عرب وعالم
مركز البحرين للدراسات:الثورة الاسلامية بايران تسببت بتصفية كل من شارك بالثورة لصالح فصيل الخمينى
أكدت دراسة لمركز البحرين للدراسات والإعلام، أن العلاقة بين الدولة والأصولية الدينية، قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، كانت علاقة هادئة لا تكاد ترتقي لمرحلة الاشتباك والتعقيد، لكن بعد قيام الثورة الإيرانية في 1979،
وسيطرة رجال الدين عليها ثم تصفية جميع من شارك فيها لصالح فصيل واحد هو فصيل “الخميني” أو الفصيل الشيعي، أصبحت العلاقة بين الأصولية الدينية والدولة تحتاج إلى إعادة تعريف وتوصيف، لاسيما بعد ظهور الكثير من الحركات في الوطن العربي التي حاولت السير على درب إيران باستخدام الدين كشعارات لتحقيق أهداف سياسية، كما حدث في الجزائر والسودان واليمن ولبنان ومصر والبحرين.
هذه العلاقة يمكن تحديد مراحل نموها ومن ثم تعقيدها وتشعبها بتحديد طرفيها، إذ أن الطرف الأول وهو الدولة أو الحكومة لا تمثل بدايات المشكلة بل عادة ما تحتوي الدولة أي جماعة دينية تقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما يفهم من أدبيات خطابها في مراحل تكوينها الأولى، حدث هذا تقريبا في كل البلاد التي شهدت وجود جماعات أصولية، غير أن هذه الحالة من الهدوء لا تلبث أن تتحول إلى عنف مضاد تبادر به الجماعات الأصولية، الطرف الثاني في هذه العلاقة، بعد أن تكون قد أحكمت قبضتها على قاعدة عريضة من المجتمع، الذي تقدم له خطابا دينيا أخلاقيا في البداية فيقبل عليها، ثم لا يلبث هذا الخطاب أن يتحول إلى جميع أمور الحياة.
الشيعة في زمن شاه إيران، لم يكونوا يمثلون تهديدا مباشرا ضد النظام السني الحاكم، حيث تركهم وشأنهم فيما يتعلق بطرق ممارسة شعائرهم أو الدعوة طالما كانوا بعيدين عن الخلط بين الدين والسياسة، بالشكل الحالي الذي نشهده في عدد من البلاد التي تقوم على أساس ديني بحت، لكن هذا الوضع ما لبث أن تغير وتحول بعد كسب قاعدة جماهيرية عريضة دفعت بالقائمين على العمل الدعوي البحت إلى أكثر من الدعوة ليتم استخدام خطاب ديني يشرع العمل بالسياسة على أساس ديني وطائفي، حيث نرى حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في بدايات الجماعة الأولى لا يكاد يتحدث في السياسة ولا يقترب منها، حتى أصبح له قاعدة جماهيرية عريضة فبدأ في التحول وإعلان أن الإخوان منذ اليوم الأول منشغلون بالسياسة، لكن على أساس ديني، وهو ما يدفع بالصدام بين الدولة التي هي منوطة بحماية المجتمع من الخلط الخاطئ بين السياسة كعملية متغيرة لا تعترف بالثوابت وبين الدين كرسالة أخلاقية في المقام الأول تخاطب الفرد قبل المجتمع قبل الدولة وشتان بين هذه الخطابات الثلاث؟
هنا تتعقد العلاقة بين الدولة وبين الجماعات الأصولية، فالحكومات العربية التي تستمد إسلامها الوسطي من رجال الدين الفاهمين على أسس علمية، تفهم الحكم بشكل أقرب إلى الدولة المدنية، وهذا هو ما أكده الأزهر الشريف بفتواه التي يؤكد فيها أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، بل إن مفهوم الدولة المدنية أقرب إلى فهم الإسلام الوسطي من الدولة الدينية المزعومة. ومع تحول الجماعات الأصولية إلى دائرة السياسة، ومحاولتها فرض رؤية جديدة على ممارسة العمل السياسي واختزاله في شعارات دينية، يكون من حق الدول حينئذ الدفاع عن المجتمع بل وعن الدولة والدين نفسه ضد الأفكار الدخيلة، فتبدأ العلاقة في التعقد أكثر.
الدولة في البحرين لم تكن لديها أي مشكلة أو حتى حساسية مع الجماعات الأصولية، بل كانت تأخذ على عاتقها توفير مناخ الحرية لممارسة شعائرهم بالطريقة التي تحلو لهم، من الحسينيات والمواكب والأعياد الشيعية، وكانت العلاقة تسير بشكل جيد بين الطرفين، إلى أن بدأ مرجعيات الشيعة في البحرين في النظر إلى أبعد من الدعوة إلى الله والخطاب الديني، فبدأ الأمر بدخول مجلس النواب، فما كان من النظام إلا أن رحب بهم طالما التزموا بالإطار العام لدستور البلاد الذي يفصل بين ممارسة العملية السياسية والثوابت الدينية المعروفة للجميع والتي جل منتهاها الفرد المسلم، وهي التجربة التي زادت من طموح جمعية “الوفاق” فبدأت في تحويل الخطاب الديني من خطاب دعوي إلى خطاب سياسي مسموم مليء بالمؤامرات وداع للفتنة، فكان على الدولة أن تواجهه، بل ومن حقها أيضا الضرب بيد من حديد على يد هؤلاء حفاظا على سلامة المجتمع البحريني من الشوائب التي حاولت الوفاق بثها فيه.
ويصادف هذا الحديث ما أثير في مملكة البحرين قبل أيام من دعوة أحد المرجعيات الشيعية السيد عبدالله الغريفي، وهو المرجع الذي يعتبر الثاني بعد عيسى القاسم والذي حاول العودة بالخطاب الديني إلى مرجعه الأول كخطاب أخلاقي حيث استشهد بأقوال رسول الله (ص) التي تفيد بأن من يزيل ما يعرقل الطريق له أجر، وحديثه عن إماطة الأذى عن الطريق وعن ضرورة الإصلاح وعدم التخريب.. الخ ما ورد بخطبة الجمعة الماضية، وهو الحديث الذي تلقاه العديد من الكتاب في المملكة بالترحيب ظنا منهم بعودة صاحبنا عن موقف الوفاق الذي يسعى لتخريب البحرين، لكن حقيقة الأمر أن السيد الغريفي لم يحاول بهذا الخطاب درء الفتنة عن مملكة البحرين بقدر ما يحاول أكثر استمالة الشعب البحريني لأهداف الوفاق، حيث انفض الناس عنها في الثلاث أعوام الأخيرة بعد انكشاف زيفها وخداعها للجميع، إذ انه لو كان حقا يريد التعبير عن محاربة عمليات التخريب وتعطيل الطريق وإماطة الأذى عنه، لكان أفتى بفتوى جريئة تحرم الخروج في تظاهرات تخريبية، ولكان أيضا أنكر على الوفاق أفعالها بحق الشعب البحريني من عمليات تخريبية، ولكان قد بدأ بنفسه وبجماعته بدلا من عبارات التحريض التي تبث أسبوعيا فيتلاقاها الشباب ليواصل الخراب وليس الأصلاح كما يوهمنا الشيخ الغريفي؟