كتاب 11
الحزب الجمهوري وجمود الأفكار
يعد دونالد ترامب دورة تدريبية في العلوم السياسية تسير على قدمين. فصعوده السياسي الفائق هو من الدروس الأولى في القيادة: أغلب الناخبين لا يسمعون باستخدام آذانهم. بل إنهم يسمعون من خلال غرائزهم. فإذا ما تمكن القائد أو الزعيم من التواصل معهم عبر الغريزة، فسوف يكون ردهم: لا تزعجني بالمزيد من التفاصيل، فإنني أثق بغريزتك وسرعة بديهتك. وإذا فشل القائد أو الزعيم في التواصل معهم عبر الغريزة، فلن ينجح القائد سواء أكان رجلا أم امرأة في عرض أي قدر من التفاصيل عليهم. ولسوف يستمرون في طرح السؤال التالي: أيمكنك عرض التفاصيل مرة أخرى؟
يواصل منافسو ترامب داخل الحزب الجمهوري التفكير أنهم إذا تمكنوا من مجرد الإشارة إلى بعض التفاصيل حول الرجل، فسوف يسقط نجم دونالد ترامب سقوطا مدويا وسوف ينتقل الناخبون إلى أي من المرشحين الجمهوريين الآخرين عوضا عنه. ولكنك لن تستطيع إقناع الناخبين بشيء لم يفكروا في الاقتناع به من الأساس.
أعجب الكثير من الناخبين بترامب من واقع شعورهم الغريزي أن هذا الرجل يشعر بآلامهم، حتى لو لم يكن هو كذلك. والكثير من مؤيديه هم من أنصار حركة (#middleagewhitemalesmatter)، والذين لم يكن عصر التسارع الحالي لطيفا معهم بحال والذين تعتبر حملات ترامب الانتخابية بالنسبة لهم هي الطريقة الوحيدة كي يصرخوا ويقولوا «أيمكنكم سماع صوتنا الآن؟»، وإلصاق ذلك بكافة أولئك الذين استغلوا آلامهم أيما استغلال ثم تركوهم وتخلوا عنهم بعدها، ولا سيما النخبة التقليدية من الحزب الجمهوري. فالناخبون لا تعنيهم تفاصيل حملة ترامب الانتخابية في شيء. إنهم مشدوهون إليه بأثر الغريزة.
ولا عجب في ذلك. فلقد باعت نخبة الحزب الجمهوري التقليدية أرواحها بل وحزبها مرات تلو المرات إلى حفنة من المشعوذين وأفراد الطبقة فاحشة الثراء من ذوي النفوذ والذين دوما ما يتساءلون متى يمكنك أن ترى إعلان بيع أرواحهم على موقع مبيعات (eBay) الشهير، تحت عنوان: «للبيع، روح الحزب الجمهوري. بيعت هذه الروح من قبل إلى المرشحة سارة بالين، فوضوية حفلات الشاي المعروفة، وإلى روش ليمبو، وغروفر نوركويست، من جماعة السلاح الضاغطة وصناعة النفط العملاقة، كما بيعت إلى الإخوة كوخ، وشيلدون اديلسون، وقناة «فوكس» الإخبارية. ومع الاستعداد للمساومة، لن يمكن قبول أي عروض منخفضة».
أصبح الحزب الجمهوري مثالا حيًّا على تراكم الأفكار التي أصابها الجمود عبر سنوات من دون أن يتوقف الحزب ولو للحظة واحدة كي يسأل نفسه سؤالا واحدا: ما هو العالم الذي نحيا فيه الآن؟ ما هي الاتجاهات السائدة؟ وكيف يمكن للشعب الأميركي استغلال هذه الاتجاهات من خلال تطبيق القيم المحافظة وأفضل الحلول المستندة على السوق؟
لم تكن السخرية الحالية من الحزب الجمهوري أكثر وضوحا مما كانت عليه عندما أعلن ماركو روبيو، وجون كاسيش (الرجل المحترم) وتيد كروز أنهم سوف يؤيدون مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة، حتى لو انتهى به الأمر لكي يكون دونالد ترامب، وذلك فور إخبارهم لجمهور ناخبيهم أنهم يعتبرونه رجلا محتالا ومخادعا.
وحتى مع خفوت الدعم الذي يحظى به الرجل في اللحظة الراهنة فإن المعسكر الديمقراطي يأخذ ترامب على مسؤوليته الشخصية. فلا تزال لديه ثلاث بطاقات للعب لم يطرحها على المائدة بعد. ويمكن أن يعلن عنها الرجل في الانتخابات العامة فقط.
وإحدى تلك البطاقات أنه إذا فاز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة، فلن تكون لديه مشكلة في الانتقال إلى تيار الوسط لاستمالة الناخبين المستقلين والأقليات. ولن تكون لديه مشكلة كذلك في لعب دور الموحد المعتدل – ولسوف يبتلع الكثير من الناس هذه الخدعة؛ إذ يقولون: «ما الضير في أن نمنح الرجل فرصته؟ إنه يقول: إنه سوف يجعلنا الفائزين». بكل تأكيد، فلسوف تسدد المكسيك ثمن هذا الجدار، كما يقول ترامب، ولكن السداد سوف يكون على «أقساط». ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي؟ على رسلكم! أليس لديكم من رهان أفضل من ذلك حول قانون الهجرة المنتظر؟ حظر دخول كافة المسلمين إلى البلاد؟ حسنا، بالطبع لا يمكننا حظر مجتمع عقائدي بأكمله، ولكن ترامب سوف يتعهد لأن يكون أكثر صرامة بشأن التأشيرات الممنوحة لدول بعينها. أما قرأتم قط كتاب «فن الصفقات» من تأليف ترامب نفسه؟
أما بطاقته الثانية فسوف تكون الموقف الذي راهن عليه بشأن الإرهاب، وبطاقة الرجل الثالثة هي: مطاردته الحتمية لهيلاري كلينتون بأساليب لم نسمع عن مثلها من قبل، والتي من شأنها إسعاد وإرجاع الكثير من الجمهوريين الساخطين إلى حظيرة الحزب، والذين لا تعرف كراهيتهم للسيدة كلينتون أي حدود أو قيود».
واختصارا، أقول: إياكم والتعويل على ذلك.