آراء حرة

08:59 مساءً EET

عمرو على يكتب : قراءة في نتائج الانتخابات البريطانية الاخيرة

ظلت الدلالات الرقمية لأي انتخابات ” ديمقراطية ” تجرى في أي دولة في العالم موضع شغف كبير بالنسبة لي ، وكم حاولت أكثر من مرة إستقاء العبر من النتائج وما ألت إليه من تشكيل حكومات أو العصف بتيارات معينة ، ومحاولة إسقاط هذه النتائج على ” الحالة المصرية ” ، والمقارنة بين الأنظمة الإنتخابية وأداء الكتل التصويتية التقليدية ، أو ” الطفرات ” التي تحدث في تصويت تلك الكتل وما يخلفه ذلك من نتائج مفاجأة ، مع دراسة أسبابها ونتائجها بعد فترة زمنية

.

وتمثل الحالة البريطانية حالة شديدة الخصوصية للواقع المصري والعربي بشكل خاص لعدة أسباب ، أهمها على الاطلاق تأثير التدخل البريطاني في العراق على المزاج الشعبي لسكان المملكة التي ” لم تكن الشمس تغيب عنها ” ، وإسقاط أخر حكومة لحزب العمال في انتخابات 2005 بسبب قرار الحرب ، وذهاب أصوات الناخبين البريطانيين لصالح أحزاب أخرى كعقوبة لحزب العمال على قراره بخوض الحرب في العراق ” كذيل ” للولايات المتحدة الامريكية كما كان يقال أنذاك ، وهو القرار الذي إستمر حتى الأن في إلقاء ظلاله على ثقة الناخب البريطاني في حكومة عمالية ، وتأتي الأهمية الأخرى لدراسة نتائج الإنتخابات البريطانية ومتابعتها بالنسبة للدارس المصري ، هو إعتماد نظامها الإنتخابي على النظام الفردي في مقاعدها البالغ عددها 650 مقعدا ، وهو ما يشابه النظام المصري الحالي لإختيار أعضاء البرلمان المصري الذي يغلب عدد المقاعد الفردية وطريقة إختياره على نظام القائمة ، والتي تقوم فلسفة المشرع والقانون على الحاجة لعدد محدود من المقاعد في البرلمان القادم لفئات التمييز الايجابي ( الشباب والمرأة والمصريين بالخارج وذو الاحتياجات الخاصة والعمال والفلاحيين ) في نظام قائمة مشوه لا يتعدى عدد مقاعده في ظل التعديل الأخير للقانون أكثر من 15% من مقاعد البرلمان ، بينما يغلب القانون الجديد طريقة إختيار بالنظام الفردي لعدد مقاعد تبلغ نسبتها 85% من نسبة مقاعد البرلمان ، وهو ما يجعلني أصرح دائما أنه نظام فردي وليس خليطا بين نظامي القائمة والفردي بالشكل المعروف ، وتاتي متابعة طريقة إجراء إنتخابات مجلس العموم البريطاني لهذا السبب ، ولأنها تكون بالنظام الفردي ، والذي يجاهر الكثيرين من مؤيدي هذا النظام الانتخابي في مصر أن أعتى الديمقراطيات في العالم تلجئ له مثل بريطانيا والهند – وهو رأي مردود عليه من وجه نظري – ، ويجب الرجوع الى التطور الديمقراطي في دول العالم الأول قبل القفز الى أنظمة إنتخابية في دول مختلفة بلغتها بعد قطعها لمشوار طويل من التجربة الديمقراطية ، ووصلت بالوعي المجتمعي والثقافي الى مرحلة مكنت مواطنيها من إختيار ممثليهم في المقاعد الفردية بدون وجود ضغوط مالية أو قبلية مازالت موجودة في الدول التي تقبع في أول سلم التطور الديمقراطي والسياسي كما يحدث الأن في مصر ، غير أنه يجب أيضا الإعتراف بظهور هذا العامل ” الطائفي ” في نتائج الإنتخابات البريطانية الأخيرة في إسكتلندا ، وذلك لظروف ” خاصة ” لها علاقة بحدث تاريخي يرتبط بمطالبة نسبة كبيرة من الاسكتلنديين بالانفصال عن التاج البريطاني وتحولهم الى دولة مستقلة ، وهو ما تم فشله بإستفتاء شهير حدث مؤخرا ، وبنسبة متقاربه بين الرافضيين والمؤيديين للإنفصال ، غير أن نتائجه وإرهاصاته ظهرت في نتائج الإنتخابات الأخيرة لإختيار أعضاء مجلس النواب عن أقليم إسكتلندا ، والذي ظهرت فيه الأهمية الثانية لمتابعة ودراسة الإنتخابات البريطانية ، والتي تتلخص في تقييم طريقة الإنتخاب بنظام الفائز الأول FPP  والتي تنص على إختيار الحاصل على أكثر أصوات من الجولة الأولى في الإنتخابات لمجلس العموم البريطاني ، حتى ولو لم يحصل على نسبة ال50% التي حددها مثلا القانون المصري للنائب من الجولة الأولى ، والا التجأ أكثر الحاصلين على أصوات في الجولة الأولى الى جولة إعادة ثانية ، والنظام البريطاني هو السبب في حصول مرشحي الحزب القومي الاسكتلندي على أغلب أصوات أقليم أسكتلندا ال59 ، والذين كانوا ينادون بالانفصال عن التاج البريطاني بنسبة تصل تقريبا الى 95% ، رغم أنهم فشلوا في الحصول على نسبة تتعدى ال50% من الملايين الاربعة في اسكتلندا لإقرار الإنفصال ؟ ، وهو تطبيق مثالي لعيوب نظام الفائز الأول FPP  والذي يصل بأكثر المرشحين حصولا على الأصوات من الجولة الأولى مباشرة حتى لو حصل فقط على 30% من الأصوات .

أقول أن هذا الحدث ” التاريخي ” هو السبب في حدوث هذا التحول التراجيدي في النظام الديمقراطي البريطاني للعودة لظهور العصبيات والقوميات في نظام ” من المفروض ” أن يدعم التوحد والإنصهار في مصير مشترك ، وهو بالطبع ماسيجعل ” الخبراء ” يعيدون دراسة هذا النظام الإنتخابي من جديد ، فقد عادت النزعات الوطنية والهوياتية للظهور في نتائج انتخابات البرلمان البريطاني، وأظهرت المؤشرات التصويتية ميلا نحو الأحزاب “الوطنية” في كل من إنجلترا واسكتلندا بشكل غير مسبوق.

 

وصوت حوالي 50% من البريطانيين لحزبي المحافظين (36.9%) والاستقلال البريطاني (12.6%)، فيما أعطى الاسكتلنديون 56 مقعدا من أصل 59 للحزب الوطني الاسكتلندي، وهو ما يؤشر على زيادة التوجهات الانعزالية واليمينية لدى الناخبين، وتراجع الأحزاب الوسطية واليسارية والليبرالية؛ وخصوصا حزب العمال الذي كان ضحية لتوجهات هوياتية ” قبلية و عصبية ” من الناخبين الإنجليز والاسكتلنديين على حد سواء، فبينما صوت الإنجليز للمحافظين خوفا من تحالف العمال مع الوطني الاسكتلندي؛ فقد حصل الأخير على غالبية مقاعد اسكتلندا التسعة والخمسين، وهي مقاعد كانت تذهب عادة للعمال، ولكن تنامي النزعة القومية لدى الاسكتلنديين، أدت إلى انتقال هذه المقاعد إلى حزبهم الوطني، ما شكل خسارة تاريخية للعمال في أحد معاقلهم التقليدية.

التعليقات