آراء حرة
عمرو على يكتب :الطريق الى الضبعه “1”
قرار البدأ في إنشاء المحطة النووية في الضبعة والذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي فعليا بإسناد تنفيذه بالأمر المباشر لعملاق الصناعة النووية الروسية ” روساتور ”
هو من وجهة نظري من أهم قرارات الإدارة المصرية في الخمسين عاما الماضية ، وأكاد لا أكون مبالغا إذا قلت أنه بنفس أهمية قرار تأميم قناة السويس وبناء السد العالي في تأثير ذلك على الحياة في مصر ، ويأتي القرار أيضا متخطيا حاجز التردد في البدأ في إستخدام الطاقة النووية السلمية في إنتاج الكهرباء في وطن يعاني من أزمة طاقة خانقة ، ويعلم المسئولين أن كل خطط الدولة في زيادة حجم العمل والانتاج ومضاعفة عدد المصانع يحتاج الى حل جذري لمشكلة الطاقة والتي ستقف حاجزا ضد تلك الخطط الطموحة اذا أردنا فعلا أن ” نقفز ” بمعدلات التنمية ، والا فكل ما يقال دون ذلك ” طق حنك ” كما يقول أخوتنا الشوام .
قرار السيسي ” الجرئ ” قفز فوق روتين خانق وتردد دام عشرات السنين وخوف غير مبرر من مشاكل دولية لا محل لها من الإعراب ، فالكل راهن أن القيادة السياسية المصرية ستنتظر البرلمان القادم لإشراك نوابه في هذا القرار المصيري بالدخول من الباب الواسع لعالم الاستخدام الأمن للطاقة النووية ، لكن الأزمة الحالية للطاقة في مصر وإنتظار الصيف الساخن القادم والأعوام المظلمة القادمة بهذه الوتيرة من إنهيار منظومة الصيانة لمحطات الكهرباء المصرية عبر السنوات السبع الأخيرة .
الوضع إذا أخطر من أن تنتظر القيادة المصرية شهورا إضافية على ما يبدوا ، أو إجراءات المناقصة العالمية كما يطالب الكثيرون من عبدة الروتين المقيت من أجل إستيفاء الأوراق وقولبت الشكل القانوني كما يقولون في جلساتهم المملة ، ضاربين بالحائط كل الإحتياجات المجتمعية لتسريع وتيرة الإنجاز وتخطى تابوهات الروتين التي دفنت أحلامنا سنوات طويلة ، فكان القرار بتسريع الإجراءات والقفز فوق الشكليات والوصول مباشرة للهدف الأهم وهو البدأ في مشروع بناء المحطة النووية المصرية بمنطقة الضبعة بعد أن أكملت القوات المسلحة المصرية خلال الشهور الماضية عمليات تجهيز الموقع لبدأ العمل ، وقفزا عن إجراءات تستغرق على الأقل عامين كاملين من عرض المشروع على برلمان سيأتي خلال شهور ، ثم طرح المشروع بمناقصة عالمية وإجراءات ولجان وتقديم وتقويم حتى إختيار ” الكونسلتو ” الفائز ، مما يدخلنا في دوامة وترف الإنتظار الذي لا نمتلكه حتى تكون المشكلة بلا حل ، خصوصا أن البداية من الأصل متأخرة سنوات سبقتنا فيها دول بدأنا سويا في إبداء الرغبة في الاستفادة بالطاقة النووية وتطبيقاتها السلمية في مجالات الصناعة ، فوصلوا الى إطلاق صواريخ الى الفضاء بينما ظللنا في ” تردد ” إنشاء محطة بحثية نووية صغيرة خوفا من نظام عالمي بنى أسسه على التخويف من الرعب النووي ومخاطر الطاقة الوليدة أنذاك ، بالاضافة الى أن دخول أي محطة لتوليد الطاقة الكهربائية من المنشأت النووية تعني 4 سنوات كاملة وهو ما يعني أن أزمة الطاقة في مصر ستستمر على الأقل لنفس المدة .
تحررت مصر من هذا التردد القاتل بقرار السيسي بإسناد المشروع برمته لعملاق الطاقة النووية الروسية روساتور بالأمر المباشر ، ليستعد المشروع للبدأ في التنفيذ خلال شهور قليلة ، ومتماشيا مع مناسبة زيارة الرئيس الروسي بوتين للقاهرة خلال الأيام الحالية ، ولكن يخطئ من يظن أن القرار جاء نتيجة لزيارة بوتين للقاهرة في هذا الظرف التاريخي الهام ، ولكنه قرار أتخذ من قبل وتم الإعلان عنه بمناسبة الزيارة ، وإختيارات القيادة السياسية المصرية لروساتور لتنفيذ المشروع يأتي من منطلقات عديدة ” ووجيهة ” يأتي أولها للتجارب السابقة لدول حتى في المنطقة العربية والشرق الأوسط لولوج عالم المحطات النووية وتوليد الكهرباء منها ، وأقصد دولة الأمارات العربية المتحدة والتي أصبحت الرائدة عربيا في إعلان خطة طموحة لإنشاء سلسلة من المفاعلات النووية لأغراض توليد الطاقة الكهربائية ، وقررت أبوظبي الحصول على مفاعلاتها الجديدة من كوريا الجنوبية والبدأ فيها بشكل متتالي في العامين 2017 و 2018 ، بسبب أنها أرادت تأمين الحصول على التكنولوجيا والمواد والمعدات الأمريكية، ووافقت أيضاً على التخلي عن تخصيب اليورانيوم من خلال التوقيع على ما يسمى بـ “الاتفاق 123″ بناءً على طلب من واشنطن ، مما جعل مسألة الإستمرار في عمل تلك المنشأت مرهونا بالعلاقات مع الولايات المتحدة ، وهي في أقل درجات التعاون الأن خصوصا أن دول الخليج والإمارات خاصة تنظر بريبة للتقارب الأمريكي الإيراني الحالي ، والظاهر في ” التطنيش ” الذي يحدث من الجانب الأمريكي على النشاط النووي الإيراني والموجه أيضا لدول الخليج ، وهو ما جعل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية يقول للمبعوث الأمريكي الخاص دنيس روس في ابريل 2009 إنه ” إذا إمتلك الإيرانيون سلاحا نوويا سنمتلك سلاحا مماثلا ” ، خوفا من الذي كان يبدوا من وقتها للإتفاق الأمريكي الإيراني ، والمعطيات تلك والمخاوف ظلت مستمرة وإنتقلت للجانب المصري بعد الموقف الأمريكي بعيد ثورة 30 يونيو ، مما يجعلني أقول وبضمير مرتاح أن مواقف أمريكا هي السبب الرئيسي في إرتماء مصر في أحضان الدب الروسي للبدأ في مشروع المحطة النووية بالضبعة .