مصر الكبرى
هل ينزل حزب الكنبة لإنقاذ الدولة المصرية؟
الدولة المصرية أصبحت الآن في خطر، هذا شيء مؤكد لم يعد في حاجة إلى إثبات. وعندما يختار المصريون في السادس عشر والسابع عشر من هذا الشهر رئيسا لهم، سيكون هذا الخيار إما نهاية للدولة المصرية كما نعرفها وإما بداية لعصر جديد من الأمان والاستقرار، في انتظار بزوغ شمس الحرية والديمقراطية المفقودة. فإذا اختار المصريون محمد مرسي مرشح الإخوان رئيسا لهم، فسوف ينتهي عصر الدولة القومية التي قامت في مصر منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وإن أعطوا أصواتهم لأحمد شفيق فسوف يحصل المصريون على فترة براح يتمكنون خلالها من تحديد خياراتهم للمستقبل.
انتخاب الرئيس هذه المرة ليس مجرد اختيار لشخص يحكم البلاد بشكل مؤقت ويعاد انتخابه بعد أربع سنوات. ذلك أن اختيار مرسي للرئاسة يعني بالتبعية اختيار نظام جديد للدولة المصرية واستبدال النظام المدني القائم على الوحدة القومية بنظام ديني يلغي الحدود ولا يسمح بالتعددية أو انتقال السلطة. فجماعة الإخوان التي رشحت مرسي للرئاسة، لديها برنامج محدد تريد تنفيذه وسوف تفرضه قصرا في حال انتخابه. ومنذ أن أسسها حسن البنا في 1928 قامت الجماعة على هدف واحد، هو إقامة الخلافة على أساس الأممية الإسلامية ورفض الحدود القومية للأوطان. وبمجرد إعلان الخلافة في القاهرة، تصبح جميع البلدان العربية أرضا مفترضة للدولة الجديدة، ويصبح حكام هذه البلدان فاقدين للشرعية يجب إسقاطهم وتعيين ولاة يستمدون سلطاتهم من الباب العالي في القاهرة.
فقد كتب حسن البنا يقول: «إن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية»، وعلى هذا لا يصبح المصريون – أو غيرهم من القوميات العربية – مواطنين في بلدانهم بل رعايا لدولة الخلافة الجديدة. ومنذ إنشائها رفضت جماعة الإخوان الدستور المصري والنظام البرلماني الذي اعتبرته مستوردا من الغرب، كما رفضت فكرة القومية المصرية واستبدلتها بالقومية الإسلامية. ولم يتغير فكر الإخوان ولا هدفهم بعد ثورة 25 يناير، فقبل بضعة أيام من نهاية العام الماضي أعلن محمد بديع – المرشد العام للجماعة – أن الخلافة من الأهداف المرحلية التي حددها حسن البنا لتحقيق الغاية العظمى للجماعة، وأن تحقيق هذه الغاية بات قريبا بعد ثورات الربيع العربي.
واستباقا لانتخابات الرئاسة، راح الإخوان يستخدمون أغلبيتهم البرلمانية لتغيير معالم الدولة المصرية، في عرقلة كتابة دستور مدني وإلغاء الإشراف الديني للأزهر وإلغاء الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي يصدرونها، كما أن لديهم برنامجا لفرض سيطرة الجماعة على جهاز الأمن والجيش والخارجية.
ومنذ هرب مرسي والكتاتني والعريان من سجن وادي النطرون بعد خمسة أيام فقط من ثورة يناير، قررت الجماعة استغلال الفراغ السياسي في مصر، لفرض سيطرتها على البلاد بعد أن أصبحت التنظيم السياسي الوحيد القائم في البلاد. إلا أن شهر العسل بين شعب مصر والإخوان لم يدم طويلا، حيث أدركت الجماهير أن الجماعة استخدمت الشعارات الدينية لخداعهم، بينما هدفها الرئيسي هو الاستيلاء على السلطة. وبعد نجاحهم وحلفائهم في الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، لم يتجاوز نصيبهم في انتخابات الرئاسة ربع أصوات الناخبين التي حصل عليها محمد مرسي. ولو تجمع أنصار الدولة المدنية حول أحمد شفيق في الإعادة، فسوف تتم هزيمة مرشح الإخوان بنسبة عالية.
انزعجت الجماعة لهذه النتيجة وقررت النزول إلى الشارع لمنع شفيق بالقوة من منافسة مرشحها. وخرج الإخوان إلى ميدان التحرير رافضين نتيجة أول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ مصر، ومطالبين باستبعاد شفيق بعد أن اختاره خمسة ملايين مواطن مصري. لكن جمعة الإصرار التي أرادوها أن تكون مليونية، فشلت حيث لم يخرج للتظاهر سوى بضعة آلاف من المواطنين.
وبينما كشف عبد المنعم أبو الفتوح عن حقيقة ولائه للإخوان وطالب من صوتوا له من الليبراليين بإعطاء أصواتهم لمرسي، فقد رفض حمدين صباحي وبعض شباب الثورة تأييد شفيق وقرروا الامتناع عن التصويت في انتخابات الإعادة. وهكذا ترك الثوار الشعب فريسة للإخوان وصاروا كما تقول أغنية نجاح سلام: «نزلتونا لنص البير وقطعتوا الحبل بينا»، أو كما قال بنو إسرائيل لموسى «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» في ميدان التحرير.
وفي ذات الوقت اختلف أبناء جمال عبد الناصر في اختيار الرئيس الجديد، وبينما أعلن عبد الحكيم تأييده لحمدين صباحي، اعتبرت هدى أن شفيق هو مرشح الدولة المدنية وكتبت تقول: «الشعب يريد الاستقرار والانضباط بعد عام ونصف من التمرد، ويريد عودة السياحة.. الشعب يريد انتعاش الاقتصاد.. والشعب يريد تحقيق الأمان.. إنني أدعو إلى أن ننحي الانفعال جانبا، ونفكر بهدوء في مصلحة الوطن ومصيره، وفي مقدراتنا نحن الشعب المصري، وننظر إلى المستقبل بكل تفاؤل ونؤدي واجبنا القومي باختيار الدولة المدنية، التي يحمل لواءها الفريق أحمد شفيق». (جريدة الأهرام – 2/6/2012).
لن ينقذ الدولة المصرية سوى أبناء مصر الصامتين من حزب الكنبة، الذين لم ينزلوا إلى الشارع في 25 يناير ولم يشاركوا في الانتخابات البرلمانية التي أتت بأغلبية الإخوان، كما أنهم لم يصوتوا في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. هؤلاء الذين يزيد عددهم عن نصف من لهم حق التصويت في مصر، لا ينتمون لحزب أو تيار سياسي ولا يريدون سوى الأمان والخبز والحرية. لكنهم تعودوا منذ انقلاب يوليو أن أصواتهم يتم تزويرها فقرروا التزام بيوتهم وعدم الاكتراث بالخروج للتصويت. والآن بعد أن انتهى التزوير وأصبح الوطن في خطر: هل ينزل حزب الكنبة لإنقاذ الدولة المصرية في انتخابات الرئاسة؟