تحقيقات
خمسة واربعون عام على مجزرة بحر البقر
لم يكن يعلم احد أن يوم 8 إبريل 1970، هو آخر أيام حياته، وأن مدرسته الصغيرة الفقيرة ستصبح هدفا لطائرات الفانتوم الصهيوينة، لتتناثر أشلاءه، هو وزملاءه على أرض المدرسة بدلا من أن يملئوها ضحكم ولعبهم اليومى.
كانت مدرسة بحر البقر عبارة عن طابق واحد به ثلاثة فصول، وعدد التلاميذ بها 150 طفلا، كان “أحمد” أحدهم.
حلقت طائرات الفانتوم الإسرائلية فوق المدرسة، ثم ألقت على الأطفال هدية صهيونية عبارة عن “قنبلة ” تزن 1000 رطل، فتحولت ساحة العلم الصغيرة إلى كتلة نيران وأشلاء، فتحجر الرعب فى عيون الأطفال.
ولم تمهل الوحشية الصهيونية أيا منهم حتى يصرخ مناديا أمه أو أبيه، وفى لحظات تناثرت محتويات “الكراريس” مختلطة بأشلاء الصغار، واختلطت الدماء مع رسومات “أحمد”، التى رسمها فى كراساته.
حصدت هذه الجريمة أرواح 31 طفلا، فى جريمة من أبشع جرائم التاريخ، انخلعت معها قلوب المصريين، لتظل فى ذاكرتهم على مر التاريخ.
◄ النشرة الإخبارية لبحر البقرهكذا استمع المصريون إلى نشرة الأخبار الحزينة، فى الراديو حيث قال المذيع : “فى الثامن من إبريل عام 1970 أغارت الطائرات الإسرائلية من طراز فانتوم على مدرسة بحر البقر الابتدائية، بمنطقة الصالحية شرقى الدلتا بالشرقية، وأسفرت تلك الغارة الوحشية عن مصرع 31 طفلا وإصابة 36 آخرين من أطفال المدرسة، وأحدثت الغارتان الوحشيتان رد فعل عميق لدى الرأى العام العالمى، وانكشفت لدى العالم حقيقة التخطيط العسكرى الإسرائيلى”.
وقبل هذا الحادث كانت إسرائيل تهدد بإطلاق غاراتها على مصر، ولم يكن متوقعا أن تتم هذه الغارات على أماكن مدنية، ولكن كعادتها فى إجرامها الذى يفوق كل التوقعات، قامت اسرائيل بعدد من الغارات فى منطقتى المعادى وحلوان، واستهدفت مصنع أبو زعبل، وبعدها قصفت مدرسة بحر البقر، ثم ادعت أن ذلك تم دون قصد.
◄ بحر البقر الآنالمجزرة التى ارتكبتها إسرائيل فى مدرسة بحر البقر تعد من أكبر جرائم الحرب التى لاتسقط بالتقادم، حتى إن أحد شهود هذه المجزرة ويدعى “أحمد الدميرى”، من مصابى هذه المجزرة، والذى كان طالبا بالمدرسة وقت الحادث، يتذكر فى كل يوم ما حدث له ولزملائه، ويستيقظ يوميا مفزوعا بسبب ما شاهده فيها، حيث فقد فيها أصدقائه، وخرج منها بعاهة مستديمة، ورفع “الدميري” قضية تعويض ضد الكيان الصهيونى؛ بسبب ما حدث له، ولكنها لا تزال فى الأدراج، فمن نجا من تلك المذبحة يعانى من عاهات وأزمات نفسية وإهدار لحقوقه المادية والمعنوية.
وبعد مرور 44 عاما على الحادث اتهم الأهالى والمصابون نظام مبارك بإزالة المكان الحقيقى للمدرسة، والاكتفاء بنصب تذكارى وبناء مدرسة أخرى بنفس الاسم على أطراف القرية، وتحويل مكان المدرسة الحقيقى إلى مبان ومنازل ليتم بيعها للمواطنين.
وأغلق نظام مبارك قاعة فى متحف الزعيم أحمد عرابى بالشرقية كانت تحتوى على ملابس الأطفال الشهداء وكراساتهم ومقتنياتهم الخاصة، وعليها آثار الدماء إرضاءً لإسرائيل.
◄ بحر البقر قصة لا تنتهىهذه هى طبيعة الكيان الصهيونى الوحشية، والتى تعتمد على التطهير العرقى والإبادة الجماعية، ولا تتورع عن قتل النساء والأطفال، وقصف المدنيين، حتى وإن كانوا داخل مدرسة أو دار للعبادة، حيث تكررت مجزرة بحر البقر فى فلسطين المحتلة وذلك بمدرسة الفاخورة الفلسطينية بغزة عام 2009 .
واعتادت إسرائيل على استهداف الأطفال الأبرياء لتظل أماكنهم فارغة من أجسادهم ولكنها مرتبطة بأرواحهم وأسمائهم.
أما عن التأثير الدولى فإن أمريكا استخدمت حق “الفيتو” 83 مرة، منها 44 مرة لحماية إسرائيل من قرارات إدانة دولية، وذلك بالرغم من بشاعة جرائمها التى شهد بها العالم كله.
◄ تأثير بحر البقر فى السينماأثار حادث مجزرة بحر البقر الرعب فى نفوس الأطفال والتلاميذ فى كل مدراس مصر؛ خوفا من أن تقوم إسرائيل بقذفهم بالقنابل.
ومنذ تلك اللحظة ظلت ذاكرة المجتمع المصرى تجمع ذكريات حزينة على ما حدث لأطفال بحر البقر الأبرياء، وترجمت الأعمال الفنية هذه المشاعر، حيث سطرت السينما المصرية أفلاما خالدة عن هذه الحادثة منها فيلم “العمر لحظة”، الذى قامت ببطولته الفنانة ماجدة، كما كتب الشعراء والمؤلفون أغانٍ وقصائد جسدت الأحزان التى نتجت عن هذا الحادث.
◄ أغانى بحر البقرمن أهم القصائد التى عبّرت عن هذه المجزرة، القصيدة التى كتبها المبدع صلاح جاهين فى كلماته التى غنتها شادية، والتى تقول كلماتها:”الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال.. فى قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك فى البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى .. دى لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة، راسم راية ثورة، راسم وجه مؤامرة، راسم خلق جبابرة .. راسم نار راسم عار ع الصهيونية و الاستعمار .. و الدنيا عليهم صابرة و ساكتة على فعل الأباليس .. الدرس انتهى لموا الكراريس”
وظهرت بعد ذلك أيضا أغنية أخرى أداها كورال الأطفال، ولحنّها الموسيقار ”بليغ حمدى، وكانت ضمن فيلم “العمر لحظة”، وتقول كلماتها:
محافظة الشرقية ومدرستى ومدرستىبحر البقر الابتدائية، كراستى، كراستىمكتوب عليها تاريخ اليوممكتوب على الكراس اسمىسايل عليه عرقى ودمىمن الجراح اللى بجسمى ومن شفايف بتنادىيا بلادى يا بلادى .. أنا بحبك يا بلادى