مصر الكبرى

08:48 صباحًا EET

من المسؤول عما حدث؟ : ذكريات من الميدان

عامان على الثورة، أتذكر بشيء من الضبابية أيام قضيتها في الميدان.لم يكن في الأفق  في الايام الاولى للثورة المصرية ما يبشر بنجاحها، بل كانت احتمالات الفشل اكبر منذ خطاب مبارك الثاني الذي قسم فيه الشارع بين مؤيد لإكمال مدته وبين معارض. وكنت انا على ضفة المعارضين التي بدت صباح الثاني من فبراير تقترب من الاستسلام لولا هذا الزخم الذي جاءنا به الحمير والجمال الي ميدان التحرير. كان الاعلام المصري العام مع مبارك وناكرا للثورة، وكان الاعلام الخاص مرتبكا ولم تكن تستطيع ان تقول فيه كلمة حق ولم يظهر لنجوم الاعلام الخاص صوتا ثوريا الا بعد الثامن او التاسع من فبراير وكانوا قلة، ومن يقل لك ان الاعلامي المصري الفلاني كان مع الثورة منذ ايامها الاولى فهو غير صادق، فقد ظهرت مع الكثيرين منهم ولم يكن بينهم واحد أو واحدة يملك صوته أو قراره. كانت الأماكن التي يمكن ان تقول فيها صوتك ثلاثة: قناة العربية التي كانت معتدلة وتقسم الوقت بين الثورة ومبارك، والجزيرة التي لم تكن مع الثورة بمعني الحرية بل كانت منبر من لا منبر له أي للاخوان فقط، حيث لم يكن للاخوان منبر وربما هذا هو المعني الحقيقي لشعار المحطة ، وتلك قصة طويلة تروى، اما الثالثة فكانت قناة بي بي سي العربية، وكانت اقرب الي الثورة من منظور مهني وتغطية الاحداث. وبالطبع القنوات الناطقة بالانجليزية حيث كان الحديث اكثر جدية وصرامة. كنت ومنذ الثامن والعشرين من يناير معلقا ملتزما بعقد للبي بي سي الانجليزية مع شرط ان يكون ربع وقتي لبي بي سي العربية، وكنت بين ميدان التحرير ومكتب بي بي سي في العجوزة، وفي وقت الفراغ كانت تستضيفني بعض القنوات المصرية في مدينة الانتاج الاعلامي . وكانت كل المؤشرات حتى ما عرف بموقعةة الجمل تقول بامكانية فشل الثورة. واصبحت بمثابة نكته مضحكة بيني وبين مراسلة  البي بي سي الشهيرة( ليس دووست ) عندما كنت اقول لها في كل تغطية مسائية تستضيفني فيها من على سطح عمارة في العجوزة تكشف منها الكاميرات الميدان ، كنت اقول لها وهي تضحك بعيدا عن الكاميرا غير مصدقة "الليلة هي اليلة سيغادر مبارك الحكم وستشرق شمسا جديدة على سماء القاهرة" . وكانت كلما راتني في بداية ليلة عمل جديدة تقول " tonight is the night" وصوتها كله سخرية.

********كان ميدان التحرير مليئا بالبشر خصوصا ممن شاركوا في الايام الاولي وكانوا من الشباب العادي جدا المحجبة والحاسرة الراس ، الكبار والصغار ولم تظهر اللحى في الميدان الا بعد التاسع والعشرين من يناير واتخذوا مكانا قصيا في الركن الشمالي الشرقي من الميدان بين الميدان وشارع التحرير ونصبوا منصة واتخذوا من مكتب واحدة من شركات السياحة هناك مقرا. وكان في هذا المكتب معظم قيادات الاخوان من صفوت حجازي والبلتاجي ومحمود مكي الذي اصبح نائب الرئيس ولم اكن اعرف هؤلاء ودخلت المكتب من باب ح الاستطلاع ومن باب حاجتي ال استخدام الحمام كما ذكرت ف مقال سابق، وهناك قابلت المستشار محمود الخضيري واخرين، ولكن لفت نظري ان من كان يدير المكان شابا مصريا كان ومازال يعمل في السفارة الامريكية بالقاهرة، شابا طويل القامة يتحدث الانجليزية بطلاقة طبعا، اعرفه واعرف اسمه ولكنني افضل ان ارمز ال حروف اسمه ( ألف نون)  ، كان مشرفا على ما يسمي بسجن النفق، حيث كان الاخوان يدخلون في نفق المترو من يظنون انه رهينة من امن الدولة ويشبعوه ضربا كما ظهر في الفيديوهات المعروفة. وكان الف نون مشرفا ايضا على التنسيق بين الاعلام الغربي والجماعة. وكان يتردد على هذا المكتب قيادات من الجيش ومن المخابرات الحربية خصوصا، ويوم ان قيل ان اول رئيس وزراء جاء من الميدان ورفع على الاكتاف هناك واقسم في الميدان ، كان من رفعه لمن لم يرى المشهد على حقيقته هم رجال المخابرات الحربية لا رجال الاخوان. كان هذا الركن للمخابرات الحربية ( ركن طلعت حرب ، شارع التحرير والميدان) . ركزت كثيرا على هذا الركن كثيرا هنا لكي ابين للجميع ان الثورة قد سرقت من خلال تحالف الاخوان والمخابرات لان هذا الركن لم يكن يمثل سوى 5% خمية في المئة فقط من تلك الامواج البشرية الممتدة من كوبري قصر النيل غربا الي مسجد عم مكرم في الجنوب الغربي  الي الشارع العام الماط بالفنادق الكبرى مثل سميراميس والهيلتون والانتركوننتنتال. عشرات الالف من البشر كانو يملاوون الميدان ولكن جماعة الجيش قرروا التفاوض مع مكتب السياحة الذي يحتله الاخوان وربما فضلوا المكان مثلي لانه كان بالمكان حمام نظيف. لكن الثورة كانت اكبر مت هذا الركن والمدان ايضا كان اوسع وارحب. كان ميدانا للحرية في كل اركانه ما عدا تلك البقعة التي كان يحتلها الاخوان والتي كانت بقعة تغلب عليها الصبغة الدينية. وكان هو المكان الذي تتجنبه السيدات من شاب الثورة. كان مكانا للرجال فقط. ومن هنا أدركت من يومها لو تحالف العسكر في انقلابهم على مبارك مع هذا الركن من الميدان ستكون رؤيتهم للثورة مشوهة. وان تكون الحرية هي نتيجة الثورة بل خليط من الاستبداد الديني والعسكري.*****كان هذا الركن الصغير الذي يحتله الاخوان هو الأغنى في الميدان فلم يكن نظام مبارك يكذب في بعض ادعاءاته فقد أرسلت واحدة من الدول الصغيرة يوم 28 يناير مبلغ 70 مليون دولار الي الاخوان عن طريق ممثل فضائياتهم في القاهرة وظهرت ملامح هذه النعمة على الركن الاخواني من الميدان. وأغدق الاخوان على كل من كان يتعامل معهم بما في ذلك من كانت لديهم الرغبة في الانشقاق عن نظام مبارك. كشفت لي تلك التجربة من الاحتكاك ببعض الاخوان وبعض الرسميين من لابسي الزي المميز من النظام بأننا أمام نظام تافه بمجملة حكما ومعارضة. ***سألتني المذيعة البريطانية بعدما اقتربت الساعة وخرجت الجماهير بالملايين الي الميادين عندما اعلن مبارك التخلي عن السلطة وعندما قال عمر سليمان عبارته الشهيرة " الله الموفق بفتح الفاء كما نطقها" ، هل ستكون هناك ديموقراطية في مصر، وكانت إجابتي هي ان للديموقراطية مقياس واحد في المجتمع النهري مثل مصر والذي كان يحكم من المركز على مر العصور، الديموقراطية تحدث عندما ينتخب المصريون المحافظ وليس عندما ينتخبوا الرئيس. انتخاب الرئيس أولا تعني الاستمرار في نفس النموذج للحكم المركزي الدكتاتوري اما انتخاب المحافظ أولا فيعني ان المجتمعات الأصغر في مصر قد تحررت من قبضة القاهرة وأننا على الطريق الي الحرية الأشمل . وجاءت انتخابات الرئاسة واستفتاءات الدستور ولم تفك القاهرة قبضتها عن الأقاليم وأدركته يومها ان ل مستقبل للحرية أو الديموقراطية في مصر، وان الثورة التي تردنا كثيرا في تسميتها كذلك جاءت على " فشوش". ****لست نادما على قضاء شهر كامل من عمري في القاهرة وفي الميادين ولكنني كنت أتمنى ان الثورة تغير المحافظ الذي كنا نعيش في ظل حكمة أيام مبارك. وعدت الي أهلي في الصعيد ووجدت نفس المحافظ الذي زور انتخابات البرلمان الذي قامت ضده الثورة والذي اشرف على تزوير انتخابات الرئاسة من قبل عام 2005 لصالح مبارك. وجدت المحافظ هو ذات المحافظ. الثورة لم تحدث في الصعيد ولا في الاقاليم.****الثورة لم يقم بها الاخوان أو غيرهم . الثورة هي انهيار للبيت القديم المعروف بنظام يوليو الذي بدا عام1952 ، بيت قديم بدأ في التصدع وهرع المصريون الي الميادين حتى لا يسقط المبني على رؤوسهم. هربوا الي الميادين الواسعة التي بناها الخديوي إسماعيل فلم يكن ميدان التحرير سوى ميدان الإسماعيلية من قبل على اسم الخديوي. العسكر الذين حكموا بعد الخديوي لم يخططوا ميادين لمليون يأت مثل ميدان الإسماعيلية أو التحرير فيما بعد أو ميدان القائد ابراهيم في الإسكندرية الذي بناه تخليدا لاسم جده. العسكر بنوا الشوارع الضيقة التي لا تتسع المائة فرد. من مكن المصريين من الثورة على مبارك كان الخديوي وميادينية ولم يكن الاخوان أو العسكر.*****شيئ من أمل  وكثير من ندم
 

التعليقات