كتاب 11
«خلية» الجزيرة
قضية صحافيي «الجزيرة» الذين «كانوا» محبوسين على ذمة قضية ما يعرف مصرياً بـ «خلية ماريوت» تحوّلت من مجرد قضية ينظر فيها القضاء إلى نموذج تتداخل فيه مصالح دول، وتشابك أجهزة استخبارات، وتعقد مفاهيم إعلامية، ودروس في صناعة النجوم، وأدلة على أن العالم لم يعد قرية واحدة صغيرة، بل لعبة واحدة كبيرة.
القضية المتهم فيها نحو 20 صحافياً والذين تراوحت الأحكام الصادرة بحقهم بين البراءة والسجن والغرامة ينبغي أن تدرس في كليات العلوم السياسية، وتدمج في مناهج تكتيكات إدارة الأزمات وفي دورات صناعة النجوم. فبينما رأى قضاء مصر أن المتهمين استغلوا العمل الإعلامي في غير غايته، وحوّلوه من مهنة البحث عن الحقيقة إلى تزييف الحقيقة، حيث وجهوا عملهم ضد الوطن، فجمعوا التسجيلات وتلاعبوا فيها، فخرجوا بمادة إعلامية تبث على قنوات فضائية لخدمة جماعة إرهابية، رأت قناة «الجزيرة» المعروفة بدعمها لجماعة «الإخوان» أن قضية صحافييها «مسيسة» وأن المتهمين نفوا التهم عن أنفسهم وأكدوا أن لا علاقة لهم بأي جماعة إرهابية، وأنهم اعتقلوا «وهم يؤدون واجبهم المهني في تغطية الأحداث التي شهدتها مصر بعد الانقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي».
وبينما مصر والمصريون يواجهون فيضاً من مشكلات وسيلاً من إرهاب ونقصاً في سبل إدارة الأزمات، كانت المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية والجمعيات الصحافية تصدر البيانات التنديدية والكتابات الاعتراضية على الأحكام والإجراءات المصرية مطالبة السلطات بالإفراج الفوري عن الصحافيين معتبرة إياهم أبرياء من تزييف الحقائق وتغيير الوقائع.
هاشتاغات «تويتر» مع تدوينات «فايسبوك» وإشاراته، إضافة إلى وسائل إعلام دولية ووكالات أنباء عالمية وقنوات حفلت بتغطيات عن «الظلم الواقع على صحافيين أبرياء». ولمن يهوى التعرف إلى عالم صناعة النجوم، وصل الأمر إلى درجة أن «ويكيبيديا» تحوي معلومات «مرجعية» عن صحافيي الجزيرة «الأبرياء».
وبين مناشدة قادة دول ومطالبة وزراء دول أخرى بالإفراج عن الصحافيين الذين باتوا في نظر العالم أبرياء من دون النظر إلى مجريات القضية، فإن هذه المجريات لم تهم قط سوى مصر والمصريين من غير «الإخوان»، إذ لم تعد القضية اتهامات موجهة، ودفاعاً، وأدلة، بل أصبحت دولة في مواجهة دولة أو بالأحرى دول، وحروب قنوات فضائية، واختلاق أجواء افتراضية، وصناعة نجوم إعلامية تحولت أممية.
وتكتمل المنظومة بقضايا الجنسية، إذ أدى القرار الجمهوري اطلاق الصحافي الأسترالي بيتر غريستي وأقاويل تنازل زميله المصري الكندي محمد فهمي عن الجنسية المصرية للحصول على إفراج استثنائي إلى مزيد من البالونات والجدليات الإعلامية، فتحولت إلى حرب مستعرة بين باكين على جنسية مصرية تجبر صاحبها على الانصياع لأحكام القضاء، وأخرى غربية تكفل الإفراج طالما هناك واقع افتراضي وفضاء دولي.