كتاب 11
النصب والإحتيال .. واللعب بأحلام البشر
تعتبر جرائم وأفعال النصب والإحتيال واحدة من الجرائم الشائعة في المجتمع والتي اخذت تتصاعد بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة.. كما بدأت تتطور من حيث اساليبها واشكالها.. وأصبحنا نُبتلى بشكل شبه يومى بجريمة نصب جديدة ومحتال جديد ,ولذلك فهى تعتبر من الجرائم التى يهتم بها الرأى العام كما غالبا ماتحظى تلك الجرائم باهتماما بالغا من وسائل الاعلام والمختصين من القانونيين والنفسيين ,ورغم تكرار حوادث النصب والاحتيال نجد أن الناس لاتتعلم ودائما مايقعون فرائس تحت أنياب المحتالين وذلك ربما لأن النصّابين يجددون في وسائلهم المبتكرة , أو لأن الناس لديهم قدر من الدوافع والإحتياجات والاطماع تجعلهم لا يرون الواقع كما هو بل يرون احتياجاتهم ورغباتهم فيندفعون بلا منطق نحو المصير المحتوم.
إذن فما هو الغش أو النصب أوالإحتيال ؟؟؟ وماهى صفات النصاب او المحتال التى يتميز بها ويستطيع من خلالها السيطرة على فريسته ؟؟ وماهو تأثير تكرار تلك الجرائم على المجتمع ؟؟؟ .
بداية النصب أو الاحتيال يعنى .. أن يقوم أحد الاشخاص (المحتال) بخداع أشخاص آخرين ليحصل منهم على حق أو منفعة او اموال عن عمد برضاهم بطرق واساليب احتيالية كالخداع والتزييف واختلاق الاكاذيب والمعاذير وتبديل الواقع والمبالغة فى التهويل بجاذبية مصطنعة تشد انظار واسماع الآخرين بما يضمن استثارة دوافعهم وانفعالاتهم وعواطفهم .
وللمحتال صفات يتمتع بها عن غيره حيث الذكاء الفطرى الشديد والمكر والنرجسية والطموح المفرط والقدرة على الكذب و المراوغة وقلب الحقائق لصالحه بالاضافة الى قدرته الفائقة على التمثيل والتلون حسب المواقف والاحداث الجارية وبما يتفق مع مصالحه كذلك يهتم المحتال بمظهره وهندامه وشكله ومكانته داخل مجتمعه غير انه يتسم ايضا بعدم الاستقرار النفسى والخوف والرهبه من اى شخص يطيل النظر اليه او يوجه اليه بعض الاسئلة فتجده دائم الهروب من المواقف التى تجبره على ان يكون فى موقف الاعتراف .
وتكرار افعال النصب تجعل من النصاب انسانا مختلا عقليا مهووسا بالبحث عن احدث طرق واساليب الخداع حتى لاينكشف امره امام الناس فيتقمص شخصيات عديدة ويتظاهر بالجد والمعقولية واليد العليا وصاحب الكلمة المسموعة والمؤثرة .
ويعتبر دافع التملك من أقوى الدوافع النفسية لدى الإنسان , وقد لا يحتاج منا إلى إقامة دليل حيث يبدو وكأنه بديهية من بديهيات الحياة وقد عرف إبليس قوة دافع التملك وما يتصل به من رغبة عارمة في البقاء والخلود , ولذلك حين أراد أن يغوي سيدنا آدم عليه السلام للأكل من الشجرة المحرمة كان هذا مدخله , وهذا يجعلنا ننظر لإبليس على أنه عالم بخبايا النفس ومواطن ضعفها قبل علماء النفس بكثير كما سنرى في الآيات التالية :”فأزلهما الشيطان عنها , فاخرجهما مما كانا فيه “ولهذا فالمحتال بذكاءه الفطرى يستطيع استخدام آمال وأحلام وطموحات الناس كوسيلة لتحقيق أهدافه .
وللاحتيال صور لاحصر لها تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر وعلى كل المستويات الثقافية وفي كل الطبقات من الباعة الجائلين للحكام والأقتصاديين والسياسيين ورجال المال الاعمال والطلبة .. الخ ويعتبر التغاضي عن جريمة الاحتيال أكبر خديعة ترتكب في حق المجتمع ومصدر من مصادر الظلم الاجتماعى وضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ذلك لان الغشاش يزيح من هو أكفأ منه وأكثر منه كفاءة واستعدادا، ليحل محله دون وجه حق.
وهكذا ينزل المستقيم والفاضل والأمين إلى الحضيض كلما طفا على السطح من كان مستعدا للغش والفساد، فينتشر الظلم في المجتمع، وتفقد الثقة بين الأفراد والجماعات، ويهيمن النزاع والشقاق على جميع المعاملات، وتنمو ظاهرة العنف والنهب والسرقة والسطو على ممتلكات الآخرين، فتتدهور العلاقات الاجتماعية وتقف حواجز متعددة أمام التنمية البشرية والرقي والتقدم الاجتماعي.