مصر الكبرى
شفيق وشبح مبارك!
 لماذا الناس، أو بعضها، في مصر مصدومة بسبب نجاح الفريق شفيق في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، وربما يختاره الشعب رئيسا لمصر بعد أسبوعين؟
مصدومون لأنها مثل أن يعود حسني مبارك للرئاسة، أو يتسلم أحد أبناء القذافي حكم ليبيا، أو يقبل ثوار سوريا تكليف ماهر الأسد، شقيق الرئيس الحالي، بالرئاسة. فوز شفيق في الجولة الأولى من الانتخابات عمليا هزيمة موجعة للثوار لكنها ليست بالضرورة هزيمة للثورة. هل فوزه رسالة صريحة من قطاع كبير من الشعب المصري أنه يرفض الوجوه الجديدة أم أن القوى القديمة شدت من عزيمتها وجمعت فلولها وكسبت المعركة؟ في أوروبا الشرقية، وحتى في روسيا، بعد الثورات التصحيحية حدث أن عادت القوى القديمة. سقطت الشيوعية ونجا بعض الشيوعيين، وما بوتين إلا من أبناء الجيل الجديد من النظام السوفياتي القديم، خرج من جهاز الكي جي بي. وسبقه يلتسين الذي ترأس أول حكومة روسية عضوا في الحزب الشيوعي لثلاثين عاما.
فوز شفيق قطعا لن يعيد إنتاج نظام مبارك، بل سيكون شفيق رئيسا ضعيفا أمام الشباب يخشى من احتجاجاتهم. أما إن فاز الإخوان فإنهم سيحكمون مصر بشكل كامل، رئاسة وحكومة ومجلسين برلمانيين.
وأخطر ما يواجه شباب الثورة ليس تآمر النظام القديم عليهم، ولا هيمنة الإخوان، بل عدو الشباب هو جهلهم بألف باء العمل السياسي، ولهذا السبب وحده خسروا معظم رصيدهم الشعبي الضخم الذي جمعوه بعد إسقاطهم السريع والمذهل لحكم الرئيس مبارك.
فعليا، لا مفاجأة في كل ما نراه اليوم، فمرشحو الوزن الثقيل خمسة فاز منهم اثنان، ورغم التجييش الإعلامي لم يصوت نصف المؤهلين من الشعب المصري، كما حدث في انتخابات مجلس الشعب.
لو أن الانتخابات تمت سريعا بعد الثورة ربما جاءت النتائج لصالح الشباب، على أقصى تقدير سبتمبر (أيلول) الماضي. والمفارقة أن هذا ما كان يقترحه مبارك كترتيبات لتخليه عن الرئاسة وإجراء انتخابات في ذلك الشهر. فكرة التبكير بالانتخابات كانت طرحا معقولا لمن يفهم آلية العمل السياسي في دولة كبيرة مثل مصر. الشباب أصروا على جملة مطالب لكن الانتخابات والرئاسة لم تكن بينها، في حين أن المنصب الرئاسي هو الأهم، وتركه شاغرا كان وراء النزاعات التي عرفتها الساحة منذ الثورة. الفراغ الرئاسي برر للعسكر إدارة البلاد. الفراغ الرئاسي برر لحكومة الجنزوري كحكومة تصريف أعمال. الفراغ الرئاسي جلب المصادمات التي كانت في معظمها خلافات على إدارة أزمات من السفارة الإسرائيلية إلى كارثة بور سعيد إلى العباسية. والأسوأ بالنسبة للذين خاطروا بحياتهم لتحقيق الثورة أن وقت الانتظار الطويل قتل حماس عامة المصريين للثورة والثوار، فصوتت الأغلبية لغيرهم.
الدكتور محمد البرادعي، الذي حظي بثقة الشباب لفترة من الزمن، كان يوجه المعركة السياسية منذ البداية باتجاه حسم الرئاسة، وفشل لأن أحدا لم يستوعب المنطق الذي تحدث به. لم يطرح انتخابات رئاسية فورية بل اقترح تشكيل مجلس رئاسي لحكم البلاد لعامين تشارك فيه القوى الرئيسية بما فيها الشبابية. الإخوان أصروا على انتخابات برلمانية مبكرة لأنهم بخبرتهم يعلمون أنهم أصحاب الحظ الأوفر فيها. يملكون عشرات الآلاف من المكاتب والممثليات الحزبية في أنحاء الجمهورية، أما الشباب فيملكون شعبية عارمة لكن بلا مقار أو فروع أو أموال أو نجوم سياسيين. أيضا، الدستور، الذي يفترض أن يكتب أولا، لأنه الأساس الذي تقوم عليه العملية السياسية، أجل وهذا كان في صالح الإخوان حتى الفوز بالانتخابات التشريعية والبرلمانية، في حين أن الدستور يفترض أن يكتبه الجميع وللجميع، وليس للمنتصرين في الانتخابات.
وهذا ما قاله الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي، الذي هز رأسه وهو يسمع احتجاج وتهديد أحد الشباب في نقاش سياسي، قال: «هم مش قادرين على التعلم من أخطائهم». هم غاضبون بعد الانتخابات الرئاسية لأن خصومهم فازوا فيها وصاروا يهددون بفرض حالة عدم الاستقرار. أولا، رفض النتائج الانتخابية مخالف للمفهوم الديمقراطي الذي ثار الشباب من أجله وضد نظام مبارك. وثانيا، ثبت بعد أشهر الفوضى وعدم الاستقرار أن عامة الناس ضجرت، والأرجح أن هناك من صوت لشفيق في انتخابات الرئاسة لهذا السبب، بحثا عن الأمن والاستقرار. الأكيد أن غالبية المصريين كانوا فعلا سعداء بالثورة وما حملت لهم من وعود بتصحيح المسار السياسي واقتلاع المؤسسات والأفراد الفاسدين وتحسين أحوالهم المعيشية، لكنهم بعد خمسة عشر شهرا ساءت أحوالهم، وراعتهم الصراعات بين القوى السياسية الوريثة، وروعهم تحول شوارع عاصمتهم إلى ساحة مواجهات بعضها كان داميا.