تحقيقات
ولاية «طاقة العمانية» ذات الصلة القديمة بالفراعنة.. تاريخ يعبق بالتراث
* فى سلطنه عمان تعد ولاية طاقة من ولايات محافظة ظفار الهامة وهي من المدن التاريخية حيث تتخذ موقعا متوسطا بين ولايتي صلالة ومرباط ، وهي تطل ـ جنوباً ـ على بحر العرب.
ويقع ميناء طاقة ضمن الموانئ المشهورة في شبه الجزيرة وما حولها ، حيث كان لها دوراً كبيراً وبارزاً في التبادل التجاري بين مناطق العالم القديم.
ومن الآثار المعروفة في ولاية طاقة مدينة سمهرم بمينائها الشهير، والتي تعد من أقدم المدن الأثرية حيث يعود تاريخها للألف الثالث قبل الميلاد، حتى أن النقوش الحميرية لا تزال واضحة على جدران القلعة وأعمدتها الموجودة هناك .ويعد ميناؤها من أقدم الموانئ في جنوب شبه الجزيرة العربية، وكان يجري استخدامه في تصدير المنتجات والسلع المحلية إلى بلدان العالم، وفي مقدمتها اللبان، والذي وصلت تجارته إلى مصر في عصر الملكة حتشبسوت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وهو يؤكده العثور على رسم لسفينة فرعونية كانت ترسو في ميناء سمهرم، وهو الرسم الموجود حالياً في أحد المعابد بوادي الملوك في مدينة الأقصر الأثرية المصرية .
يعتبر (ميناء سمهرم) الذي يقع شرق ولاية طاقة بمحافظة ظفار من الموانئ المشهورة لتصدير البخور والتجارة الأخرى إلى العالم القديم والوسيط منذ الألف الخامس قبل الميلاد كما تقول بعض المصادر التاريخية، ولاقت تجارة الكندر “اللبان“ رواجاً كبيراً من الحضارات القديمة لأسباب دينية“.
كانت الرفاهية التي تحفل بها سمهرم مرجعها إلى موقع وطبيعة الميناء، حيث يقع الميناء تقريباً في منتصف المسافة بين كل النقط البعيدة مثل هؤلاء اللاتي في الخليج العربي، وفي البحر الأحمر، والنقط التي توجد في الهند (تقريباً على خط مستقيم غـرب بومباي) والنقط التي توجد في أفريقيا بالإضافة إلى النقاط التي على طول الساحل الجنوبي للجزيرة العربية نفسها، وعند الوصول لهذه المنطقة ، كان المسافرون يصطفون على طول الساحل قدر ما يمكنهم مرحبين وسعيدين بالميناء الخالي من العواصف.
والميناء أشبه بمصب نهر هو مدخل وادي دربات وبالتقدير التقريبي فإن المسافة بين الصخرتين الواسعتين عند مدخل الميناء (الانقطاعتين ) تقريباً حوالي 300 متر وعرض الميناء المواجه لمدينة سمهرم هو 200 متر، والمدينة تبعد حوالي 800 متر من الصخور وربما كان عرض الميناء القديم عند المصب مساوياً للمسافة بين الصخرتين وكان طوله يمتد إلى ما وراء المدينة ويضيق بصورة ملحوظة عند هذه النقطة، لقد كان حجم الميناء مناسباً لسفن القرن الأول الميلادي.
وكانت ظفار في ذلك العصر تسمى بأسماء مختلفة مثل “بلاد بونت” عند الفراعنة و”أوفير” عند الرومان و”أوبار” عند بعض المؤرخين الأجانب والمسلمين “ فقد دلت الاكتشافات الأثرية التي أجرتها البعثة الأمريكية في حصن سمهرم [خور روري] الميناء الشهير لتصدير اللبان أن ظفار كان يطلق عليها في الزمن القديم (أوفير)، كما عثر على نقش بالخط المسند يبين أهمية منطقة “سمهرم” والتي يقول العالم الأثري وندل فيلبس أنها تزامنت مع مملكة حمير في القرن الأول الميلادي إلا أن بعض المؤرخين يؤكد أنها سبقت هذا التاريخ بعشرات القرون وربما يزي.كانت ظفار مسرحاً لتجارة مزدهرة ورائجة في العصور الغابرة وذكرت بعض المصادر أن النبي سليمان عليه السلام كان يرسل أسطوله في البحر الأحمر إلى “أوفير” لجلب البخور واللبان والفضة والذهب وإن العلاقة بين مملكة سليمان و”أوفير” كانت علاقة صداقة .ويروي بعض المستشرقين المهتمين بالتاريخ القديم أن سفينة النبي سليمان عليه السلام رست في بحيرة [سمهرم] وأخذت الجرار المملوءة باللبان تتدحرج من أعلى الجبل فتستقر في السفينة التي أبحرت باللبان من ل[أوفير]، ويتحدث “بيرين” وكذلك “بيستون” أن هذه المنطقة المنتجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة هامة بل أنها كانت جزءا من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء “.
وكانت الأهمية التجارية لهذا الميناء مجال تنافس وصراع بين الحضارات القديمة في فترات مختلفة وتذكر بعض المصادر أن الإغريق والرومان قاموا بعدة حملات للسيطرة على هذا الميناء “ وقام الإسكندر الأكبر بإرسال ثلاث حملات لاكتشاف الشواطئ العربية عام 324 قبل الميلاد، وكان يقود إحداها الجنرال أندروستين، ولكن يبدو أن الفراعنة كانت لهم صلات تجارية أنشط مع المنطقة نظراً لحاجتهم الماسة للمر، واللبان، والذهب، والأشجار النادرة، التي كانت منطقة ظفار مصدرها الأهم إن لم تكن الأوحد.
فقد فكر قدماء المصريين بوسيلة أخرى كان من ثمارها شق قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، ومن هذه القناة تنتقل السفن إلى جنوب الجزيرة العربية للحصول على البضائع المختلفة. ويقال أن اللبان الصافي لا تنبت أشجاره إلا في ظفار منذ آلاف السنين، ونتيجة لهذه الشهرة كان الإغريق يطلقون عليها البلاد السعيدة (أربيا فيلكيس) أما الرومان فيطلقون عليها بلاد البخور والعطور والقصور“.
وقد توجهت عدة بعثات أثرية لاكتشاف مدينة طاقة وتوابعها، حيث تم العثور ـ في عام 1952 ـ على بقايا من المنحوتات الحجرية وبعض التماثيل ، كما اعتبرت بئر القلعة الموجودة هناك بهندستها الرائعة وأحواضها الحجرية من المعالم الأثرية الدالة على الفن المعماري المتميز قديماً. كما يوجد على القمتين الواقعتين على مدخل الميناء بقايا أسوار وجدران محصنة، ويعتبر حصن طاقة وآثار قلعة (غصبار) التابعة لمدينة الحق من المعالم الأثرية هناك.
وإذا كانت الآثار الضاربة في القدم لمدينة طاقة ومينائها ـ سمهرم ـ تعتبر من المعالم المهمة التي تستحق وضعها في عداد موقع متميز على الخارطة السياحية للسلطنة، فإن الشواطئ الفضية لمدينة طاقة وعيونها المائية الثلاث في (دربات وطبرق وأثوم) وكهوفها ومغاراتها وخيرانها تتكامل جميعها لتضعها في مركز الصدارة السياحية مع غيرها في المواقع الهامة في محافظة ظفار.
وتنتشر في ولاية طاقة عدد من الحرف والصناعات والفنون التقليدية، ومن أهم الحرف الصيد ورعي وتربية الماشية واستخراج العسل ومشتقات الألبان، والنجارة. ومن الفنون (الهبوت) والدان دون، والرعبوت، والمدار، والربوبة، وطبل النساء والشرح.