مصر الكبرى
محمد صلاح يكتب :المشهد المصري ينتظر «الضربة» القاضية
بكل وضوح وصلت المواجهة بين الإسلاميين، أحزاباً وجماعات في مصر ومعهم رئيس البلاد من جهة، والقوى المدنية من جهة أخرى، إلى حد معركة مفتوحة لن تنتهي بالتعادل أو ما يسميه السياسيون بالتوافق، وإنما ينتظر فيها كل خصم الفرصة ليسدد لمنافسه الضربة القاضية. فالإسلاميون يعتقدون بأن تراجعهم أو تخاذلهم أو تهاونهم سيضيع عليهم فرص المضي بالبلاد في طريق «تحقيق شرع الله» وأن الطريق الذي قطعوه حتى الآن سيقودهم إلى ذلك الهدف، وأن أي خطوة إلى الوراء قد تطيح آمالهم وتعيدهم من مربع الفعل إلى رد الفعل، وربما تقود بعضهم، إن لم يكن كلهم، إلى الأوضاع التي كانوا عليها قبل ثورة 25 يناير.
وفي المقابل فإن القوى المدنية التي منحها الإعلان الدستوري الفرصة لتنتفض مع قواعدها الشعبية وتستعيد نشاطها وتعود إلى الشارع مدعمة بزخم شعبي تعتقد بأن إصرار الرئيس على تجاهلها والإسلاميين على تحديها ووضعها موقف رد الفعل لم يعد أمامها الكثير من الخيارات فإما إكمال الطريق وكسر «عناد» الرئيس و»سطوة» الإسلاميين أو التسليم ورفع الرايات البيضاء لأسلمة الدولة!
نعم يستطيع الرئيس محمد مرسي أن يكمل ولايته مستنداً إلى كونه رئيساً منتخباً ويتمتع بالشرعية الدستورية ولديه حشود يستطيع بمكالمة هاتفية أن ينقلها من موقع إلى آخر تؤيده وتطالب باسقاط معارضيه. ولديه شرطة «تنفذ الأوامر» وجيش جرى تحييده أو اختار أن يتحيد بعدما خرج من معركة الفترة الانتقالية مجروحاً ومنهكاً. وربما يراهن مرسي، وقد مضى في سبيله من دون اكتراث بتحركات معارضيه، على أن القوى التي تعارضه أصلاً غير مؤثرة في الحكم أو أن الحملة ضده يقودها أشخاص لن يستمروا طويلاً ويمكن استقطاب بعضهم في مرحلة مقبلة، كما جرى مع بعض رموز «الدولة المدنية» قبل خوض الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. وقد يعتقد الرئيس بأن حركة هؤلاء في الشارع ستتلاشى رويداً رويداً، وأن الوقت كفيل بحل الأزمة، إذا كان هناك أزمة من الأساس، وأن المعتصمين في التحرير سينصرفون يوماً إلى أعمالهم أو بيوتهم إما يأساً أو زهقاً أو إرهاقاً. وربما يتصور مرسي أن كل معارضيه سيأتون يوماً إليه ليشكروه على ما فعله من أجلهم! ومن أجل الوطن، وأن الذين لم يفهموا مغزى إعلانه الدستوري وقراراته سيتنبهون يوماً إلى أنهم أخطأوا التقدير أو أساءوا الفهم وأنهم لو كانوا صبروا أو سمعوا الكلام لأدركوا مبكراً أن كل ما أغضبهم من الرئيس لم يكن سوى هواجس دارت في أذهانهم من دون أساس.
وأخيراً قد يرى الرئيس أنه يواجه معركة حقيقية مع أقطاب ومناصري القوى المدنية بمختلف أطيافها، وأن لا أمل في إصلاح هؤلاء وأن عليه أن يتحصن بالحسم معهم ولا يتراجع عن قرار أو قانون أو إعلان دستوري أصدره، وأن الشرعية الدستورية التي هي في حوزته و»المخلوطة» بحشود الإسلاميين ستمكنه في النهاية، إما من أن يفوز بالنقاط بعدما يفقد خصومه القدرة على الحركة، أو يسدد ضربة قاضية تطيح بهم إلى خلفية المشهد.
في هذا الإطار يمكن تفسير مشهد محاصرة الإسلاميين لدار القضاء العالي قبل ساعات من الإعلان عن إقالة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود للاحتفاء بخليفته المستشار طلعت عبد الله، وكذلك المشهد «المذهل» أمس حول المحكمة الدستورية.
تلك هي الحالة وهذه هي موازين القوى لدى كل طرف، فكيف تكون النهاية؟ تتوقف نتيجة الصراع على مدى صمود الرئيس وحزبه وجماعته ومناصريه أمام حركة معارضيه الذين ما زالوا يملكون أوراقا لم يستخدموها بعد كحصار المقر الرئاسي أو إعلان الإضراب العام أو العصيان المدني. لكن هل يستطيعون؟ علماً بأن حرق الأوراق إذا ما فشل الزحف أو الإضراب أو العصيان سيصب قطعاً في مصلحة الرئيس وسيطيح بزخم معارضيه.
لا يشعر الإسلاميون أنهم وقعوا في أخطاء بدليل أنهم ماضون في طريقهم من دون مراجعة، بينما يقر المدنيون بأن اخطاءهم، وبينها تشرذمهم وتخاذل بعضهم، كانت فادحة وأفضت إلى الحالة التي عليها مصر الآن. فهل يتعظون؟.
هادن الإسلاميون العسكر ورتبوا في هدوء بعيداً عن الصخب لنيل الغالبية البرلمانية ثم الفوز بالانتخابات الرئاسية، حين كان المدنيون منهمكين ومشغولين بمعارك أخرى أهم لديهم من التواصل مع الشارع. فناضلوا ضد وزير الداخلية والمجلس العسكري وأنهكوا الشرطة وأزاحوا العسكر عن المشهد فاستلم الإسلاميون الحكم من دون مقاومة من أي طرف حيث كان الكل قد فقد قواه وتأثيره وربما رغبته في البقاء في المشهد.