مصر الكبرى
الجمباز السياسي!
المشهد السياسي في مصر الآن يمر بمرحلة «ترفيهية» و«مثيرة»، تصل في بعض الأحيان لما يثير آهات الإعجاب، وفي أحيان أخرى ما يجبر على علامات التعجب. إنه استعراض للجمباز السياسي!
فبعد النتائج الأولية للانتخابات أصيب معظم الشعب المصري بالصدمة والذهول؛ نتاج وصول الإخوان المسلمين ورئيس وزراء مصر الأخير في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، الفريق أحمد شفيق، للمركزين الأول والثاني تباعا دون أغلبية مما أدخلهما في مرحلة الإعادة الحاسمة التي ستحصل في خلال أيام قليلة جدا.
وما إن ظهرت النتائج حتى بدأت فصول الاستعراض والجمباز السياسي، فجماعة الإخوان المسلمين ظهرت على الشاشة عن طريق حزبها السياسي الحرية والعدالة ومرشحها الدكتور محمد مرسي وفي مؤتمر صحافي قدم فيه مجموعة غير مسبوقة من الوعود والتنازلات معظمها أو جلها موجه للفئات «المذعورة» من فوز الجماعة بالرئاسة، فئات مثل الأقباط والنساء وأنصار الدولة المدنية.
فأكد الدكتور محمد مرسي أن حزبه وحركته لن يسيطرا على الحراك السياسي في مصر، وأنه في حالة فوزه سيدع شخصية من خارج حزبه إلى تشكيل الحكومة وسيمنح منصب نائب الرئيس لشخصية قبطية ولن يجبر النساء على أي زي مع مساواة تامة بين الأقباط والمسلمين في حقوق المواطنة، وكل ذلك سقف جديد غير مسبوق في الخطاب السياسي الإخواني جاء نتاج الانهيار المهول في شعبيتهم كما اتضح في ضوء نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مقارنة بالنتائج الكبيرة التي حصلوا عليها بعد الانتخابات النيابية.
وطبعا أيضا يضاف إلى ذلك هزلية الأداء البرلماني لنواب الجماعة والذي جعل الشعب والرأي العام يخشى ضحالة خبرتهم ورداءة الأداء أيضا.
ومن الجانب الآخر ظهر الفريق أحمد شفيق بشكل مذهل وحصل على مناصب متقدمة في محافظات كثيرة، بل وفاز في مسقط رأس الدكتور محمد مرسي نفسه، وروج نفسه بأنه رهان الأمن والاستقرار والانضباط؛ وهي مسائل تغري شريحة عريضة من المتضررين اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا من الفوضى وتبعاتها، هو الآخر ظهر في مؤتمر صحافي كبير بعد إعلان النتائج وأوضح فيه طلاقه التام من نظام الرئيس السابق وأنه لا عودة للوراء. ومد يده لكافة المنافسين للانضمام إلى حملته بما فيهم المعارض المصري الكبير الدكتور محمد البرادعي الذي لم يشارك في الانتخابات الرئاسية وانسحب في اللحظات الأخيرة، عرض عليه منصب مستشار للرئيس في حالة فوزه وعرض على التيارات الثورية أن تكون لاعبا أساسيا في صناعة سياسات حكومته مستقبلا.
وما إن انتهى من مؤتمره الصحافي وحل المساء على القاهرة حتى تعرضت مكاتب حملته في ثماني محافظات مختلفة لسلسلة من الهجمات المنظمة والاعتداءات المقننة وللحرق والإتلاف. وجمع ميدان التحرير مظاهرات بعشرات الآلاف لأنصار خالد علي وحمدين صباحي من التيارات اليسارية الخاسرة والمحسوبة على الثورة تطلب بوضوح شديد إلغاء نتائج أحمد شفيق وشطب مشاركته في الإعادة وإحلال حمدين صباحي مكانه وهو الطلب الذي رفضته رسميا اللجنة الانتخابات لاحقا.
حتى المجلس العسكري هو ايضا يلعب سياسة؛ فها هو يسمح بالإعلان عن طلب جنائي جديد ضد أنجال الرئيس السابق علاء وجمال وآخرين معهم بخصوص التلاعب في أموال البورصة، وذلك للتأكيد للشعب أنهم مع الثورة وليسوا بأي شكل مع العهد القديم. وكذلك قاموا بالإعلان لأول مرة منذ 30 عاما بإلغاء حالة الطوارئ الكريهة.
المبشرون بانقلاب عسكري في مصر إذا زاد الاختلاف هم على خطأ كبير لأن الانقلابات العسكرية لم تعد كما كانت قديما باحتلال الإذاعة والتلفزيون وقراءة البيان العسكري رقم واحد، ولكن لكل عصر أدواته وانتخاباته فلا أحد بات يفوز بـ99 في المائة كما كان يفعل العسكر القديم ولكن الآن الموضوع أصبح أكثر أناقة في انتخابات نزيهة ومتقاربة والفائز بفارق ضئيل.
ولكن يظل الأمل قائما في أن التغيير في مصر آت والجديد أجمل مما مضى.