كتاب 11

10:23 مساءً EET

حصريا لـ «مصر١١» الدكتور مأمون فندي يكتب: استئذان بالرد: مصر تحتاج مسطرة وسلم

الرئيس السيسي يستحق كل الاحترام والتقدير كرئيس مصر وجزء من الاحترام هو ان نأخذ ما قاله بالجدية التي تليق برئيس دولة تطمح الى الديمقراطية التي اساسها حرية التعبير التي تحدث عنها الرئيس.

الرئيس السيسي جاء نتيجة لثورتي يناير ويونيو، والثورات تحدث عندما يحدث انسداد في اجهزة الدولة يمنع التغيير، فهل يصبح الرئيس اداة التغيير، ام ينحاز للدولة القديمة ذات الشرايين المسدودة والتي أدت الى السكتة الدماغية التي وصلنا اليها؟

حسب ما فهمت من كلمة الرئيس ” ان المصريين هم من يأذون مصر ويأذون انفسهم في قضيتي ريجيني والجزر”، واتمنى ان يكون الرئيس لا يقصد ما فهمته من كلامه، اذ ان تفسير هذا الكلام هو انه احنا السبب في اللي بيحصل لنا، فهل يقصد الرئيس ان شعب مصر لا يليق بمصر ومحتاجين شعب تاني على مقاس طريقة الأجهزة القائمة في ادارة الملفات؟ أليس من الاسهل ان تتعلم الأجهزة طرقا اخرى للتواصل بين المجتمع والدولة خارج اُسلوب السرية الخاص بأجهزة الامن التي تفهم مصلحة مصر اكتر من الشعب؟ الرئيس على ما يبدو لايريد احدا ان يتحدث في الموضوع الا نواب الشعب وهم الذين سيشكلون اللجان. الرئيس طبعا يعرف ان برلمان الشعب تم طبخ جزء منه في الظلام واختارته نسبة 7% من الشعب، فهل هذا هو افضل ما في مصر لمناقشة قضايا مصيرية؟ وهل الإنابة عن الشعب تعني انهم يتكلمون بالنيابة عن الشعب والشعب يسكت؟ هل هناك آلية تربط العضو بدائرته ام ان قائمة سيف اليزل هي من أتت به، وسيسمع لمن اتى به وليس لشعب هو يعرف انه لا يمثله! وظني ان الرئيس كرجل مخابرات سابق يدرك هذه الحقيقة، ومع ذلك ليست هذه هي النقطة. النقطة هي اننا دولة ديمقراطية ولكن حرية التعبير مكفولة للبعض وليس للكل، شيء أشبه بديمقراطيات دولة المدينة في اليونان القديم حيث تتحدث النخبة ولا صوت للشعب لانه لا يعرف ولا يستحق ان يشارك في قرارات الأمة . اقول ثانية اتمنى ان الرئيس كان يقصد غير ما فهمت في هذه النقطة، لانه لو كان يقصد ذلك وطرح سؤال البلد (رايحه على فين )، كما قال في كلمته، سيكون ردي ببساطة ان الدولة تمشي بخطى واثقة نحو الدكتاتورية او في احسن الأحوال الى نظام سلطوي كوربىرتست ( آي ادارة الدولة كشركة).

تحدث الرئيس في قضية الحوار حول الجزر وقال ان سبب المشكلة هي تلك الفجوة ما بين “نسق الدولة” وطريقة تفكير الدولة مقابل تفكير الأفراد. ممتاز. والى متى ستبقى هذه الفجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة؟ وهل هناك نية لتجسير هذه الهوة؟ ام ان طريقة الحكم هي ان الصندوق الاسود المسمى بمؤسسات الدولة تفهم مستقبل مصر افضل من المصريين؟ الرئيس يقول انه يستطيع مواجهة العالم لو الشعب في صفه. كيف يكون الشعب في صفك يا سيادة الرئيس وانت لا تثق به في تداول المعلومات ولا تثق في مشاركته في القرارات قبل اتخاذها، فقط تعلمه بما تم ؟

تحدث الرئيس عن الجيش والدولة وبهذا الترتيب. فهل يقصد ان الجيش غير الدولة؟ وفي سياق اخر قال ما تفسيره ان الجيش هو الحكم بفتح الحاء. اعتقد ان علاقة الجيش بالدولة بدت في خطاب الرئيس وكأنها تحتاج الى كثير من التوضيح ولو ترك الامر هكذا لاختلط الامر على العامة، وترسخت عندهم فكرة دولة الجيش. وهي الصورة التي يروجها دعاة ” الانقلاب ” والرئيس ربما عن غير قصد يؤكدها.

الجيش بالتأكيد هو العمود الفقري للدولة المصرية يحافظ على حدودها ويحمي هذا الكيان القديم التاريخي ولكنه ليس الدولة وهنا اتحدث كضابط احتياط سابق تشرف بالخدمة الوطنية في كل سيناء وليس القصد هنا تقليل من دور جيش عظيم انتميت ومازلت انتمي الي قيمه. ولكن ما قلته سيادة الرئيس يحتاج الى تفسير في إطار ما يعرف بالعلاقات المدنية العسكرية civil-military relations في العالم الثالث.

شجع الرئيس النقابات على العمل ولكنه قال انه يريد نقابات تجمع الناس ولكن بدون سياسة. هل يقصد الرئيس ذلك وأي دولة ديموقراطية تلك التي تفرغ المنظمات الاهلية فيها من السياسة. في الدول الديمقراطية جوهر السياسة يكمن في النقابات ومنظمات المجتمع الاهلي/ المدني. هذا هو تعريف السياسة. فهل يريد الرئيس موت السياسة في المجتمع؟ اتمنى ان يكون قصده غير ذلك.

عاوزين دولة ديمقراطية فيها نقابات قال الرئيس انه بيكلم كل الناس من خلال الأجهزة فهل مصدق لذلك، اي ناس تكلم الأجهزة؟

قال الرئيس “سياستنا الخارجية مبنيه على مبادئ إعطاء حق الغير والصبر ع الاذى” فهل هذه هي عقيدة الرئيس في السياسة الخارجية ؟ كما عقيدة ترومان وكارتر الخ؟ المشكلة في هذا هي ان سياستنا الخارجية على ما يبدو من المدرسة المثالية. فكيف تكون السياسة الخارجية مثالية والسياسة الداخلية مبنية على رأي القلة داخل المؤسسات وعدم مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات؟ لاتوجد هناك مدرسة نعرفها في علم السياسة تصنع هذه الخلطة. لابد ان تكون المفاهيم الحاكمة للسياسات الخارجية والداخلية واضحة وواحدة. فالسياسة الخارجية للدولة هي نبت طبيعي للسياسات الداخلية.

قال الرئيس انه يريد تصحيح اوضاع تركت فيها الدولة لمدة” 40 سنه بيشتغل فيها ناس ياخدوها في اتجاه معين”، اذا كان الوضع كذلك يا سيادة فلماذا تحالفت تماما مع رجال الدولة القديمة برجال أعمالها وساستها وموظفيها؟ سيادة الرئيس لم يحدث في عهدك اي تقليب للتربة السياسية ولم نر الا وجوه نظام مبارك يتحكمون في مفاصل الدولة مع اننا كنا نأمل بأن تكون انت اداة التغيير والتعبير عن إرادة ثورتين ولكنك انحزت للدولة القديمة.

كرر الرئيس السيسي بأنه الرجل الذي أمنه المصريون على بلدهم وارضهم وعرضهم. وهذا إحساس بالسمؤلية الكبرى لا نستطيع الا ان نقدره، ولكن الدولة التي تحمى مصالح المصريين والذين ثاروا مرتين من اجل بنائها ليست دولة الرئيس والا تركنا مبارك مكانه لو كانت الدولة هي الرئيس.

لن ادخل في قضايا فرعية استغلها البعض مثل قول السيسي “انني لم آذن لاحد بالكلام” وصوروها على انها رمزية لدكتاتورية الفرد، فانا أراها جزءا من بروتوكول الحديث وليست بالمعضلة الكبرى.

اتمنى ان هذه النقاط التي انتقدتها هي نتيجة خطاب سيء كتبه فريق لا يؤمن بالديمقراطية، فلغة جسد السيسي وحديثه عن تربيته يوحيلن بطبيعة مصرية طيبة. اتمنى حقا الا يكون اكبر إنجاز لفترة الاثنين وعشرين شهرا الماضية هو صناعة دكتاتور بطريقة ناعمة.

وأخيرا تحدث الرئيس المصري عن بناء مجتمع ديمقراطي. المواطن العادي لا يطلب منك الديمقراطية الغربية، فكل ما يريده من الدولة هو شيئان: مسطرة وسلم .اي ان يعرف طفل في الصعيد او الدلتا انه متى ما صعد السلم فلن يقف احد امام طموحه ليصل الى ارفع المناصب ولا يحتاج الى التحالف مع شياطين الواسطة أو يجد نفسه في النهاية نتيجة الاحباط المستمر في تنظيمات ظلامية. السلم مفتوح والمسطرة هي العمل الجاد الامين الذي تحكم عليه مؤسسات موضوعية لا تفرق على أساس الدين او الطبقة او المناطقية من القاهرة أو من الأقاليم. مسطرة وسلم يا سيادة الرئيس هما ما تحتاجه مصر.

التعليقات