كتاب 11

02:01 مساءً EET

إخوة وأشقاء!

العلاقات الأخوية بين الدول «الشقيقة»، عبارة خرجت من صميم القاموس السياسي العربي بامتياز شديد. وهذه العبارة إذا أخذت كشعار حقيقي، فيجب أن تكون كل التجاذبات والخلافات والاختلافات في الآراء تحت سقف هذا الشعار تحديدًا، أما إذا كان هذا الشعار هو ديباجة تقليدية مطلوبة لإقناع العامة بأهمية هذه العلاقات وضرورة ترويجها بشكل عريض من أجل الحفاظ عليها، فتلك مسألة أخرى مختلفة تمامًا.
والقرآن الكريم يقدم نموذجين مختلفين تمامًا لوصف العلاقات الأخوية، فهناك مثل قابيل وهابيل ابني آدم عليه السلام، اللذين قتل أحدهما للآخر. وهناك مثل آخر مختلف تمامًا، وهو علاقة سيدنا موسى عليه السلام بهارون أخيه الذي كان يشد عضده به. وشتان الفارق بين العلاقتين على الرغم من كون طبيعة العلاقتين أخوية.
ليس من الضروري أن تكون العلاقة بين الطرفين وفاقًا واتفاقًا على جميع النقاط بلا استثناء، فالاختلاف في وجهات النظر مسألة حيوية وفي صميم التكوين البشري الحر وإلا أصبحت العلاقة بين سيد وعبد ومالك ومملوك.
ما هو مرفوض وغير مقبول تحت أي اسم هو الإهانة وقلة الاحترام والإساءة تحت أي توصيف سواء أكان ذلك الوصف هو حرية الكلمة أم الرأي الحر. فالعلاقة بين «الإخوة» و«الأشقاء» في العالم العربي يجب أن تكون من ضمن أهداف الأمن القومي والأمن الوطني ولا يسمح لها أبدًا بالخروج عن دائرة الاحترام، خصوصًا أننا نعيش في عالم عربي معروفة فيه تمامًا مساحة «حرية الإعلام والرأي الحر» متى حصل فيها تجاوز يمس المؤسسات الكبرى. وبالتالي العلاقات الأخوية، إذا كانت فعلا أخوية وجادة، يجب أن تكون تحت هذا الإطار تحديدًا ودون أي مجاملة.
كل هذه المقدمة هي للدخول العقلاني والهادئ والموضوعي لبحث موضوع أزمة العلاقات السعودية المصرية.. هي ليست الأزمة الأولى في العلاقات بين البلدين، وبطبيعة العلاقات بين دولتين متقاربتين على الأرجح لن تكون الأزمة الأخيرة. المواقف السياسية بين الدولتين على ملفات سياسية «خارجية» هي سبب الإشكال الرئيسي وتحديدًا الملف السوري. فهناك فجوة كبيرة بين البلدين في هذا الملف، فمصر ترى أن نظام بشار الأسد إذا ما سقط ستأتي المعارضة السورية، وهي فصيل سياسي تتحكم فيه جماعة الإخوان المسلمين والممول بشكل داعم ورئيسي من تركيا وقطر، ومعروف حجم العداء بين مصر وجماعة الإخوان المسلمين، فالحكومة المصرية تخشى أن يؤدي دعمها إلى وصول خصومها إلى الحكم في سوريا.
السعودية ترى أن الوضع السوري قضية شعب يباد بشكل مجرم ودموي وهستيري، وأن ما يفعله جزء من تنفيذ لمخطط توسيع نفوذ إيران السياسي في المنطقة العربية باحتلال عواصم ومدن ومناطق مختلفة، والشواهد في ذلك كثيرة جدًا. الفجوة الهائلة في هذا الموقف سمحت للأطراف التي لا ترغب في وجود علاقة مستقرة وثابتة بين البلدين باستغلال ذلك الأمر في قنوات الإعلام الجديد والقديم من الطرفين، وكانت البذاءة سيدة الموقف وبطلة المشهد بامتياز. وغاب الاحترام واختفت أي عقلانية لبحث الأمر بدلا من أن يكون هناك توظيف «عاقل» لإدارة الخلاف، وأن يكون للسعودية دور في جذب تركيا والدوحة إلى مصر، وأن يكون لمصر دور في جذب روسيا إلى المعسكر العربي المتنامي الجديد والعمل على «صد» المشروع الإيراني، ثم التركيز «حصريًا» على الملف السوري، وبات هذا الأمر وحده الحاكم للعلاقة بين البلدين، وتلك لعمري مسألة مثيرة للشفقة والحزن.
السعودية ومصر بحاجة لمراجعة جادة للأزمة الموجودة اليوم، مراجعة عقلانية وليست عاطفية، لأن الحالة بينهما تتطلب الحكمة والمنطق ولا شيء غيرهما.
مصر والسعودية بحاجة لأن تتذكرا أنهما موسى وهارون وليستا هابيل وقابيل.

التعليقات