عرب وعالم
«الديلي تليجراف» تنشر مقالا لولى عهدالبحرين
نشرت صحيفة الديلي تليجراف اليوم مقالا لـ “الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ” ولي عهد البحرين , نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، البحرينى , و فيما يلي المقال:
مضت قرابة الخمسة عشر عاماً منذ انطلاق بداية الحرب على الإرهاب، و نحن إلى الآن لم نقترب من فهم و هزيمة هذا العدو المشترك، حيث لا يزال يُعَرّف مبدئياً بما يحوزه من تكتيكات الإرهاب و التعدي على ما يعنيه الإسلام.
فالإرهاب ما هو إلا أداة لمعتنقي الأيديولوجيات المنحرفة، و التي تضم جرائمهم الوحشية جملة من أعمال القتل و الخطف للصحفيين و التعدي الفاحش ومنها قتل الطيار الأردني الباسل الملازم أول معاذ الكساسبة رحمه الله.
إن ما حدث بالأمس من قتل وحشي للرهائن المصريين في ليبيا و ما سبقه خلال نهاية الأسبوع المنصرم بكوبنهاجن يذكرنا مرة أخرى بأننا إذا أردنا الوقوف على هذا التهديد الآخذ بالتصاعد على الأفق العالمي، يجب أن تتسع مدارك فهمنا لتعريف خصمنا، سعياً لإعادة تركيز جهودنا بما يتناسب مع الوضع القائم.
إن الإرهاب ليس بأيديولوجية نحن لا نحارب إرهابيين وحسب وإنما نحارب “ثيوقراطيين” . وأستخدم مصطلح “ثيوقراطيين” لأن هذه الحرب الجارية ليست ضد الإسلام مثلما لا يمكن أن تكون ضد المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو أي ديانة أخرى. الحقيقة أن هذه المواجهة هي ضد من يستحوذون على الدين لبلوغ غاياتهم وهم بذلك يشترون الضلالة بالهدى ويحيدون عن النهج القويم والتعاليم التي نؤمن بها.
لو بدأنا بإدراك أننا في سياق حرب مع الثيوقراطيين، فمن الممكن أن نباشر في وضع خطط عسكرية و سياسية واقتصادية و حتى اجتماعية للتصدي لهذا التهديد، معاً، كما فعلنا في الماضي مع التهديدات الأخرى.
فإذا تمعنا في القرن الماضي فسنجد أن العالم واجه سلسلة من التهديدات المختلفة كالفاشيةّ، والشمولية الاستبدادية والشيوعية وما صاحبها من حرب باردة تم التصدي لها بدراستها كمفهوم واضح وتشخيصها كأيديولوجيات.
يجب أن نتفق على كيفية تعريف الأيديولوجية الجديدة من أجل الوصول لجوهر المشكلة التي نواجهها،
فعند تناول مختلف المجموعات مهما اختلفت تسمياتها مثل الدولة الإسلامية و داعش و القاعدة و ما ينبثق عنها من فرق و كذلك حركة الشباب الصومالية و بوكو حرام وغيرها من الجماعات، وكذلك التي من الممكن أن تنشأ مستقبلاً، نرى أنه لم يتم التعامل مع ما تشكله هذه الجماعات من تهديد بأسلوب ممنهج فجاءت الخطوات التي تم اتخاذها دون فهم و تصنيف استراتيجي ولم يتم تحجيمها بفاعلية.
هذه الجماعات تريد السيطرة على عقول الناس والتحكم بهم هنا في الدنيا و الآخرة. و هم يعزلون أنفسهم ولا يضعون أي اعتبار للعقود الاجتماعية التي تأسست بيننا كمجتمعات. إنهم أناسُ يضطهدون المرأة ويرتكبون المجازر لتصفية من يخالفهم ولا يوافق أو ينتمي إلى أيديولوجياتهم المنحرفة والأسوأ من ذلك أنهم يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية، ساعين بذلك إلى تقييد المنطق والعقلانية في محيطهم .
و في إطار منهجيتهم تقترن الأيديولوجية الدينية و الحكم بقوة السلاح من غير أسس قانونية، وما يدعم ذلك هي المكاسب التي يحوزونها من أنشطتهم الإجرامية وبالتالي يتم تسخير ذلك لصنع كيان حكم مبني على قواعد الوهم ليواصلوا من خلال ذلك الصراع اليائس لسلب الأراضي و فرض سيطرتهم عليها.
ندرك أنهم انتهازيون يستغلون انهمار الفوضى الاجتماعية و السياسية لمنح المُضَللين والمهمشين حس الهدف و القيادة . إن التاريخ سيحكم إذا ما كانت أحداث الشرق الأوسط المتأزمة في 2011 تماثل أحداث برلين في عام 1989 أو بتروغراد في عام 1917. مهما كانت النتيجة النهائية لهذا التحليل، يتضح شيء واحد، هو أنه عندما يكون هناك فراغ بسبب انهيار مؤسسات الدولة، تأتي هذه الأيديولوجيات المتطرفة لتجد لنفسها الثغرة الملائمة لفرض سيطرتها.
إن هذه الجماعات تنشر رسائلها الأيديولوجية عبر عدد من القنوات، التقليدية و تلك التي يتيحها العصر الحديث إلى جانب ما يتم قوله عبر المنابر التي ينصبون أنفسهم عليها، علماً بأنه في الشرق الأوسط هناك وجود لقنوات فضائية لا تعترف بالقيود و القوانين المعمول بها في النظم الغربية، و يحمل بثها تأثيراً أكبر من تأثير الانترنت و هم ينقلون عبرها رسائل متواصلة تنشر التعصب و الأفكار المسمومة التي يلتقطها البعض.
فبينما نسعى لتنظيم النواحي الفكرية و العملية و القانونية للأنشطة الإعلامية و حرية الإعلام الالكتروني، نجدهم يستخدمون هذه المنصات بلا هوادة لزرع الكراهية و عرض أوجه الشر ، و بالتالي فنحن نواجه عدواً يستفيد من أدوات العالم الجديد في مسعاه لتكريس تركة مفاهيم القرن السابع عشر و لذا لن نتمكن من مجابهتهم باستخدام الوسائل القديمة لوحدها بل بإيجاد منظومة جديدة من الخطوات العملية على النطاقين الحديث و التقليدي.
لذلك لا بد من إعادة النظر بشكل ممنهج و شامل و متعمق في طبيعة هذا التهديد لتركيز جهودنا نحو تحقيق هدفنا المشترك بالتفعيل الاستراتيجي لإمكانيات مصادرنا إذا ما أتت مجتمعة و بذلك نتمكن من المحاسبة الفاعلة لهذه الأيديولوجيات الإجرامية التي تضع نفسها فوق مستوى البشر بادعاء أن لديها تفويض إلهي لممارسة الحكم على أسس خاطئة.
مع الأسف، فإننا سنواجه لفترة طويلة هؤلاء الثيوقراطيين الهمجيين الذين لا ينتمون لعصرهم، ولكن الخطوة التالية التي يجب أن نهدف إليها هي أن نفهمهم بشكل واضح و أن نكشف حقيقتهم.
سينحسر مد هذه الجماعات و سيعود و لكن في غضون ذلك لا يجب أن نغفل عن محاربة و هزيمة الأيديولوجية التي يستندون عليها، إلى جانب ذلك يجب علينا التخلي عن مسمى “الحرب على الإرهاب” وتركيز جهودنا على مجابهة تصاعد هذه الثيوقراطيات الفاشية الآثمة.