مصر الكبرى

07:28 صباحًا EET

انقلابيو مصر

 
عندما تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة الرئاسة في مصر، إثر تنحي الرئيس حسني مبارك، أجمعت كل القوى المصرية، بما فيها الداعية إلى المليونيات المتكررة، على هذا الانتقال السلس للسلطة. كما وافقت على خريطة الطريق التي وضعها المجلس واشتركت كلها في الانتخابات الاشتراعية وفي الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.

ورغم انتقادات من هنا وهناك لإدارة المجلس العسكري للحكم واعتراضات على بعض قراراته التي كان يعيد النظر فيها أحياناً، بدا أن كل القوى السياسية، باستثناء شخصيات هامشية وغير فاعلة، ارتضت قوانين هذه اللعبة، بما في ذلك محاكمات لشخصيات في العهد السابق، بتهم الفساد واستغلال النفوذ، كما ارتضت الأحكام الصادرة فيها.
صحيح أن هذا الرضى لم يكن دائماً سلساً. لقد تخللته مناوشات وتظاهرات معارضة ومطالب وسقط قتلى في أكثر من حادثة. وصحيح أيضاً أن صراعاً قوياً نشب بين بعض القوى والمجلس العسكري تناول خلافاً في قضايا سياسية داخلية أو شأن دستوري. لكن الصحيح أيضاً أن أحداً من القوى الكبيرة الفاعلة، خصوصا «الإخوان» والسلفيين، لم يعترض منذ البداية على مبدأ أن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تسيير شؤون البلاد، ووافقت كلها على خريطة الطريق التي وضعها. وباستثناء قوى شبابية انتقدت كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، تعامل الجميع مع المجلس على أنه السلطة الشرعية وضمانة لانتقال سلس للسلطة إلى المدنيين. وتكرس هذا الإجماع مع الانتخابات التشريعية التي حملت غالبية ساحقة إسلامية إلى مجلسي الشعب والشورى.
وحتى بعد إعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وانحصار المنافسة بين المرشح «الإخواني» محمد مرسي ومرشح المؤسسة العسكرية الفريق أحمد شفيق، بدا أن الجميع ما زالوا متمسكين بأصول هذه اللعبة التي دخلوا فيها منذ تنحي مبارك. فالحملة السياسية على شفيق جاءت في إطار الدعاية الانتخابية وتؤكد أن الإسلاميين، ومعهم فئة من الاتجاهات المدنية المختلفة، لم يتخلوا عن قبولهم شروط اللعبة. لا بل تؤكد هذه الحملة انخراطهم فيها إلى حد كبير.
وجاءت الأحكام في قضية قتل المتظاهرين لتثير ما أثارته من احتجاج، ومن مطالب سياسية جديدة تقطع مع الشروط السابقة لعملية نقل السلطة. وتحول خصوم العهد السابق من سياسيين يروجون لخط ما إلى قضاة يحكمون على الرئيس السابق ومعاونيه ويقررون عقوباتهم، استناداً إلى آرائهم السياسية ومواقفهم من حكم مبارك، وليس استناداً إلى ما تتيحه القوانين المرعية الإجراء في ما اسماه البعض «محاكم ثورية». أي الانقلاب على كل قوانين المحاكمات الجنائية في البلاد، واعتماد المحاكمات السياسية. وهو، كما هو معروف، قطع كلي مع ما سبقها، خصوصاً قوانينه القضائية.
وعندما ركب «الإخوان» موجة التنديد بالأحكام الأخيرة على مبارك وتبنوها، فعلوا ذلك ليس فقط في إطار استغلال حال الغضب وإنما أيضاً تنكروا لشروط انخراطهم في العملية السياسية. وإذ لم يوافق مرشح «الإخوان» على مجلس رئاسي، يضمه مع مرشحين خاسرين في انتخابات الرئاسة، فذلك في إطار رفضه تقاسم السلطة مع آخرين، وليس احتراماً للعملية السياسية.
لقد كان منطقياً جداً أن يطرح تشكيل مجلس رئاسي، فور تنحي مبارك، ليقود البلاد في المرحلة الانتقالية بدل المجلس العسكري. لكن كما رأينا، جرى العكس تماماً عبر الاعتراف بشرعية المجلس والتوافق على الخريطة السياسية التي وضعها.
لكن مجرد طرح موضوع مجلس رئاسي حالياً يعني رفضاً للعملية الانتخابية الرئاسية برمتها، ورفضاً لكل ما تم التوصل إليه خلال الفترة السابقة. أي الانقلاب على كل المرحلة الانتقالية. لكنه انقلاب متأخر جداً، ولذلك قد تكون أثمانه باهظة جداً، بعدما اتضح أن المؤسسة العسكرية لن تتخلى ببساطة عما قامت به منذ تولت شؤون السلطة.

التعليقات