مصر الكبرى

11:08 صباحًا EET

العريفي والجحش

عندنا مثل في الصعيد يقول " سل العازب  واركب جحشه" والمعنى هو انه إذا رأيت رجلا عازبا يركب حمارا فحدثه حديثاً يدغدغ مشاعره البدائية تجده فورا نزل من فوق الحمار ومشى إلى جوارك وجعلك انت راكبا. والعازب هنا مسكين لديه نقطة ضعف تجاه النساء ومتى ما سردت له قصصا تؤكد له ذاته وتنشله من حالة الهزيمة النفسية التي هو فيها ، ترك للك الجحش كي تركبه وربما ترك لك الجمل بما حمل إذا كان عنده جملا. وهذا حالنا كمصريين مع الداعية  أو المدعي السعودي العريفي الذي أفاض في مديح مصر فأسر قلوب العذارى . هناك شيء ما يحتاج إلى تحليل نفسي عميق. وقد أدركت المطربات والفنانات بذكائهن الفطري ذلك المرض العضال عند المصريين فما ان تطأ قدم إحداهن مطار القاهرة حتى تلقي تصريحا فخما في حب مصر تتبعه بعبارة " من لم يصل للشهرة في مصر لن يكون له نصيب في عالم الطرب او الفنون. " وبعدها تصرخ الصحف المصرية في خب الفنانة الجديدة وتجد صورتها في الصفحات الأولى للصحف.  وأي فنان ينتقد مصر، أي شئ في مصر، شارعا وسخا مثلا فلن يكون له قبول. ظن الناقد والشاعر السوري أدونيس ذات مرة أننا شعب يتقبل النقد، فقال ما معناه ان الشعر في مصر ينقصه الكثير. والشعر في كل مكان بالطبع ينقصه الكثير، وهاجت الدنيا وماجت، واصبح أدونيس شخصية ثقافية غير مرغوب فيها. أكلت ناسي عجرم، كما نقول، بعقل المصريين حلاوة، وكذلك هيفاء وهبي، وفشل أدونيس وغيره من رواد الفكر العربي لأنهم انتقدوا مصر ولو من باب الحرص والمحبة. 

العريفي عرف أننا مجموعة  "عزاب" أو مراهقين لدينا عقدة نقص تجاه المديح فكال لنا المديح. منح الرجل المرضى من المصريين المخدر الذي يريدونه لتسكين آلام عقدة النقص، فنزلنا جميعا من الجحش وركب العريفي ومشينا خلفه في موكب يشبه أيام المماليك. وياليته ركب الجحش فقط٫ فالجحوش كثر.
 
لو قيل لي ان هذا الاحتفال بالعريفي حدث في كات مان دو، أو في بلاد للتو دخلها الإسلام، لقبلت ولكن ان يحدث هذا في بلد جاء إليها صاحب المقدمة الشهيرة عبدالرحمن بن خلدون في القرن الرابع عشر لينهل من علم أهلها، فهذا أمر غير مقبول البته. 
إلى متى ستستمر معنا عقدة النقص تجاه الإطراء والمديح وكأننا مراهقون . كيف لدولة عمرها سبعة آلاف عام أن تظل مراهقة ليفتنها رجل لم ينل من العلم الا لماما . فتنها العريفي كما فتن النبي يوسف امرأة العزيز ؟ أهكذا سنتحدث عن مصر؟
رغم كل ما حدث من ثورة، يبدو ان كثيرين منا يعانون من نقطة الضعف تجاه المديح لذا من يسلينا لن نمنحه الجحش فقط ، على ما يبدو أننا سنمنحه أشياء أخرى لان  مرضنا مزمن وعضال.

التعليقات