كتاب 11
مصر والسعودية في عهد سلمان بن عبد العزيز
لا يخفى حجم الحزن الذي يعتصر قلبي على رحيل خادم الحرمين الشريفين المغفور له بإذن الله تعالى الملك “عبد الله بن عبد العزيز”، وهو حزن يشعر به المصريون جميعا ، فالراحل كان له مكانة خاصة في قلوب المصريين ، فلم يحدث أن شغل أحد هذه المكانة في قلوب المصريين مثلما شغلها الملك عبد الله بن عبد العزيز، الراحل لم يترك فرصة دون أن يعبر عن محبته لمصر ودفاعه عنها لذلك ليس غريبا حجم الحزن الكبير الذى ملأ قلوب ملايين المصريين عندما بلغهم نبأ وفاة الراحل طيب الله ثراه.
من ينسى رسالة الراحل “عبد الله بن عبد العزيز” يوم الثالث من يونيو الماضى إلى العالم كله وإلى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” فور انتخابه رئيسا لمصر والتي جاء فيها: “إننا من مكاننا نقول لكل الأشقاء والأصدقاء فى هذا العالم إن مصر العروبة والإسلام أحوج ما تكون إلينا فى يومها هذا من أمسها، ولذلك فإنى أدعوكم جميعا إلى مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها فى تجاوز أزمتها الاقتصادية، وليع من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب، أنه لا مكان له غدا بيننا إذا ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات” وكانت نتيجة دعوته المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ المقرر انعقاده من 13 الى 15 مارس المقبل .
ما يدعو للإعجاب في ظل أجواء الحزن هذه عبور الشقيقة المملكة العربية السعودية الاختبار الصعب، والذي تمثل في انتقال السلطة بهدوء إلى الملك “سلمان بن عبد العزيز”، وما تبع ذلك من سلسلة قرارات تعيد ترتيب البيت السعودي وتقطع الطريق على قوى الشر في الداخل والخارج المتربصة بالمملكة ، فالصحافة العالمية تحدثت عن خلافات وصراعات على السلطة داخل الأسرة المالكة، فجاءت الصفعة قوية بأن الأمور تسير بسلاسة ، بفضل عبقرية الأسرة المالكة في قطع الطريق على المرجفين في المدينة وشياطين الإنس والجن في العالم ، عين الملك سلمان رئيسا جديدا للديوان الملكى، لرئيس الديوان السابق “خالد التويجرى” الذي ورث المنصب عن أبيه “عبدالعزيز التويجرى”.
رئيس الديوان الملكى الجديد هو الابن الأصغر للملك الجديد، هو الأمير” محمد بن سلمان”- 35 عاماً- فضلا عن تعيينه وزيرا للدفاع ، الأهم هو تصعيد واحد من الأحفاد إلى موقع ولي ولي العهد هو الامير “محمد بن نايف بن عبد العزيز” ( ومنصب ولي ولي العهد استحدثه الراحل الملك “عبد الله بن عبد العزيز” حين عين الأمير “مقرن بن عبد العزيز” والذي أصبح وليا للعهد، يحدث هذا للمرة الأولى في تاريخ الدولة السعودية الثالثة منذ تأسيسها- على مساحة ضغرة في العاصمة الرياض وما حولها- عام 1902م، ولي ولي العهد هو أكبر تغيير يحدث خاصة وأن الامير “مقرن بن عبد العزيز” هو الابن الخامس والثلاثين للملك “عبد العزيز” وبالتالي سيكون منطقيا تصعيد الجيل الثالث من أحفاد الملك المؤسس إلى موقع الولى الثانى للعهد، مع احتفاظ الأمير “محمد بن نايف” بمنصبه وزيرا للداخلية، وهو المنصب الذي اقترن- طوال عدة عقود- باسم والده الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز. وبهذا التعيين يكون الأمير محمد بن نايف قد قطع الطريق على من ينفخون في الهشيم لتأجيج الصراع على السلطة في المملكة.
هذا الجيل الجديد من النخبة الحاكمة في المملكة العربية السعودية يتمتع بخبرات في ممارسة العمل العام فضلا عن تمتعهم بقدر كبير من التعليم داخل المملكة وخارجها ، ويتميزون بالتواضع الجم ، في عام 2003 كنت موفد قناة أبو ظبي لتغطية الحج ، وسألت الراحل الامير “نايف بن عبد العزيز” وكان وزيرا للداخلية في مؤتمر صحفي على هامش الاستعدادات الامنية عن الحملة الامريكية ضد المملكة،وأجاب عن السؤال باستفاضة، بعدها تمت دعوتي ضمن الوفود الإعلامية لمقابلة الراحل الملك فهد في قصر بمشعر منى، لتكريم الوفود الإعلامية في حفل عشاء ،تحدثت مع بعض الأمراء فوجدت أناسا في منتهى التواضع، أشادوا بتغطية قناة ابو ظبي للحج ، الابتسامة لا تفارق محياهم ، ويجيبون على كل الاسئلة دون حرج.
هذا الجيل الجديد قادر على إدارة شؤون المملكة بحكمة مثلما أدار الراحل “عبد الله بن عبد العزيز” شؤون المملكة لعقد من الزمان، حين تولى الملكً بعد رحيل أخيه الملك فهد عام 2005م، قبلها كان يدير المملكة أثناء مرض الراحل فهد الذي دام لعشر سنوات، كانت العلاقات المصرية السعودية في أوج مجدها وساد نمط دائم من التنسيق والتعاون، وحين سقط مبارك عقب ثورة 25 يناير 2011 توترت العلاقات السعودية- الأمريكية حيث كان الرئيس الامريكي باراك أوباما يريد التخلص من مبارك.
وقف الملك الراحل عبدالله في وجه إدارة أوباما بعد ثورة 30 يونيو 2013م في مصر، وأيد إرادة الشعب المصري في التخلص من الإخوان الذين كانوا إداة في يد أمريكا لتقسيم وتفتيت المنطقة، مات الملك عبدالله وعلاقات مصر- السعودية في أحسن حال ، كما أن علاقات القاهرة وواشنطن ليست على ما يرام في ظل دعم إدارة اوباما للإرهاب ، ربما تسعى إدارة أوباما فيما تبقى لها من شهور معدودة استغلال الأوضاع الجديدة في المملكة، وتحاول التفريق بين سياسات الرياض والقاهرة لكن هذا لن ينطلي على القيادة الجديدة في المملكة فقد سبق وقال الملك سلمان بن عبد العزيز إن مصر عمود الخيمة ، وتبقى أمام القيادة الجديدة في المملكة مجموعة من التحديات في سوريا، والعراق، ولبنان، والبحرين، واليمن، والعنصر الفاعل – في كل هذه التحديات- هو إيران، التي يمتد نفوذها ليحاصر المملكة من كل الاتجاهات، باستثناء الجهة الغربية حيث مصر الحليف الأقوى للمملكة لذا سيستمر التحالف المصري السعودي ، لمواجهة إيران وتركيا وإسرائيل والحفاظ على الأمن القومى العربى.