كتاب 11

03:05 مساءً EET

شظايا القنبلة المنتظرة!

عندما قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الأولى أن يصبح أول رئيس «تاريخي» من أصول أفريقية، ألقى خطابا رائعا وعد فيه الأمة الأميركية بأنه لم يعد هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء (في إشارة لخطوط التماس العرقية بين البيض والسود).
وقال أيضا إنه لم يعد هناك أميركا حمراء وأميركا زرقاء (في إشارة لخطوط التماس السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي).
كان خطابا ساحرا واعدا محاطا بحالة أسطورية من الأمل واجتياز المستحيل والصعب، وتحقيق الحلم الموعود البعيد المنال. ولكن شيئا ما حدث في الطريق نحو هذا الحلم، العالم تغير وأميركا تغيرت.
الصوت العنصري يعود للصعود، والخطاب المتطرف يتمرد ويتنمر ويزداد شراسة، والمظاهرات لا تزال مستمرة في أكثر من مدينة في أميركا اليوم، احتجاجا على ممارسات عنيفة من قبل بعض رجال الشرطة في ولايات أميركية مختلفة.
وتأتي هذه الحالات المتكررة وسط مناخ يتزايد حرارة في معاداته وكراهيته للأقليات بمختلف أشكالها وأنواعها، وهي ليست حالة محصورة في الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها انتشرت في الغرب والشرق بشكل مقلق وموحش.
وفي حالة أميركا تبدو الحالة مثار استغراب؛ لأن البلد قام على فكرة قبول الآخر وفتح أبواب الهجرة إلى بلد يرحب بكل مظلوم وهارب من جحيم الطغيان والاستبداد، هكذا كان الوعد الأميركي الشهير.
وقد سنت الأنظمة والقوانين والتشريعات والسياسات لحماية الكل من دون تمييز ولا استثناء، كل ذلك تحت مظلة العدالة التي تحمي الكل بشكل سوي. أخطر أنواع التمييز والتطرف والعنصرية هو الذي يأتي تحت مظلة الدين، فيبرر لتلك العدوانية بآراء وقرارات شاذة ومتشددة فيما هو مقدس، ولكنه يتم تحويره ليكون موافقا لنوايا ونفسيات كل متطرف يتبنى هذا الفكر.
وفي وسط كل هذه المشاهد المزعجة والمقززة، يظهر نيلسون مانديلا كمثال رائع على التسامح والتطبيق العملي الدقيق لهذا الفهم النبيل. فهو بعد خروجه من زنزانة كان بها ما يقرب من ثلاثة عقود، خرج ليحكم جنوب أفريقيا وقد قضى عمرا مظلوما، ولو خرج بمدفع رشاش، وأطلق النار على كل من واجهه لما لامه أحد، ولكنه طبق مقولة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكان لبلاده التسامح والتعايش المنشود الذي جعل من جنوب أفريقيا أهم دولة في أفريقيا اليوم، ومن أهم الدول الاقتصادية في العالم.
العنصرية لا تزال السرطان الأول الذي يهدد السوية الاجتماعية بمختلف أشكالها، وكل مجتمع لا يواجه هذه المسألة هو مجتمع يؤجل انفجار قنبلة عظيمة، ستطال شظاياها أعضاء المجتمع كافة من دون استثناء.

التعليقات