كتاب 11
ملاحقة التطرّف قبل الإرهاب
من السذاجة اتهام الكتّاب والمعلقين بأنهم يشاركون في نشر حكايات محلية عن التطرّف الإسلامي خارج الحدود، ويعينون على التحريض على دينهم وأهلهم وبلدهم!
الذي لا يدركه هؤلاء أن كل ما يكتب ويقال دائمًا قابل وجاهز للترجمة المجانية، وأن العالم لا يحتاج إلى مترجمين محليين، ولا إلى كتّاب، ولا إلى محرضين لمعرفة ما يحدث، فوسائل الجمع والعرض والرصد والتحليل البشرية والإلكترونية، والمراكز المتخصصة أكبر مما تستطيع عقولهم تخيله.
والأمر الأهم من هذا كله، أن الحقيقة صارت واضحة للجميع، فما يفكر فيه المتطرفون يفعله الإرهابيون.
تنظيم القاعدة، في زمن سطوته، سبق أن أصدر كما كبيرًا من أدبيات العنف ومانفيست الحكم كما يريده، وقام منظروه بتأصيل العنف وفق رؤيتهم. والأجهزة المختصة، سواء كانت أكاديمية أو أمنية، لم تعد في حاجة إلى القراءة بين السطور، أو ترجمة المحادثات الهاتفية باللهجات العامية لفك شفرة تفكير المتطرفين، هي في حاجة لمعرفة الأهداف التالية، أما الفكر فهو نفسه مهما تباعدت المسافات وتغيرت أسماء التنظيمات.
في البدايات، عند ظهور «القاعدة» كان هناك جدل حول دوافع الإرهاب، وتساؤلات هل هذا الفكر المتطرف أو ذاك، اسمه، ولونه، ومصدره، أيهم وراء الإرهاب الذي يزداد دموية؟ أما اليوم فيوجد كم هائل من الروابط تدل على التطرّف كمصدر للعنف، ولم تعد مجرد نظرية أو استنتاج من باحث جاهل باللغة والدين.
والتبسيط لا ينفي التعقيد. هل هناك من ينشر الفكر المتطرف لأغراضه السياسية؟ بالتأكيد، وعلى رأسها الجماعات السياسية التي تستخدم المتطرفين ليقفوا في الصف الأول ضد خصومها المحليين أو عبر الحدود، كما نرى في سيناء وسوريا.
هل هناك من يستخدم التنظيمات المتطرفة لغاياته؟ أيضًا، نعم. فإيران خير نموذج، نظام استطاع استخدامها لثلاثين عامًا، في لبنان، والعراق، وفلسطين، والآن في اليمن.
والذي لا يفهمه بعض حملة الفكر المتطرف والمدافعون عنهم، أنهم شركاء لجماعات العنف السياسي مثل «داعش» و«القاعدة»، لأنهم يتفقون معهم في مبادئ كثيرة وإن امتنعوا عن تأييد مشاريعهم السياسية.
كما أن الذين ينشرون التطرّف، في هذا المناخ السياسي المحتقن عالميًا، هم مطايا لنظام طهران. المتطرفون هم أهم خادم لإيران اليوم، لأنهم يضعون بلدانهم في مرمى مدافع العالم. الخصم يركز في هجومه على السعودية مثلاً بأنها منبع الفكر المتطرف، مستدلاً بأفعالهم! ولا ننس أن إيران من قامت بصياغة الخطاب السياسي المنتشر اليوم بين الإسلاميين، عن الاستكبار العالمي ومحاربته دينيًا وسياسيا.
وبغض النظر عن الاستغلال السياسي المألوف عادة في عالم الحروب، فإن الخطر الجديد هو مضاعفات انتشار التطرّف على العالم الذي صار يهددنا، ويهدد مجتمعات المسلمين في الغرب. أفعال المتطرفين التي تترجمها أفعال الإرهابيين، أصبحت الخطر الأول على العلاقات والحكومات والشعوب الإسلامية!
ومن دون الاعتراف بوجود وانتشار التطرّف سيزداد الوضع سوءًا، وسنجد أنفسنا في صدام مع الآخر المتضرر والغاضب. وهنا يجتهد منظرو التطرّف، نتيجة تزايد الضغوط واللوم عليهم، بسرد مرافعات تبريرية، هدفهم منها وضع دينهم وحكوماتهم في الواجهة، بهدف الاحتماء بها، أو توريطها في مواجهات هي من صنعهم أصلاً، ولا علاقة لها بعموم المسلمين، الذين يدفعون الثمن حيثما تقع هناك مواجهات، من لاهور والرقة إلى بروكسل.
لقد استنفد المتطرفون مبرراتهم القديمة التي ساندوا بها الإرهابيين، بدأوها بحجج القواعد الأميركية في السعودية، ثم استخدموا أفغانستان دفاعًا عن «مسلمي» «القاعدة» و«طالبان»، والحديث عن الحقوق، ثم دفاعًا عن عراق صدام رغم بعثيته. وبعد خروج الأميركيين من العراق، لجأوا إلى طروحات تقول بمظلومية المسلمين في الغرب، مع تجاهل إرهابهم ضد أهلهم المسلمين في سوريا واليمن والسعودية والمغرب!
نشوء التطرّف الديني وصعوده لا علاقة له بالعدالة الاجتماعية، ولا المظلومية السياسية بل يمثل مشروعًا آيديولوجيًا يهدف إلى السيطرة، وإلغاء الغير. ولهذا السبب عندما يرتكب تنظيم جريمة بفكر هذه الجماعات المتطرفة عليها أن تدفع الثمن معه، ولا ينتظر من بقية المسلمين الدفاع عنها، أو التستر عليها. علينا أن نباعد بين المتطرفين وبيننا، وبينهم وبين بقية المسلمين، وبينهم وبين الإسلام. وكذلك أن نرفض دعواهم بأن الغرب يعادي الإسلام، أو السنة، أو السعوديين، الحقيقة أنه يعاديهم، ويعنيهم باللوم والتحذير، مهما كانت المصطلحات المستخدمة.
وبسبب ارتفاع وتيرة الإرهاب في العالم أصبح المتطرفون أكثر خطرًا من الإرهابيين. فـ«داعش» تدافع عن نفسها وتضحي بمقاتليها، أما المتطرفون فإنهم يريدون انتحارًا جماعيًا، والتضحية بالجميع.