آراء حرة
محمد حمادى يكتب : طابا .. والإرادة المصرية
فى هذه الايام نحتفل بذكرى عودة طابا وتحرير سيناء بالكامل من العدو الاسرائيلى المغتصب ، الذى حاول بكل اساليبه ان يحتل جزءا من ارض سيناء ، حتى يستطيع فيما بعد ان يفرض سيطرته وقوته ويحتل سيناء مرة اخرى ، ولكن القيادة السياسية فى ذلك الوقت ادركت ان احتلال العدو الصهيونى لهذه البقعة حتى لو كانت صغيرة فانها تحمل فى طياتها ابعادا تشكل خطرا رئيسيا على الامن القومى المصرى ولذا خاضت مصر حربها عن طريق (التحكيم الدولى ).
ويتميز التحكيم الدولى ، بهذا المعنى ، بعدة خصائص :
اولا ـــ ان القرار الصادر عن هيئة التحكيم ليس قرارا عاديا وانما هو حكم يقرر حل النزاع عن طريق تطبيق قواعد القانون الدولى العام او قواعد العدل والانصاف او اية قواعد قانونية اخرى .
ثاانياـــ ان الحكم الصادر عن هيئة التحكيم ، هو حكم ملزم بالضرورة لاطراف النزاع وهذا الالزام لايتعارض مع الارادة الحرة للاطراف المعنية او مع مبدا السيادة ، وذلك لانهم اطراف النزاع قد قبلوا بمحض ارادتهم اختيار اللجوء الى التحكيم كوسيلة سلمية لتسوية النزاع القائم بينهم .
ثالثاـــ ان التحكيم الدولى لا يشترط فيه بالضرورة ان يشمل كل جوانب النزاع المعروض ، فقد ترى الدول المتنازعة ان مصلحتها المشتركة تقتضى احالة النزاع برمته الى التحكيم للفصل فيه ، وقد ترى عكس ذلك ومن ثم تكتفى باحالته او بعض جوانبه الى التحكيم ومن ذلك مثلا ، ان مشارطة التحكيم المعقودة فى 11 سبتمبر 1986 بين مصر واسرائيل بشان طابا قد قصرت سلطة محكمة التحكيم فقط على تقرير مواضع بعض مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب ، ولم تطلب منها مثلا بحث شرعية او عدمها لهذه المواضع من وجهة نظر اى من الطرفين.
رابعا ـــ ان الدول عادة ما تحدد على سبيل الحصر الموضوعات التى يمكن ان يكون النزاع بشان اى منها محلا للتحكيم ، مستثنية من ذلك كل ما يتعلق منها بالاستقلال السياسى او الشرف الوطنى والمصالح الحيوية وكذا المسائل التى تدخل ضمن نطاق اختصاصها الداخلى ومع ذلك فمن الصعوبة القول بوجود قاعدة عامة فى هذا الشان ، لان المعول عليه فى التحليل الاخير هو ارادة الدول المتنازعة لذلك فكثيرا ما نجد نزاعا دوليا معينا قد عرض على التحكيم للفصل فيه ، على الرغم من تعلقه بالمصالح الحيوية والاستقلال السياسى لكل او لاحد اطرافه ولعل النزاع حول طابا دليل قوى يمكن ان يساق فى هذا الخصوص ، حيث انه فى جوهره كان يتعلق بتمسك مصر بسيادتها على منطقة طابا فى حين نازعت اسرائيل فى شرعية هذه السيادة انطلاقا من اعتبارات سياسية .
وبدات المعركة بحالة من الجدال ، نشبت بين الجانب المصرى والاسرائيلى ، وظهر ما يسمى بازمة النقطة رقم (91) فى المعركة الدبلوماسية التى خاضتها مصر من اجل تحرير طابا ، بعد اول اعلان رسمى عن المشكلة فى مارس 1982 ، وقبيل الانسحاب الاسرائيلى من سيناء .
فاجات اللجنة العسكرية المصرية وقتها الجميع ، بالاعلان عن ان هناك مشاكل ونقاط خلاف كبيرة مع الجانب الاسرائيلى ، حول بعض النقاط الحدودية ، وخصوصا العلامة (91) الموجودة على حدود طابا .
وترجع بداية قصة النقطة (91) عندما حاول الجانب الاسرائيلى تزييف الحقائق وتغييرها ، بتغيير الملامح الجغرافية للحدود المصرية قبل 1967 ، حيث ازال “انف الجبل ” ، والتى هى عبارة عن العلامة (91) الذى كان يصل الى مياه خليج العقبة ، وحفر طريق مكانه يربط بين مدينة ايلات الاسرائيلية ومدينة طابا المصرية .
بحث الجانب المصرى عن العلامة الاساسية للنقطة رقم (91 ) التى ازالتها اسرائيل دون جدوى ، فعادت الدولة المصرية الى المخطوطات القديمة والخرائط ، التى توثق حدود مصر منذ الدولة العثمانية ، وتم تشكيل ما عرف بــ ” اللجنة العليا لطابا ” والتى ضمت وقتها ابرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية نذكر منهم :
( الدكتور نبيل العربى ، الدكتور مفيد شهاب ، المؤرخ المصرى يونان لبيب رزق ، اللواء اركان حرب كمال حسن على ، السفير عبد الحليم بدوى ، الدكتور وحيد رافت ، الدكتور حامد سلطان ، السيد / عبد الفتاح محسن ، السفير حسن عيسى )
وبالرغم من مماطلة اسرائيل وانكارها الحجج التى تثبت احقية مصر فى طابا ، اضطرت مصر الى الضغط للوصول الى التكيم الدولى فى قضية طابا ، والذى انهى الخلاف بعودة الحق لاصحابه ورفع العلم المصرى خفاقا يرفرف مجددا فى سماء طابا مؤكدا ان مصر لن ولم تفرط فى حبة رمل من ترابها الغالى الذى دافع وحارب من اجله المصريين وقدموا الدم والعرق فداءا لهذا الوطن .