مصر الكبرى
ولنا في تونس اسوة “غير حسنة”!!
فى السابع عشر من ديسمبر 2010 قام شاب تونسى يُدعى "محمد بوعزيزى" من ولاية سيدى بوزيد بإحراق نفسه احتجاجا على قيام السلطات المحلية بمصادرة عربة لبيع الخضار والفاكهة كانت تمثل مصدر رزقه الوحيد ، وفى الرابع من يناير 2011 توفى بوعزيزى لتكون الحادثة الشرارة الأولى التى اندلعت بمقتضاها مظاهرات عارمة شملت مدن بوزيد وتالة والقصرين وسليانة والرقاب ومعظم المدن الكبرى والعاصمة تونس احتجاجا على تردى الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة بين فئات عريضة من الشباب، وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى ثورة عارمة انضمت اليها مختلف طوائف الشعب لتفاقم الفساد وغياب العدالة الأجتماعية وزيادة حجم البطالة واهدار حقوق الأنسان..مما اجبر رئيس البلاد زين العابدين بن علي وقتها علي مغادرة البلاد في 14 يناير 2011.
حدث بعد قيام الثورة تأثير شعبي وجماهيري لصالح "حزب النهضة الإسلامى" الذى تأسس فى عام 1981، ويعد الحزب ممثلا للرؤى المعتدلة من فكر جماعة الأخوان المسلمين، فقد نال برنامجه الانتخابى استحسان العديد من فئات المجتمع بالرغم من تخوف النخبة المثقفة من تباين خطابه السياسى بين المنابر السياسية والمنابر الدينية حيث يتسم بالاعتدال والمرونة فى الأولى والتشدد فى الثانية، إلا أن هذه الإزدواجية غابت عند طرح الحزب برنامجه الانتخابى الذى اتسم بقدر عال من الاعتدال خاصة فى النقاط التى غالبا ما أثارت توجس العديد من فئات المجتمع والقوى السياسية ذات الطابع العلمانى، حيث لم يشر البرنامج المكون من 365 بندا كاملا إلى تطبيق الشريعة مثلا، أو اتخاذ سياسيات تمييزية ضد المرأة.
واليوم تعانى تونس بعد الثورة من حالة صراع سياسى بين ما يمكن تسميته بالنخب القديمة والنخب الجديدة خلال المرحلة الأولى من مسار التحول الديمقراطى الذى شهدته الدولة بإجراء انتخابات المجلس التأسيسى واختيار الرئيس الذى يقود ذلك المسار فى مرحلته الانتقالية وما يرتبط بها من تأسيس وتكوين مؤسسات وهيئات انتقالية تتم عبرها عملية التحول تلك، ولأنها مرحلة انتقالية سمتها الأساسية عدم الاستقرار وصولا لتشكيل مؤسسات مستقرة فمن الطبيعى أن تشهد حالة من الصراع
بين القوى السياسية المحسوبة على نظام بن على وبين القوى الجديدة التى أفرزتها الثورة سواء تلك القوى الثورية التى تتخذ من الشارع وسيلة الضغط
الأساسية تحقيقا لأهداف الثورة أو تلك التى عادت إلى واجهة العمل السياسى بعد سنوات من الحرمان على اعتبارها كيانات وحركات حزبية محظورة أو تلك
القوى التى تمرست فى العمل السياسى من اليساريين والليبراليين والعلمانيين… هذا الإطار اعتبر الاستقطاب الإيديولوجى أيضا رافدا مهما من روافد الصراع
وحتي ايام قليلة مضت..لا يزال الشارع التونسي يتفاعل مع الضجة التي أثارها تقديم شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي لرئيس حركة "النهضة الإسلامية" في البلاد راشد الغنوشي مضيفاً "رضي الله عنه"، لتزداد هذه الضجة التي خلفت جدلاً بين أغلبية معارضة وأقلية متفهمة للشيخ العبيدي. وكان الشيخ قد قدم الغنوشي أثناء الاحتفال بافتتاحية التدريس في جامعة الزيتونة قائلاً "أُحيل الكلمة إلى ابن تونس البار الذي كافح وعانى في السجون والذي شرفنا بحضوره .. الشيخ راشد الغنوشي رضي الله تعالى عنه"، وهو ما تم تسجيله صوتياً ونشره على موقع الـ "يوتيوب" الشهير وأورده موقع "ميدل إيست أونلاين". اعتبر بعض الحاضرين وبينهم أئمة مساجد وشخصيات شهيرة في المجال الإسلامي بالإضافة الى بعض المصلين ان تقديم الغنوشي بهذه الصيغة أمر استفزازي، فغادروا المسجد تعبيراً عن احتجاجهم.
واليوم وجدت حركة النهضة الإسلامية في تونس نفسها في موقع المدافع عن منطلقاتها الفكرية وتوجهاتها الدينية والسياسية في مسعى منها لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي ببعدها عن التيار السلفي. وترى مختلف مكونات الطبقة السياسية التونسية وخاصة العلمانية منها وتلك المنادية بالديمقراطية والحريات الفردية والعامة في الأفكار السلفية تهديدا لاستقرار البلاد بسبب التجاوزات التي يمارسها أنصار هذا التيار.
وفي مسعى للتصدي لهذه الظاهرة واتساع دائرة الناشطين فيها تحركت شرائح واسعة داخل المجتمع التونسي بقوة هذه الأيام وألقت بكل ثقلها على حركة النهضة التي تقود الحكومة الحالية لإرغامها على توضيح موقفها من التيار السلفي والسلفيين وطالبوها بالقيام بخطوات جريئة من اجل حماية الأفراد والمرافق والمؤسسات العمومية والخاصة والدفاع عن الحقوق الأساسية الفردية منها والجماعية وحرية الرأي والتعبير والمعتقد. وهو ما جعل الحكومة المؤقتة بقيادة حمادي الجبالي العضو القيادي في حركة النهضة تتعرض لهذه الضغوط وأكدت عن رفضها التام لظاهرة التطرف والتعصب والغلو والمغالاة التي تعرفها البلاد منذ نجاح ثورة الياسمين.
وكانت وزارة الشؤون الدينية التونسية أكدت في تقرير لها سيطرة منتسبي هذا التيار على أكثر من 400 مسجد في عدة مناطق مما دفع بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الإعلان عن استئناف إلقائه للدروس داخل المساجد من أجل ‘وضع حد للتجاوزات’ التي تمارسها الجماعات السلفية. غير أن العديد من الملاحظين يرون ان الغاية من مواقف الحكومة المنددة بالظاهرة السلفية وعودة زعيم حركة النهضة الإسلامية إلى التدريس بالمساجد تعبير عن ‘الإدراك بالخطر’ الذي باتت تشكله الجماعات السلفية على حزب النهضة نفسه. وبحسب هؤلاء فانه من البديهي إقناع الرأي العام بـ’انعدام أي توافق أو تواطؤ’ بين الحزب الحاكم والجماعات السلفية. ولكن مهمة حركة النهضة لا تنحصر فقط في إقناع الرأي العام الداخلي فهي أيضا مطالبة بإقناع الرأي العام الغربي وخاصة الأوروبي منه بموقفها المعتدل وهي التي التزمت باحترام القيم والآليات الديمقراطية، وتوضيح علاقاتها بسلوكات الجماعات السلفية من أجل عودة الاستثمارات الخارجية في ظل مناخ اجتماعي مستقر وخلق دينامكية اقتصادية جديدة في تونس التي تعاني من تفاقم في الأوضاع الاقتصادية.
وبالتالي فأن هناك ‘تصادما صامتا’ بين حركة النهضة والتيار السلفي وأن هذا التصادم ‘مرشح’ للتصعيد وأن الظاهرة السلفية ‘مفتوحة’ على كل الاحتمالات بما فيها العنف والإرهاب. فحركة النهضة الإسلامية تسعى إلى ‘إبراز التمايز الفكري والسياسي الذي يفصلها عن التيار السلفي الذي يكفر الديمقراطيين والعملية الانتخابية والذي يعتدي على حريات الفكر والمعتقد’. كما ان السلفيين باتوا يشكلون’عبئا ‘على حركة النهضة الحاكمة في البلاد التي ‘وجدت’ نفسها في ‘موقف حرج’ بين تيار سلفي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية واعتبارها مصدرا وحيدا وأساسيا من مصادر التشريع وبين تيار علماني يدعو إلى احترام مبادئ الديمقراطية .
والسؤال ……..اتريدون لمصر نفس المصير ؟؟؟؟؟؟؟؟.
rania_hefny@hotmail.com