كتاب 11
السعودية و “البوكيمون” الإيراني
إنتشرت في العالم، لعبة جديدة بإسم “بوكيمون قو”، لكنها أخذت في السعودية طابعاً دينياً متشدداً وصل حد التحريم، كما تم التشكيك في اللعبة لأسباب أمنية، وما لبث الأمر أن عاد ليتخذ وضعه الطبيعي، وبدأ المجتمع يتندر ويسخر مما قيل عن اللعبة. في المقابل، تذكرني لعبة “البوكيمون” باللعبة السياسية بين السعودية وإيران. لو فكرنا فيها مليّاً، وأخذنا ما تقوله الحكومات بقليل من الملح، كما يقول المثل الغربي، لإكتشفنا أن الهدف إشغال وإختطاف المجتمع. فاللعبة السياسية بين السعودية وإيران تشبه تماماً اللعبة الترفيهية “بوكيمون”. طغت ملاحقة ومحاولة إصطياد “البوكيمون” الإيراني على جل التركيز والطاقة المجتمعية السعودية، وفي ظل ذلك نسي المجتمع ألف ألف “بوكيمون” محلي حقيقي، وليس إفتراضي، يمكن الإنشغال به وإصطياده. فهل يستطيع العلماء والفقهاء والعقلاء والحكماء من تحريم ومنع وإيقاف لعبة “البوكيمون” السياسية؟
في اللعبة الترفيهية هناك هدف إفتراضي تتم ملاحقته ومحاولة إصطياده، يبدأ من غرفة الجلوس ثم ينتشر في كل مكان، ويسعى الشخص لإصطياد أكبر عدد ممكن من “البوكيمونات” التي لا تنتهي، ولن تنتهي. إنتهاء البوكيمونات يعني إنتهاء اللعبة، وإنتهاء اللعبة، يعني أحد أمرين: الإفلاس، أو إختراع لعبة جديدة أكثر أتقاناً وإغراء وجاذبية للمستهلك. اللعبة السياسية تشبه الترفيهية (البوكيمون) إلى حد كبير. الهدف هو إشغال أفراد المجتمع بعدو إفتراضي لأسباب متعددة. فالإرهاب، على سبيل المثال، بات العدو المعلن لمعظم الدول، وفي ثنايا هذا العدو الإفتراضي، تتداخل الملفات، وتنفق الأموال، وترتكب الحماقات، وتشن الحروب، وتخنق الحريات، ويمتهن القانون والدستور والإنسان، كل ذلك بحجة محاربة الإرهاب.
السعودية وإيران، مثل دول أخرى، يمارسون لعبة “البوكيمون” مع بعضهما البعض سياسياً وليس ترفيهيهاً. فكل دولة تنثر عبر التصريحات السياسية ووسائل الإعلام ألاف الرسائل التي تتحول إلى “بوكيمونات” تلهث خلفها الشعوب، وكل دولة تضفي على البوكيمونات الخاصة بها لباساً خاصاً يتناسب مع ثقافة مجتمعها: دينياً أو أمنياً ومظاهر شتى، والهدف جذب أكبر عدد من المتابعين وإقناعهم بهذا “البوكيمون” الإفتراضي الذي يظهر في غرفة الجلوس، وفي الشارع، والمسجد، وفي بيت الجيران، وفي كل مكان. السعودية تتهم إيران بألف تهمة وتهمة، وإيران كذلك. وباتت كل دولة تحاكي نفسها وشعبها، والعالم الخارجي يستفيد ويتفرج ويمارس ذات اللعبة مع دول أخرى.
لدى السعودية من التحديات الداخلية التي بلغت حد الأزمات الشيء الكثير، وهي في غنى عن إشغال الفرد العادي بقضايا خارجية أو “بوكيمونات” سياسية. وكما سبق أن جادلنا في مقال سابق، فالسعودية تعاني من: الإرهاب، والفساد، والتطرف، والتكفير، والإقصاء، والإلحاد، والمخدرات، والمسكرات، والتمييز، والطائفية. وبإمكان السعودية تحويل تلك التحديات والأزمات إلى “بوكيمونات” داخلية محلية بهدف إجتثاثها. ونجزم بأن “بوكيمون” فساد سيكون من أمتع “البوكيمونات” في الأصطياد. ولا ننسى “بوكيمون” إستقدام، و “بوكيمون” بطالة، و “بوكيمون” سكن، فصحة، فتعليم، فبلديات.. وهكذا. لكننا على مايبدو تم إختطافنا إلى”بوكيمونات” خارجية ذات ملامح سياسية وأمنية في اليمن والعراق وسوريا وإيران، وإنقلاب تركيا على أردوغان أو العكس، ولا ننسى “بوكيمون” عشقي وزيارته لإسرائيل مؤخراً.
نشرت هذه الصحيفة قبل أيام مقال بعنوان “بوكيمونات العرب” للكاتبة رشيقة القلم، سوسن الأبطح، تقول: “حققت «بوكيمون غو»، ما لم يكن في حسبان مصنعيها أنفسهم وهي تسجل رقمًا قياسيًا وصل إلى 19 مليار دولار في 13 يومًا، وهي لا تزال في طور التجريب، والبلدان التي أطلقت فيها محدودة، ويستميت الآخرون للحصول عليها، بعد أن فرغ صبرهم.” هنا دعونا نتوقف ونفكر خارج الصندوق إبتكارياً وإبداعياً ونتخيّل كم سنجني في السعودية من إصطياد “بوكيمون” فساد، ذو الستمائة ألف وجه، في مئات الوزارات، والإدارات، وعشرات المدن، والمحافظات؟ فساد مالي، فساد إداري، فساد قانوني، تعطيل مشاريع، إستيلاء على أراضي، وشوارع، وحدائق.. فساد، فساد، فساد ..الخ. نجزم بأننا سنجني مئات المليارات في فترة وجيزة. أو ماذا لو حوّلنا أكثر من (٥٠٠) مبادرة في برنامج التحوّل الوطني إلى “بوكيمونات” إدارية نصطاد تحقيقها واحدة تلو الأخرى؟
أخيراً، لعبة “البوكيمون” الإيراني وما يتولد عنها، لا تفرق كثيراً عن “بوكيمونات” أخرى سابقة ولاحقة حاولنا إصطيادها في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن تم تصنيعها في دول أخرى مثل أمريكا وإسرائيل، ولا تزال، ثم تطلق في عالمنا العربي، فتلهث دول المنطقة في البحث عنها وإصطيادها مع كل ما يصاحب ذلك من مضيعة للجهد والوقت والمال، وإلهاء المجتمعات عن “بوكيمونات” محلية حقيقية تفترسها وتنهش في بنيتها. “البوكيمونات” السياسية ذات المظاهر الأمنية حققت لمصنعيها في أمريكا وإسرائيل تريليونات الدولارات. ولذا، نتمنى أن تتوقف السعودية عن لعبة “البوكيمون” الإيراني الإفتراضي، وكل “بوكيمون” خارجي سياسي، والإلتفات إلى البوكيمونات الداخلية المحلية وإصطيادها، فبدلاً من إنفاق المال على الإفتراضي الخارجي، يمكن لنا أن نجني مالاً من المحلي الواقعي والحقيقي. يقول كاتبنا الحكيم محمد الرطيّان، شفاه الله وعافاه: “من يريد أن ينتصر في حروب “الخارج” المهمة .. عليه قبلها أن ينتصر في حروب “الداخل” الأهم..” حفظ الله الوطن.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst