مصر الكبرى
فتوى فرنسية تمنع القرضاوي من دخول باريس
 
هل يتحدث محمود غزلان بإسم مصر ؟
الإخوان يهددون الإمارات ويفتحون النار بسبب تصريحات الشيخ المقيم في قطر
كتب – يسري حسين :
قررت فرنسا عبر رئيسها نيكولاي ساركوزي منع الشيخ يوسف القرضاوي من دخول أراضيها . جاء القرار في ظل تداعيات الحادث الإرهابي الذي شنه الأصولي الشاب محمد مراح وإعلان تنظيم < القاعدة > تبني العملية كلها ضمن ما يُطلق عليه مواجهة اليهود والصليبيين .
موقف ساركوزي من الشيخ القرضاوي يكرر ما نفذته بريطانيا من قبل برفضها الترحيب بالداعية الإسلامي لاعتبارات أمنية في ظل التحفظ على أصوات ومواقف الداعين لتطبيق التطرف واستخدام العنف ضد أهداف بريطانيا .
لقد ثبت أن الإرهاب ينعكس بالسلب على جاليات عربية وإسلامية مقيمة في بريطانيا وأصبحت جزءاً من أمن هذه البلاد وسلامتها لذلك التحريض وغسل أدمغة الشباب بمقولات فاسدة عن جهاد ومواجهة ، يفتح الأبواب ليس لصراع الحضارات كما يدعي البعض وإنما لتوتير العلاقات بين مواطنين مسلمين وعرب يقيمون في هذه البلاد ويعملون بها ويخططون لمستقبلهم في ظل استقرار ونمو الحياة الديمقراطية . تفجير الصراع داخل هذه الأوطان يضر بالمهاجرين والمقيمين معاً .
وما اتخذه الرئيس ساركوزي تجاه القرضاوي يطرح مواقف وردود فعل لجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي رفعت في الآونة الأخيرة شعارات رددها متحدثها الرسمي محمود غزلان الذي أعلن بصراحة شديدة أن الجماعة تعادي من يعادي القرضاوي وستطلق حملات ضده وستعلن الحرب الإعلامية والكلامية لنصرة الشيخ ، الذي وضع نفسه على قمة التيارات الدينية والأصولية وأصبح يملك الجرأة لتهديد أي دولة لا تخضع لنفوذه وترفض هيمنته .
وقد تعجل مراقبون من اندفاع غزلان لهجوم وتهديد شرس ضد دولة الإمارات لخلافها مع الشيخ القرضاوي الذي هددها عبر منبره داخل قناة الجزيرة .
وبمجرد أن رد ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي على الشيخ القرضاوي انطلق غزلان ومن خلفه < الإخوان > جميعاً في حملة شرسة ضد الإمارات فيما يشبه إعلان الحرب .
محمود غزلان لم يتحدث بإسم الإخوان فقط ، وإنما زج بمصر كلها في هذه المعركة بهدف افتعال أزمة مع دولة كانت دائماً تصنف بأنها من أصدقاء مصر وأرضها مفتوحة أمام أبنائها يعملون هناك في كل المجالات . كما أن الإمارات لها نصيب واضح في مشروعات الاستثمار في مصر .
لقد تحولت دولة الإمارات منذ عهد الراحل الشيخ زايد بن نهيان إلى دولة شقيقة للقاهرة في ظل تعاون اقتصادي وتجاري وعلاقات متطورة ومواقف تساند مصر دائماً .
وهناك حكام في الإمارات لا يخفون عشقهم لمصر كما يقول بذلك دائماً الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة ، الذي يتبرع لمؤسسات علمية وأكاديمية خصوصاً جامعة القاهرة التي درس بها ،وآخر مواقفه التبرع لإعادة بناء المجمع العلمي الذي تعرض للحرق خلال أزمات في الشارع المصري والتصادم مع الشرطة في شارع مجلس الشعب .
موقف محمود غزلان يطرح أسئلة حول سياسة مصر الخارجية ، ورؤية الإخوان التي لا تضع المصلحة الوطنية أولاً وإنما تنظر لدورها داخل التنظيم الدولي للإخوان ومصالحه المختلفة وعلاقاته مع الشُعب الإخوانية في بعض دول الخليج .
إن مصلحة مصر الوطنية هي التي تفرض أطر سياساتها الخارجية . هذا موقف ثابت في مختلف العهود الملكية والجمهورية ، أما الإخوان فإنهم يلونون سياساتهم الخارجية بالمواقف العقائدية والتي يشكلها المرشد العام .
وطبقاً لأفكار < الإخوان > فإن من يعادي القرضاوي فهو العدو رقم واحد لمصر ، لذلك من المحتمل إصدار محمود غزلان المتحدث بإسم الجماعة بياناً يهدد الرئيس الفرنسي ساركوزي . ولو كان < الإخوان > في السلطة الآن كما هم في البرلمان لأعلنوا قطع العلاقات مع باريس وأطلقوا عليها نيران العداء كما فعلوا مع دولة الإمارات .
موقف غزلان والجماعة كلها يثير التساؤلات حول مصلحة مصر والعلاقة بهذه الرؤية الغارقة في الانغلاق والتخلف من كل الوجوه . وعندما كان < الملا عمر > يحكم أفغانستان كانت علاقاته مقطوعة مع دول العالم كله إلا باكستان ، حيث المعروف أن استخبارات هذا البلد كانت هي الداعم والمساند الوحيد للإمارة الإسلامية في أفغانستان .
وهل يمكن تصور سقوط وزارة الخارجية المصرية في يد الجماعة وإنها ستطبق تقاليد < طالبانية > تسنسخ هذه الأفكار والتقاليد المتزمتة ، التي قد تصلح لأفغانستان في عهد الملا عُمر لكنها لا تفيد مصر بتاريخها العريق وعلاقاتها المتشعبة مع دول العالم وحرصها في عهود الاستقرار والرؤية الواضحة على إقامة علاقاتها الدبلوماسية ترجمة لمصالح مصر أولاً وأخيراً .
إن تاريخ الدبلوماسية المصرية عريق حيث انطلقت تُعمق علاقاتها مع أوروبا الغربية والأخرى الشرقية في عهد الاستقطاب الدولي ، ونهجت سياسة عدم الانحياز والدفاع عن مصالح مصرية تدافع عن علاقات متوازنة مع دول العالم بصرف النظر عن عقائدها أو دياناتها .
إن من حق القرضاوي الاختلاف مع دولة الإمارات بشأن الوضع في سوريا ، لكن ما دخل مصر في هذه القضية ؟ والإمارات نفسها تستطيع الدفاع والرد على الشيخ القرضاوي الذي يدير الثورة العالمية ، أو هكذا يدعي من قطر . أما أن يدعو غزلان لتجهيز لمعركة وتهديد دولة الإمارات فهذا من قبيل التورط في قضاية لا ناقة لمصر فيها أو جمل . إن المصلحة الوطنية تفترض سياسة بعيدة عن هذا اللغو ، ومحمود غزلان غير مفوض بالحديث بإسم مصر على الإطلاق .
إن حصول الجماعة على نسبة عالية من مقاعد البرلمان لا يمنحها الحق في تحديد سياسة مصر الخارجية أو الهجوم على أصدقاء لنا نرتبط معهم بمصالح وعلاقات تصب في إطار المنفعة العامة والأخوية أيضاً . وكان على المتحدث بإسم الجماعة مراعاة مصالح مصر المتشعبة في دولة الإمارات قبل إطلاق التهديدات والإتهامات ، لأن ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي اعترض على تصريحات القرضاوي وهاجمه بسبب اتهامات لدولته .
خلاف القرضاوي مع الإمارات يعود لأنه أعطى نفسه مكانة الثوري الأول في المنطقة وعلى الجميع الطاعة وقبول ما يطرحه ، وإذا إختلف بعض الناس مع الشيخ المقيم في قطر يرد عليهم محمود غزلان بعنف شديد ومعه كل < الإخوان > في حملة تُطلق التهديد وتدق طبول الحرب .
مصر يا إخوان لها تاريخها الطويل وليس القرضاوي أو غيره من يحدد من هم أصدقاء بلدنا العزيزة أو من يقف في معسكر الأعداء .
نحن نرى أن الإمارات وغيرها من الدول العربية هم أشقاء لنا ، نحرص عليهم وعلى علاقات مهمة تفتح الأبواب أمام أبناء شعبنا للعمل وتبادل المنافع معاً . تركيا تفعل ذلك إذ أن سياستها الخارجية تعبر عن مصالحها الداخلية . والإخوان في حالة انبهار بالنموذج التركي لكنهم يختلفون معهم بشأن الديمقراطية ، إذ ديمقراطيتهم على مقاسهم ووفق رؤية المرشد محمد بديع .
موقف الإخوان من الإمارات لا يعبر سوى عنهم فقط ولا يلزم مصر ولا شعبها . وهذا الموقف دليل واضح على أن أولاد حسن البنا وأحفاده لا يزالون على حالهم لا يعرفون التاريخ ولا يفهمون في إدارة السياسة الدولية وكل ثقافتهم لا تخرج عن تصريحات نارية للواء محمود غزلان الذي تحول إلى < فتوة > يهدد كل من يختلف مع القرضاوي ، لذلك فرنسا في وضع صعب وحرج بعدما أعلن ساركوزي رفض فتح أبواب الإيليزيه للشيخ المقيم في دولة قطر .