى فى حياتهم ولا يغادروا المكان حتى يسلموا له الكرسى فى أبهى صورة وبدأ الصناع فى العمل بالكرسى وكان يجلس أمامهم وهم يعملون ليلقى عليهم تعلماته وبدأ يتحسس الكرسى بعد ان ظهر شكله وطلى بالذهب وطعم بالأحجار الكريمة من ماس وانواع أخرى وبعد ان اكملوه شكر الصناع واعطاهم من المال الوفير ليرجعوا حيث اتوا ويرسل ورائهم من يقتلهم او يعجزهم عن العمل مرة اخرى ليضمن عدم تكرار مثل هذا الكرسى .
ودعا كبار القوم ورجاله واسياده ليروا الكرسى ليحتفلوا بأنتهائه مع الدخان والنبيذ واللحم المشوى حتى النساء والرقص هنا وهناك والموسيقى والطبل وأشياء أخرى ويقول السيد نبيل بصوت مرتفع امام الجميع . ما دام الكرسى معى فقلبى ينبض ليعلن استمرار حياتى التى من الآن لن أقبل مايعرقل قدماى بل تدوس قدماى كل ما يعرقلنى للأمام وذهب فى الداخل ولبس لباسا جديدا يتناسب مع الكرسى بعد ان خلع جلده .
وتنهد شيخنا الراوى وقال أصبح له مكانه كبيرة بفضل الكرسى وزاد عدد من حوله وعلى كل من يقترب من الكرسى يقدم الهدايا الثمينة التى يحددها هو وكان السيد نبيل له مقولة تقول ليس كل ما يتمناه الأنسان يجده امامه ولكن عندما يجده عليه ان يغتنمه . وكثيرا ما تجادل الشيخ مع السيد نبيل بخصوص المبدأ والكرامة ولم ييأس شيخنا عندما يقول له كن على صخرة يانبيل لتكون ثابت اما الأن فأنت على الرمال فى أنتظار أول ريح لتقصيك عن الأرض كلها . وكان رده اتركنى وشأنى .
وذهب السيد نبيل عند تاجر الذهب واشترى خاتم ذو وزن وحجم ومرصع بالآلماظ ودفع نصف الثمن وقال له الباقى اقدمه لك خدمات . لأن اليوم سأحتفل بسهرة غير عاديه ودعى فيها كل من يعرفهم حتى الذين يريد ان يعرفهم من اصحاب الكراسى والمنتفعين. وعندما اسدال الليل خيوطه بدأ يتوافد الرجال والنساء وايضا حاشيته وبدأت السهرة بكل ما لذ وطاب مع الخمر والنساء والدخان يتصاعد والكرسى يتوسط البهو الكبير والكل ينظر اليه دون تلامس وفى هذه الاثناء حضر اخيه من البلاد البعيدة دون علمه ليجد هذا الحفل الكبير وتخطو قداماه نحو الكرسى ويتحسسه وهنا رأه السيد نبيل وبدلا ان يرحب بعودته اثار عليه لأنه لمس او تحسس الكرسى فخرج أخيه وهو لايصدق ويتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة وهنا جلس على الكرسى السيد نبيل ليزهو به ويأخذه معه فى اى مجلس ولا يجلس على كرسى غيره وينام ويده ممسكه بيد الكرسى . وعندما تقابل مع الشيخ ابراهيم قال له شيخينا ياسيد نبيل المولود حينما يولد يصرخ. لماذا يصرخ… فهل انت يا سيد نبيل صرخت مثل كل المواليد. فرد عليه السيد نبيل ان تجربتى وحياتى فهى نبراسا لأناس كثيرين يريدون ان يفعلوا ما انا فعلته لكن لايعرفون الطريق. واستمر ظلم وبطش واستغلال السيد نبيل لكل من يقابله ليرفع اناس ويهبط اخرين وتدوس قدماه ما لا يعطى الولاء والطاعه له .
ودعا السيد نبيل الجميع من اصحاب السهرات السابقة على سهرة من نوع خاص تكون على اضواء الشموع بها كل ما يحلم به الزوار من الوان السهر المختلفة وفى وسط الليل والضحكات تعلو وكل شئ يسير حسب ما يريد وهو جالس على الكرسى .الكل فى سكرات اللذه والدخان الازرق يتصاعد والرقص والمغنى مستمر حتى الهزيل الرابع من الليل . وهنا طرق الباب بثلاث طرقات قوية وصلت مسامعها لأذان الكل وصمت الجميع وقفز السيد نبيل من على الكرسى فى اتجاه الباب ويده ترتعش وفتح الباب… وللوقت ظهر الطارق ذو هيبة كبيرة وهنا تساقطت الكؤس من الأيادى وتوقف الزمن وحل سكون على المكان وصاح هذا الرجل وقال بصوت جهورى مسموع للكافة . القاضى يريدك الأن . وقبل ان يستدير لينظر للكرسى جال بخاطره مسيرة حياته وكلمات الشيخ له حيث لايذهب احد الى القاضى ومعه كرسى لأن الجالس هو واحد فقط . لحظات تساوى الدهر فالميعاد لم يحدد من قبل للأستعداد وقبل ان تسقط دمعة من عينه سقط سقوطا مروعا فى مكانه واختفى المرسال وخرج المدعوين واحد تلو الأخر دون النظر اليه وهوملقى على الباب وهاك الكرسى بلا صاحب والمكان بلا صوت الا من صفير الهواء وقبض الريح كما هو مكتوب وترك البلاط للحشرات والقوارض تسكنه وتلاشت معالم الكرسى الذى لم ينفع صاحبه واصبح هذا القصر المطل على الترعة الكبيرة مزار لكل من يروضه نفسه ويداعبه خياله لكرسى حيث اصبح القصر للريح ملاذ . فالملك للمالك وحده والكراسى للأغبياء وهنا تركنا الشيخ وذهب الى البرية الجوانية ليجد نفسه . كما هو مكتوب ماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه .