كتاب 11
أميرة الرياضة السعودية وتناقض الحكومة
إتخذت الحكومة السعودية قرار شجاع عبر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بتعيين إمرأة في منصب “وكيل الرئيس للقسم النسائي” في الهيئة العامة للرياضة بالمرتبة الخامسة عشرة. وقد لقي الخبر ترحيب وتفاؤل من المجتمع السعودي، بالرغم من صدوره متأخراً، لكن أن تعمل الشيء متأخراً أفضل من أن لا تعمله على الإطلاق، كما يقول المثل الغربي. في التوقيت ذاته تداولت وسائل التواصل الإجتماعي، بشيء من التعجب والإرتباك، توجيهات الحكومة بتفعيل قرار منع “الإختلاط والتحرش” بالقطاعات الصحية، وكأن هناك إقرار بوجود “التحرش”، في وقت إعتقد المجتمع أننا تجاوزنا “سالفة الإختلاط والتحرش” وأنها باتت من الماضي وعفى عليها الزمن. من جهة أخرى، إعتبر البعض ذلك نوع من الرسائل المتناقضة من الحكومة وتساءلوا: هل توقيت صدور القرارين المتضادين هو نوع من المقايضة بين التشدد والتوسط؟
ظُلمت المرأة في السعودية كثيراً، وقُهرت كثيراً، بسبب عادات وتقاليد بالية تم تغليفها بعباءة دينية بشكل إعتباطي، ونجح التشدد في فرض رأيه نوعاً ما، بالرغم من جهود حثيثة للدولة والحكومة في منح المرأة جزء من حقوقها في التعليم والتدريب، والتعيين في مجلس الشورى، وحق الإنتخابات البلدية، والتوظيف في أقسام نسائية في الدوائر الحكومية، والضغط على القطاع الخاص بمنحها نسبة عالية من التوظيف في المنشآت، وتسهيل إجراءات السفر والتقاضي والمحاماة. لكن فريق التشدد يقف بالمرصاد للدولة والحكومة والمجتمع في كل أمر يكرّم المرأة أو يعتبرها كائن بشري، أوإنساني، أو مواطن له حقوق وعليه واجبات. نسي وحش التشدد السعودي أن إمرأة تخوض سباق الرئاسة في أمريكا، أقوى دولة في العالم، وأن إمرأة تحكم ألمانيا أقوى دولة في أوروبا منذ سنوات. والأهم أن نسبة التحرش في مؤتمراتهم ومنتدياتهم وإنتخاباتهم التي يخوضونها مختلطين (٠٪).
منذ منتصف الخمسينات الميلادية، أي قبل (٦٠) عاماً، ومعركة المجتمع مع وحش التشدد ضد المرأة في السعودية قائم ومستمر في التعليم، والعمل، والتوظيف، وقيادة السيارة، والسفر، والزواج، والطلاق، وأي أمر يعطي المرأة حقوقها وحريتها وإستقلالها كمخلوق بشري وككائن إنساني. من جهة أخرى، لا نستغرب الحملة المستعرة هذه الأيام في وسائل التواصل الإجتماعي عبر وسم (هاشتاق) #إسقاط_الولاية ، ووسم أخر #سعوديات_نطالب_باسقاط_الولاية مع تسلسل رقمي وصل حتى الرقم (٦). فقد فشلت كافة القنوات الرسمية مثل مجلس الشورى، ومركز الحوار الوطني في كسر هذا “التابو” السعودي بإمتياز المسمى المرأة. ويبدو أن على الدولة (ولاة الأمر) والحكومة حسم هذا الجدل العقيم بشيء من القوة والوضوح.
تتسلم الأميرة ريمة بنت بندر بن سلطان منصب رفيعاً في هيئة الرياضة، ونتمنى لها كل التوفيق، لكن يجب أن تعلم أنها ستتعامل مع مجتمع رفض المرأة في العلن، وفي أحسن حالات أفراد منه يتقبل المرأة بالسر. مجتمع يستحي أو يخجل أو يستنكف من الإعتراف بالخطأ، أو الجريمة التي إرتكبها بحق المرأة خلال عقود طويلة خلت. ستواجه “ريمة” فئة قليلة، لكن تأثيرها كثير وكبير، وذات إمتدادات في كافة مفاصل الحكومة، لتقف عائقاً أمام أي مبادرة نسائية، كما ستُعطل أي نشاط للمرأة بحجج مختلفة وسخيفة وعقيمة حتى لو إضطر الأمر للمجادلة بأن الرياضة للمرأة تعطل “المبايض”، وتقطع النسل، وتحيل الأنثى إلى “بوكيمون”.
أخيراً، لا عتب على وحش التشدد السعودي، فأولئك يلعبون لعبة سياسية للتنغيص على الحكومة ومقايضتها في كثير من القضايا، وإستمرأوا المحاباة أو المداهنة لهم ومعهم. العتب كل العتب أولاً، على الدولة (ولاة الأمر) في عدم حسم الأمر بقوة ووضوح كما فعلوا سابقاً في التعليم وقضايا أخرى؛ والعتب ثانياً، على الحكومة في تسهيل أو الإعراض عن من يضع العقبات أمام قراراتها الخاصة بالمرأة بعد إتخاذها؛ والعتب ثالثاً، على العقلاء والحكماء في المجتمع بالسكوت على وحش التشدد الذي بات سمة سعودية يتعاظم ويكبر ويتوحش فيما يخص المرأة؛ أما العتب رابعاً، فعلى المرأة السعودية ذاتها في عدم تثقيف الأجيال الجديدة بثقافة مغايرة لا تفرق في تربية البنات عن البنين. ختاماً، السعودية تخطو خطوات جريئة وجادة نحو المستقبل وثقافة الحياة، وستقضي بإذن الله على “وحش التشدد السعودي”، وإن طال الزمن. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst