كتاب 11
الحوار الليبي والأذان في مالطا
لحل الأزمة الليبية يبقى الحوار الليبي – الليبي هو الخيار المنطقي المرحب به، ولكن على أرض ليبية، وضمن ثوابت وطنية تحترم الخيار الديمقراطي، وليس في خارجه.
التجمع في مالطا، بل وحتى الأذان فيها، لن يجمع المصلين، فالمشكلة ليست فقط في مخرجات لجنة الحوار، بل في لجنة الحوار نفسها؛ فمن جمعهم السيد برناردينو ليون، و«تنطط» بهم، من غدامس الليبية إلى جنيف السويسرية، مرورًا ببرلين وفاليتا والصخيرات، لا يمثلون الشعب الليبي بشكل حقيقي، ولا حتى الأطراف المتنازعة والحاكمة على الأرض؛ فمَن جمعهم ليون سابقًا، ويجمعهم اليوم مارتن كوبلر في فاليتا لا يمثلون على الأرض شيئًا، وهم للأسف مجرد «كومبارس» في مشهدية متحركة بشكل متقلب في المشهد السياسي الليبي.
المجتمعون في فاليتا، حيث مقر السفارة الأميركية في ليبيا، هم ممثلون عن أحزاب ليس لديها أي قاعدة شعبية في ليبيا، التي كانت تحظر الأحزاب لمدة تجاوزت الـ60 عامًا، ليس زمن العقيد القذافي (42 عامًا)، فحسب، بل حتى في زمن الملك إدريس (18 عامًا)، مما يعني أن الشعب الليبي لا يمتلك تاريخًا حزبيًا عريقًا، وليس ممثلاً في هذه الأحزاب الكرتونية حديثة الولادة، حتى يجعل لها مبعوث الأمم المتحدة مقاعد في لجنة الحوار، وهي لا تمثل 1 في المائة من المجتمع الليبي في أحسن ظروفها، ولا يتعدى منتسبوها أصابع اليد الواحدة، التي لا تصلح حتى للتصفيق، بل إن برناردينو ليون جمع قيادات في تنظيم الإخوان ضمن قائمة المستقلين، ناهيك بمساواة تمثيل البرلمان المنتخب بتمثيل المؤتمر المنتهي الولاية والمغتصب للسلطة؛ في مساواة بين الخيار الانتخابي والخيار الانقلابي الرافض لتسليم السلطة، ولهذا لن يكون الذهاب إلى مالطا سوى مكاء وتصدية.
الأزمة الليبية لا تزال الأمم المتحدة والدول المتنازعة على البترول الليبي تقرأ وتتعاطى معها بالمقلوب، وتصر على حل بشخوص لا تأثير لهم في المشهد السياسي والعسكري الليبي، فجاءت بحكومة «الوفاق»، التي لا تزال حبيسة قاعدة عسكرية في أبي ستة في العاصمة طرابلس، باستثناء خروج السيد السراج رئيسها لتوزيع الابتسامات والسلامات على بعض من المارة في الشارع، هم في الأصل شخوص منتقون سلفًا، لإظهار أن العاصمة الليبية طرابلس تنعم بالاستقرار والأمان، في حين هي تعج بأكثر من 40 ميليشيا متنازعة السلطة على العاصمة، وارتفاع غير مسبوق في مستوى الجريمة.
الأزمة الليبية في حاجة لحلحلة حقيقية، وليس مستحضرات تجميل وحقن «بوتكس» لإخفاء عيوب اتفاق الصخيرات وفشله، الذي أصبح في حكم العدم من ناحية تطبيقه، ولهذا لا بد للعودة للحوار بتشكيلة حقيقية تمثل المجتمع الليبي، بعيدًا عن أصحاب المنفعة الخاصة من رجال أعمال مراهقين ومافيا المال العام وزعماء الميليشيات، والتوقف عن البحث عن كرزاي ليبي، لأنه لن ينجح في مجتمع يسوده الحماس والاعتزاز بوطنيته.
ونظرًا لكون الأزمة الليبية ليست بمعزل عن التدخل الأجنبي المتكرر والمستمر، رغم الرفض الشعبي، فقد تكون الفرصة الآن، خصوصًا بعد خروج هيلاري كلينتون من المشهد السياسي العابثة بالأزمة الليبية بدعمها لتيار الإسلام السياسي بالمال والسلاح والقرار السياسي، والتهم التي كانت تلاحقها بتساهلها مع «داعش ليبيا»، وتسهيل تدفق الأموال إليه، خصوصًا أن كلينتون تعتبر عراب الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ضمن مخطط «الربيع العربي»، ومشروع تمكين تنظيم إخوان البنا وقطب من حكم المنطقة، ونقل معركة «القاعدة» من بلاد الغرب إلى بلاد العرب، ضمن مخطط جديد، وبيدق جديد يسمى «داعش» في بلاد الشام والعراق وليبيا والترويج لمعركة دابق، التي ترى فيها الإدارة الأميركية نسخة توراتية من حرب الهرمجدون.
وفي خضم هذه الفوضى، وصعود اليميني الجمهوري دونالد ترامب، الذي حسب تصريحاته المثيرة أثناء الحملات الانتخابية يضع جميع المسلمين في سلة واحدة، سيفشل مشروع أوباما – كلينتون لتوطين وتمكين تنظيم إخوان البنا وقطب من حكم الشرق الأوسط، الذي تكون ليبيا جزءًا منه، ويسقطه نهائيًا، مما سيسمح بترتيب الأوراق من جديد، وقد تكون فرصة للحل في ليبيا قد نشهد انفراجة لها بعيدًا عمّن يؤذن اليوم في مالطا.