كتاب 11
إحتضار الثورة والمرشد في إيران
تحدث سماحة السيّد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة في إيران أمس الإثنين 5 سبتمبر 2016 حديث يشبهه البعض بالهذيان ضد السعودية فيه ثلاث خصال من النفاق والتي لا ينبغي لشخص طبيعي، ناهيك عن طالب علم مسلم ورجل دين ودولة، أن يمارسها علناً وبشكل واضح وفاضح. هذا النفاق على المستوى الفردي يتحول إلى إستكبار في حال الدولة والسياسة. إنبرى سماحة المرشد، نتيجة الخصومة القائمة بين إيران والسعودية، في حديث يتضمن الثلاث الخصال من علامات النفاق: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر. كما أن سماحته ظلم السعودية بسبب الكراهية والبغضاء، وهذه جريمة بصريح التنزيل الحكيم. وإذا كان سماحة السيّد الخامنئي بلغ من الكبر عتيا ومبتلى بمرض السرطان، عافانا الله وإياه، فإننا نجادل بأن ما تفوه به المرشد علامات إحتضار ليس له فحسب، بل للثورة الإسلامية في إيران.
إتهم سماحة السيّد خامنئي السعودية بأنها تسيّس الحج وهذا كذب صريح، فالسعودية نبهت وتنبه قبل وخلال وبعد موسم حج كل عام من تسييس الحج، وأنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، كما جاء في آيات الحج الواضحة في التنزيل الحكيم. لكن ثورة الخميني منذ أن إنطلقت أرادت خلق بلبلة سياسية خلال التجمع الأكبر في موسم الحج لإعلان وتصدير شعاراتها. وقوف السلطات السعودية المعنية بأمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام بكل قوة وصلابة أفسد على الثورة واحد من أهم عناصر التسويق والتشويق. وبعد سلسلة من المخالفات لأمن الحجيج، تعهدت إيران بعدم تكرار تلك المخالفات، لكنها أخلفت وعودها بممارسات شتى وتم منعها في مطلع الثمانينات. واليوم تعود إيران على لسان المرشد الأعلى لقلب الحقائق والكذب بأن السعودية منعت الحجاج الإيرانيين من الحج لهذا العام، وهي من منعتهم بتشددها في الإجتماعات التي عقدت قبل أشهر في مدينة جدة وإصرارها على تنفيذ أجندتها السياسية خلال موسم الحج، وهذا فجور في الخصومة مع السعودية.
إتهم سماحة السيّد على خامنئي السعودية ظلماً بأنها تُمارس سلوك ظالم ضد الحجاج وتسيء إدارة الحج. هذا الحديث والإتهام من سماحة السيّد فيه ظلم كبير تجاه السعودية التي جعلت من خدمة حجاج بيت الله الحرام أهم أولوياتها في الخارج والداخل وتتفانى في راحتهم بشهادة كافة بعثات الحج من الدول الإسلامية على مر العقود الماضية. كما أن السعودية وقيادتها وملكها الذي يتشرف بأن يكون خادم الحرمين الشريفين وضعوا المشاعر المقدسة في قلوبهم ونصب أعينهم لإدارة الحج والعمرة والزيارة وتوسعة الحرمين وتطوير المشاعر المقدسة في منى ومزدلفة وعرفات وعمل كل ما من شأنه توفير أقصى سبل الراحة والسلامة والأمن والأمان. إتهام سماحة السيّد المرشد الأعلى للثورة فيه ظلم للسعودية وقيادتها ويعتبر جريمة بالنص الإلهي حتى لو كانت البغضاء والكراهية مستحكمة في نفس سماحة المرشد: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [الأية 8، سورة المائدة]
إتهامات سماحة السيّد علي خامنئي المتلاحقة للسعودية مؤخراً مبعثها معرفته الأكيدة أن الثورة الخمينية تحتضر وأنها إلى زوال فقد إستكملت الثمانية عناصر المطلوبة لبقائها: طرد الملكية؛ التهييج الشعبي؛ استعداء الغرب؛ افتعال حرب محدودة؛ تصدير الثورة؛ اعتناق الأيديولوجيا؛ دعم الأقليات؛ وتهديد الدول المجاورة. وقد جادلنا بذلك في مقال نشرته صحيفة الجزيرة بتاريخ 20 مارس 2015م بعنوان “هل الثورة الخمينية إلى زوال؟”، وجادلنا أيضاً، بأن توقيع إيران الإتفاق النووي مع الغرب، وإنتهاء حقبة “أمريكا/الشيطان الأكبر”، سيؤدي إلى موجة من «الربيع الإيراني» ستبدأ في الداخل مما يطفي جذوة الثورة الخمينية ويهدد استمرار واستقرار الدولة، وهذا ما حصل بالفعل، ويحصل الآن، وهو ما يقلق سماحة المرشد وحفنة من الملالي يرون إنتهاء صلاحية مباديء الثورة في الداخل والخارج.
إتهام سماحة المرشد للسعودية ومحاولة المس بأعلى وأغلى الثوابت السعودية وهي الحرمين الشريفين هو إتهام باطل وظالم “وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ”، ومحاولة يائسة بائسة تمثل الرمق الأخير من عمر الثورة في إيران. فقد كانت إستراتيجية الثورة الخمينية تستهدف خلق وبناء الشرعية، مثلها مثل أي ثورة أو انقلاب على السلطة، ولا شك أن الثورة حصلت على مبتغاها، ولو مؤقتاً، وحققت الشرعية في ثلاثة فروع، كما جادل بها «ماكس فيبر»، فاستبدلت الشرعية التاريخية بالثورية وحققت الشرعية الكارزماتية والمؤسساتية. اليوم يمكن لنا أن نجادل بأن الشرعية الكارزماتية سقطت مع رحيل الخميني، والشرعية الثورية سقطت مع توقيع الاتفاق النووي وعودة المياه إلى مجاريها مع أمريكا. ونتيجة لذلك ستتهاوى الشرعية المؤسساتية التي غلب عليها رجال الدين (الملالي) الذين تمكنوا في الماضي من استنباط كثير من التخريجات لخدمة الساسة.
سماحة السيّد علي خامنئي يعلم علم اليقين أن الحرمين الشريفين تشكل جوهر الدولة السعودية، وخدمتها والمحافظة على أمنها وتيسير سبل الوصول إليها وتسهيل كافة السبل لأداء مناسك الحجاج والمعتمرين وزوار مسجد الرسول الأعظم محمد (ص)، كلها في محل القلب من الجسد السياسي للدولة السعودية، ولن تقبل السعودية أو العالم الإسلامي من أي دولة أو سياسي شاذ أو رجل دين يهذي أو يحتضر أن يزايد على السعودية وقيادتها في أمور وشئون وإدارة ورعاية الحرمين الشريفين. كما أن من حق السعودية الطبيعي والسيادي منع إيران أو أي دولة أخرى من المشاركة في الحج أو زيارة المسجد النبوي الشريف، إذا ما خشيت السعودية على إفساد الأماكن المقدسة أو المناسك الدينية، فالطمأنينة في تأدية الشعائر الدينية هي من الأمور الحاكمة في إكتمال الأداء. وحتى لو إفترضنا أن السعودية قامت بواجبها ومنعت قدوم الحجاج من إيران لعدم توقيع حكومتهم على الإلتزامات المطلوبة فما يقوله سماحة المرشد هو إعتداء، أيضاً، على السعودية وجريمة بنص الآية: وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ أَن صَدّوكُم عَنِ المَسجِدِ الحَرامِ أَن تَعتَدوا وَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ” [الآية 2، سورة المائدة]
أخيراً، نجادل بأن الثورة الخمينية في إيران تحتضر وإلى زوال، وأن سماحة السيّد علي خامنئي يحتضر، فحري بسماحته أن يجعل أفضل أعماله خواتيمها ليلقى عفو ربه فهو في أمس الحاجة لذلك، ومهما كان في نفسه من عداوة وبغضاء فليقلل من السيئات ويكثر من الحسنات، وليتمثل قول الحق سبحانه: “وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ” [الآية 34، سورة فصلت] ونجزم بأنه بعد زوال الثورة سيسعيد الساسة والشعب في إيران ثقتهم في أنفسهم بعد إن ينزاح عنهم كابوس الملالي والعمائم واللحى، وسيجدون في جيرانهم العرب من السنة والشيعة، وفي مقدمتهم السعودية كل الحب والترحاب بعيد عن العنصرية والطائفية السياسية. ختاماً، الحكمة والحلم الذي تتصف به القيادة السعودية كبير وكثير، لكنه قد ينفذ في لحظة تتمادى فيه إيران أو أي دولة تنحو نحوها، تجاه العبث بالأماكن المقدسة. حفظ الله الوطن.
.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst