كتاب 11
أوهام المرجفين
لعل أهم قواعد التعامل مع أي تهديد هو تصور كامل ودقيق لأقصى النتائج الممكنة.
وبالتالي لا بد أن نعي حقيقة خطر الخرائط التي تم إعدادها ونشرها على مستوى واسع من أحد مراكز صناعة القرار في واشنطن، والمحسوبة على تيار المحافظين الجدد والذين لم يخفوا أبدا سعيهم ورغباتهم في إعادة رسم خرائط دول الشرق الأوسط، وتقسيمها إلى عدد من الدويلات، وليست هذه هي الخريطة الوحيدة التي تم إعدادها وتوزيعها، فهناك أكثر من جهة محسوبة على النظام الإيراني وأتباعه أعدوا تصورا فيه مناطق من السعودية خاضعة بشكل مباشر لمنظومة ولاية الفقيه بتمدد جغرافي مختلف، وكانت هناك خرائط توزع في اليمن والمناطق الحدودية السعودية مؤخرا، تظهر فيها مناطق سعودية ضمت لليمن، وطبعا كانت المجاميع الحوثية هي المروجة لتلك الخرائط.
كل هذه الجماعات الإرهابية مثل حزب الله و«القاعدة» و«داعش» وغيرهم ما هم إلا أدوات حقيرة تحرك كالدمى الرخيصة من قبل دول إقليمية وأجهزة استخبارات مريبة، كالمغناطيس تمكنوا من جذب المئات من الشباب المغيب نتيجة خطاب ديني شديد التطرف رفع شعارات عاطفية ومضللة، ولكن كل هذا الحراك الأهوج غايته الإرباك والتخويف، فهذه الجماعات لا تنادي بالدين ولا بالشرع ولا هم بالثوريين ولا الإصلاحيين ولا الوطنيين. هم آتون بشعارات طائفية وعنصرية ودموية لا غاية من ورائها إلا التمزيق والتفتيت والتشريد، وهي تصورات لا بد أن تكون مدركة ومعروفة تماما أبعادها، وأن الحياة بشكلها الآمن والمطمئن الحالي ستصبح ليس فقط من الماضي، ولكنها عودة إلى جاهلية وتصرفات حيوانية بامتياز، بحيث يكون القتل والدم فيها أسلوب حياة لا حياد عنه.
لم يعد من المقبول أبدا فكرة التعاطي والتسامح والتناصح مع عناصر تريد الشر للكمّ الأعظم من مواطني السعودية، واختارت بطيب خاطر وبقناعة تامة أن تبيع نفسها للشيطان، هذه مجاميع اختارت إعلان الحرب على مجتمع آمن بغض النظر تماما عن كل الشعارات والوعود التي تركز على إعادة الخلافة أو إحياء دولة الفقيه، فلا الفريق الأول يمثل الصحابة ولا يمثل الفريق الثاني آل البيت، وحتما الدين الذي ينتمي إليه العالم الإسلامي لا يمثله هؤلاء أبدا وبإجماع علماء الدين أنفسهم.
الإعلانات الصريحة على ألسنة زعامات هذه المجاميع الإرهابية من أمثال حسن نصر الله وأيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي، هي إعلانات حرب على السعودية، لا تحتمل تفاسير أخرى، وبالتالي أي تعاطف بأي شكل من الداخل مع أي من هؤلاء يجب اعتباره مشاركة في الحرب على السعودية. الحس الوطني يزداد، ولكن يبدو أن هناك «استحقاقا» بحقيقة ما يهدد السعودية وحجم الخطر الذي تواجهه، ولكن بتسمية الأمور ونقاشها على الملأ ورفع الأوراق على الطاولة سيعرف حجم الخطر، وبالتالي يستشعر الجميع الخوف «الإيجابي» الذي سيجعل الكل يسعى بشكل عملي (كل بالدور المنوط به) للحفاظ على ما هو لديهم بوعي وضمير وإدراك.
الخرائط التي وزعت بشتى أشكالها وأنواعها وحدودها وتركيبتها، هي بالونات اختبار لقياس القبول، الأهم أنهم لم يجدوا أي حس انفصالي بين السعوديين، ولذلك لجأوا للخطة «ب» عبر الجماعات الإرهابية بأشكالها المختلفة. معرفة الهدف المقصود تجعل من وسائل الدفاع والجاهزية أكثر كفاءة وفعالية وتأثير. وهذا هو المطلوب تحديدا.