كتاب 11
درس الهند
الهند دولة هائلة ومعقدة التركيب، فيها كم مهول من الأديان والثقافات واللغات والعادات والتقاليد، ولكنهم جميعهم تجمعهم هوية وطنية واحدة.
مهما تعقدت الظروف السياسية عبر زعامات شاذة وقيادات وأحزاب متطرفة، ولكن الحس الوطني والمدني سرعان ما يطفو على سطح الساحة السياسية، ويصبح لصوت العقل والحكمة الكلمة الراجحة، وهذا في حد ذاته انتصار.
والهند التي كانت درة التاج في المستعمرات البريطانية الممتدة حول العالم بأسره، عانت مر المرارة من الاستعمار وتوابعه وفقدت أجزاءً مهمة من أراضيها لصالح دول «استقلت» حديثًا، وتم تفتيتها من البلد الأم الأساسي، ولكن كل ذلك الإرث الثقيل لم يشغل الهند على أن تواصل نهجها المدني والاستمرار في أن تكون أكبر دولة ديمقراطية في العالم، وتواصل الإبداع في الآداب والسينما لتحصد الجوائز تلو الأخرى في مجالات كانت حكرًا على دول أهم وأقوى، ولم تكتف الهند أبدًا بذلك، بل انطلقت بثقة وقوة وثبات إلى عوامل المال والاقتصاد، وأخرجت للعالم قصص نجاح مبهرة في التقنية والحديد والسيارات والأثاث، وغيرها من المجالات اللافتة جدًا.
وتمكنت الهند من أن تكون قاعدة أكاديمية مبهرة في المجالات العلمية المميزة، والتي باتت تصنف عالميًا كأحد أهم الجامعات والمعاهد المتخصصة.
وكانت للجاليات الهندية المنتشرة حول العالم الميزة التنافسية الناجحة في المجال الاستثماري والاقتصادي، ففي كل بلد وجدت فيه هذه الجاليات الهندية، كانت فيها نقطة نجاح وبصمة تميز في مجالات التجزئة والخدمات والصناعة والتغذية.
ولعل قصص النجاح في آسيا وأفريقيا وأميركا وكندا وإنجلترا ودبي والخليج وغيرها تؤكد قدرات الهنود الإبداعية، ومميزاتهم في الأعمال والاستثمار والاقتصاد.
اليوم باتت شركات التقنية العالمية في وادي سيليكون في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة تعتمد على القدرات والكفاءات الهندية بشكل أساسي، حتى باتوا «محركات» النجاح لهذه الشركات، وأصبحت كبرى الشركات الأميركية تقاد من قبل مديرين هنود بشكل مدهش.
قصة نجاح الهند محليًا وعالميًا من الممكن أن تكون عبرة ودروسًا ليستفيد منها العرب الذين لديهم نفس إرث وتاريخ الهنود المعقد والمركب، ولكن الفرق أن الهنود تغلبوا وخرجوا من نظرية المؤامرة، وعملوا بجد نحو إصلاح وتطوير الذات.