مصر الكبرى
وماذا عن الدستور يا مرشح الإخوان؟
 
في الوقت الذي يجتمع فيه محمد مرسي – مرشح جماعة الإخوان للرئاسة – مع ممثلي القوى السياسية  بدعوى توحيد القوى الوطنية لحماية الثورة, راح برلمان الإخوان يستعد للإنقضاض على لجنة الدستور للإنفراد بكتابته بعيدا عن تلك القوى التي دعاها لتأييده. وبينما تظاهر مرسي بدور الحمل الوديع الذي يقدم نفسه فداء للثورة وخدمة للوطن, وافقت لجنة الشئون التشريعية بمجلس الشعب الإخواني على قانون تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد, بما في ذلك اللائحة التي تحدد طريقة عمل الجمعية. ورفضت لجنة مرسي صراحة الإلتزام بقرار المحكمة الإدارية العليا التي ألغت الجمعية التأسيسية السابقة بسبب اختيار نصف أعضائها من داخل البرلمان, كما نصت المادة الأولى من مشروعها الجديد على أن يقوم برلمان الإخوان بإختيار 100 عضو لإعداد الدستور, خلال شهرين. 
 
   وفي الوقت الذي يدعي فيه حزب الحرية والعدالة الإخواني أنه يرغب في قيادة تحالف وطني يمثل جميع القوى الثورية لمواجهة ما يعتبره فلولا للنظام السابق, يعمل نواب هذا الحزب دائبين على الإنفراد بكتابة الدستور, مستبعدين كافة القوى المدنية من هذه العملية. وعندما يعلن الإخوان أن لجنة الدستور ستتضمن أفرادا من جميع طوائف المجتمع, فهم يقصدون أنهم هم من سيختار من يرونه مناسبا من بين الطوائف, إلى جانب أقلية بحكم موقعها – مثل رجال القانون والأزهر والكنيسة – لن تسمح قلة عددهم بتقرير أو الاعتراض على أية مادة من الدستور.
   وقد انتقد  إيهاب رمزي – النائب عن حزب الحرية – استغلال الإخوان لفرصة إنشغال التيارات السياسية بانتخابات الرئاسة, لإقرار قانون معايير اختيار الجمعية التأسيسية في مجلس الشعب. وقال رمزي إن هذا القانون يتعارض مع ما تم الإتفاق عليه بين قيادات الأحزاب والقوى السياسية – التي يحاول الإخوان الآن التحالف معها لإنجاح مرسي – بشأن تحديد معايير متفق عليها لتشكيل التأسيسية. واعتبر رمزي أن الهدف من هذا المشروع هو التحايل على حكم المحكمة الإدارية العليا, لإبعاد أعمال اللجنة عن الرقابة القضائية حتى لا يتم الطعن عليها في المستقبل.
   كما أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير عن رفضها لمشروع الإخوان, الذي اعتبرته مناورة ممجوجة للإنفراد بكتابة الدستور تمهيدا لإقامة دولة دينية يرفضها الشعب. وقالت الجمعية في بيان أصدرته إن مشروع تشكيل لجنة الدستور يكشف للشعب المصري أن ما يتحدث عنه مرسي عن المشاركة في وضع الدستور, هو مجرد تمويه لاستهلاك الوقت, حتى يتمكن من الوصول إلى كرسي الرئاسة.
   وهكذا, بدلا من التكاتف لحماية ثورة الشعب المصري كما يدعي الإخوان, ها هم يحاولون إغتصاب ثورة 25 يناير علنا وبدون خوف أو خجل. فعندما بدأت ثورة الشباب في ميدان التحرير في 25 يناير 2011, كانت تطالب بحل مجلس الشعب الذي سيطر عليه الحزب الوطني, وتعديل الدستور حتى لا يسمح بإعادة انتخاب الرئيس مدى الحياة. ورغم أن جماعة الإخوان لم تشارك في المرحلة الأولى لثورة ميدان التحرير, إلا أنها سرعان ما أدركت وجود فراغ سياسي بعد سقوط نظام يوليو يسمح لها بالسيطرة على السلطة. عندئذ قرر الإخوان النزول إلى الشارع والإنضمام إلى ثورة الشباب, حتى تمكنوا من فرض سيطرتهم على تطور الأحداث في مصر واستغلال ثورة الشباب لتحقيق أهدافهم الخاصة.
   ولما كان الدستور هو النتاج الرئيسي لأية ثورة في العالم, فقد رفض الإخوان أن يشاركهم أحد في كتابة الدستور, وأصروا على أن ينفردوا هم بوضعه عن طريق البرلمان الذي يسيطرون عليه. فمنذ حصولهم – مع حلفائهم من السلفيين – على أغلبية الأصوات في انتخاب البرلمان, حاول الإخوان إضفاء شرعية على إنفرادهم بالدستور, بدعوى أنهم يمثلون الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصري. أما الآن بعد أن فشل مرشح الإخوان – المدعوم من السلفيين – في الحصول على أكثر من ربع أصوات الناخبين, فلم يعد لديهم حتى هذا العذر لإلغاء الدولة المدنية التي قام عليها الحكم في بلادنا, وفرض دولة دينية يرفضها المصريون.
   الآن – على رأي المثل الشعبي  – يجب على "اللي شبكنا يخلصنا", ومن الضروري أن يصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا قبل تسليم السلطة, يحدد فيه العلاقة بين رئيس الجمهورية والبرلمان, كما يقر صراحة بعدم أحقية برلمان الإخوان في اختيار الجمعية التأسيسة للدستور.
أحمد عثمان