كتاب 11
منطق بوشكو!
القطط حيوانات «خاصة جدًا» لها شخصية استثنائية، معتزة بنفسها ولديها أسلوب مختلف جدًا للتعبير عن مشاعرها. لدي صديق عزيز يقتني قطًا من الأنواع المميزة أطلق عليه اسم «بوشكو» على اسم الشاعر الروسي المعروف الكبير أليكساندر بوشكين.
ومع كل تصرفات وردود الفعل غير المفهومة من «بوشكو» كان صديقي دائمًا يتطوع بالشرح بأن المشكلة فيك أنت، أنت الذي لا تفهم مقصده ولا تعرف طباعه وشخصيته. وكنت بطبيعة الحال أتعجب جدًا من هذه الإجابات والتفسيرات.
تذكرت ذلك وأنا أقارن بعض القوانين والتنظيمات والتصريحات التي تصدرها الحكومات والمرشحون في الانتخابات، فهي عادة ما تكون لا علاقة لها بالواقع أبدًا بل فيها درجات عالية جدًا من الإهانة للعقل والاستفزاز الواضح. لعل المثال الصارخ المعاصر لتلك المسألة ما يدلي به يوميًا المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية، رجل الأعمال دونالد ترامب في حق الأقليات وفي حق المسلمين وفي حق الجار المكسيكي. ولدى الرجل الجرأة وفريقه الإعلامي أن يعيد تدوير هذه التصريحات لإقناع المتلقي أنها بلا أي إهانة وأن الجمهور المتلقي هو الذي فهمها بشكل خاطئ وبالتالي المشكلة فيه هو.
حجم التأييد المستمر والمتزايد في بعض الحالات لمرشح مثل دونالد ترامب لا يزال مسألة محيرة وعجيبة، وبرهنت على فشل الكثير من المحللين السياسيين الذين راهنوا وأكدوا أنه ظاهرة مؤقتة سرعان ما ستفقد بريقها وجاذبيتها، إلا أنها في حقيقة الأمر استمرت وتوسعت ورسخت.
ترامب ليس وحيدًا في ذلك. كل الأفكار المتشددة والمتطرفة بحاجة لمنطق أعوج لدعمها وإقناع المتلقي أنه هو على خطأ وهو الذي لا يفهم المقصود وأن العيب فيه هو، فيشعر بعقدة ذنب تولد لديه إحساسًا بالنقص فيبدأ بالاقتناع أنه لعله على خطأ ولم يكن مستوعبًا وفاهمًا لأصل الموضوع.
المتابع لتعليقات وتبريرات مواقف وتصريحات دونالد ترامب وغيره من رواد التطرف السياسي والديني لا يمتلك سوى الاندهاش والاستغراب الشديد من الكيفية التي يمكن بها لخطاب «خاطئ» في الاستمرار والمواصلة. أطلقت بيني وبين نفسي على هذا الطرح «منطق بوشكو». منطق بوشكو هو باختصار إقناع المتلقي بعكس الواقع تمامًا، فيبقى المتلقي في حالة ذهول وتأنيب ذاتي للضمير لأنه لم يفهم عكس الواقع تمامًا.
منطق بوشكو يتسيد ويقوى ويزيد.. ولا عزاء للمنطقيين والواقعيين أبدًا.