كتاب 11

07:58 مساءً EET

مصارحة شكلية مع الرئيس؟

هناك فجوة لا تخطئها عين مراقب بين ما يتفوه به الرئيس وبين ما يتحدث به معاونوه من التنفيذيين والوزراء، فهل يمكن ان نصارح الرئيس ويصارحنا؟ لماذا؟ وكيف يمكن تجسير هذه الهوة السحيقة بين لغتين مختلفتين ربما تلك الهوة هي السبب في بطء التنفيذ رغم إصرار الرئيس على إنجاح تجربته. ومن المسؤول شكليا عن خلق حالة ضبابية لا تتضح معها لا الأدوار ولا المسؤوليات ليس في قطاع الدولة فقط بل في المجتمع بأسره.

أتيحت لى فرصة الاستماع المباشر في ابوظبي للرئيس عبدالفتاح السيسي وهو يقول أن الهدف الاستراتيجي لفترة ولايته هو ” حماية الدولة المصرية ” واستطرد في شرحه، وهذا هدف يوحي بأننا امام رجل يعرف أن يفرق بين الهدف الاستراتيجي والمراحل التكتيكية للوصول الى الهدف، وشرح الرئيس السيسي لعدد من الصحافيين الجالسين على جانبيه الأهداف الأربعة من زياراته الخارجية الخمسة لإيطاليا وفرنسا والصين والكويت والامارات بعقل منظم ًبكلام غير مكتوب لم اسمعه من رئيس مصري قبله، اذ قال: ان الهدف الاول هو شرح مصر الجديدة للعالم والثاني هو إغراء الدول بالشراكة والمشاركة في مؤتمر الاستثمار في مصر الذي سيعقد في مارس في شرم الشيخ وثالثا الترويج للسياحة ورابعا الشراكات الاستراتيجية والأمنية .
وقبل ان افتح موضوع مصارحة الرئيس دعني اعلق على شكل لقاء الرئيس بالصحافيين الذين كانوا في رفقته والذي حضرته بالصدفة حيث كنت مدعوا لذات المؤتمر في ابوظبي بدعوة كريمة من صاحب السمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الامارات.
أولا من حيث الشكل جلس الصحافيون ولم يتحدث اليهم احد حول قواعد اللقاء ، هل كله للنشر أم جزء منه، هل هو لقاء off the record أم on the record وكانت هناك كاميرا تصور ولم يعرف احدا هل هذه كاميرا توثيق من الرئاسة أم انها تنتمي لتلفزيون الدولة ام تلفزيون خاص الى اخره، ولم يكن في اللقاء فقط صحافيين بل كان هناك مالكي القنوات مما يخلط بين الملكية والتحرير وهذه سابقه لم نعرفها من قبل في اي مكان في العالم. النقطة هنا هي غياب الاحتراف في تحديد قواعد اللقاء . تحدثت واحدة من الصحافيات بإسهاب مع الرئيس في موضوع لايصب فيما طرحه الرئيس كجملة افتتاحية. ومع ذلك لسؤالها وجاهته لو كان مع وزير لا مع رئيس دولة. ثم طلب صحافي اخر ان يقوم صحفي اكبر سنا وخبرة بإدارة الحوار، ولا تحفظ لدي ولكن الفكرة هي ان قواعد اللقاء كانت عفوية وفي اللحظة مما يوحي بسوء تنظيم أدي بلقاء مهم مع الرئيس ان يفشل بامتياز لدرجة انه طال وتحدث احد الوزراء بإسهاب وكأنه في ديوان وزارته حتى جاء الوزير المضيف والمرافق للرئيس ليقول ان الرئيس لديه مع موعد اخر مع سمو الشيخ محمد بن زايد وانه سيسافر بعدها، وخرج الرئيس بعدها مباشرة. ضاع الوقت بين وزراء يتحدثون في تفريعات يمكن قولها في اي مكان اخر وبين صحافيين يقدمون توصيات سياسية للرئيس وإجابات لا أسئلة . بصراحة كان تنظيم اللقاء لا يليق لا برئيس مصر ولا بوقته.  وهذه بداية المصارحة لو مرت أو ( عدت كما يقولون بالبلدي ) قد استطيع ان اكون اكثر صراحة في المضمون. 
ولكني وتوخيا للحذر سأستمر في هذا المقال في الحديث عن الشكل الذي قد يكشف شيئا عن المضمون  وكما ذكرت لو مر نقد الشكل قد اتحدث في مقال آخر في نقد المضمون.
بداية، تواصل الرئيس السيسي مع الاعلاميين بأسمائهم الاولى بتواضع جم وأريحية مما أعطى في تصوري بعض الصحافيين انطباعا وهميا بأنهم شركاء في صناعة السياسات ونسوا دورهم في أنهى ينوبون عن المواطن في طرح الأسئلة التي يبحث الناس لها عن اجابة. هذا التواصل المهذب هو مثال على ان المقاصد النبيلة تأتي احيانا بعكس المرجو منها فبدلا من وضوح الأدوار وتحديدها بين دور الصحافي ودور السياسي عمت حالة من الضبابية على مسؤولية الطرفين، وهذه وصفة  بلبلة لا وصفة نجاح. وظيفة الصحفي هي توصيل المعلومة وتفسير ما يقوله السياسي من خلال إعطاء الإجابة سياقات تفهم منها.
 
تحدث الرئيس إلى الاعلاميين على انهم شركاء في بناء إجماع وطني وأنهم الأسمنت الذي يؤدى الى تلاحم الكتلة المصرية من اجل المستقبل لتحقيق أجندة الرئيس السياسية، وهنا علينا ان نصارح الرئيس بأن هذا الطرح يكشف عن خطأ جوهري في ادارة المرحلة القادمة ودور الاعلام فيها. أولا بناء كتلة حرجة من المصريين تدعم التوجه الاستراتيجي للرئيس ليس وظيفة الاعلام بل من صميم السياسة وهناك مائة طريقة لبناء هذه الكتله قد يكون للإعلام دور فيها ولكن دوره لا يزيد عن الشرح والتفسير ولا نزيد نسبته عن 10% من العمل المطلوب سياسيا لا إعلاميا .
وهناك ملحوظة هامشية يجب ان اذكرها هنا وهي ان الدراسات الأولية لمدى مصداقية الاعلام بعد ثورة يونيو تناقصت كثيرا حتى عن الاعلام ايام مبارك وان وسائل التواصل رغم ما بها من نميمة تتمتع بمصداقية اكثر من الصحيفة والتلفزيون في المنطقة العربية عموما ومصر خصوصا .
واضح أن هناك من أعطى الرئيس فكرة مبالغ فيها عن دور الاعلام وقدرته على التأثير في المجتمع بعد ثورتي يناير ويونيو، وهنا لا اعني بمن أعطى فكرة للرئيس بمعنى شخص أو مؤسسة رغم انه وارد ولكن وارد ايضا ان الفكرة المغلوطة هذه تبلورت نتيجة لان الاعلام وفي غياب برلمان أخذ دور البرلمان وفي غياب سياسات واضحة نصب الاعلام نفسه صانع سياسات وناقد لها في ذات الوقت وهذا الظرف الاستثنائي ربما خلق في ذهن الرئيس هذا الدور المبالغ فيه لأهمية الاعلام . فبدا خائفا من الاعلام مخاطبا وده وكأنه برلمان يمثل الشعب لا قنوات فضائية وصحف ثمثل مصالح من يملكونها، مصالح في الحقيقة تتناقض مع جوهر استراتيجية الرئيس السيسي .
على الرئيس ان يراجع هذا الخوف غير المبرر وفكرته المغلوطة عن الاعلام على انه قادر على تهدئة الناس او تهييج مشاعرهم. ما يهدئ نفوس الناس وما يؤجج المشاعر هو السياسات وليس الاعلام سيدي الرئيس.
استمراراً لنقد الشكل كان وجود ملاك القنوات يوحي بأن الاعلام المصاحب للرئيس هو اعلام رجال الاعمال باستثناء الصحف القومية المتمثلة في الاهرام والأخبار والجمهورية وحتى هذه الصحف لها ارتباطات مع اعلام رجال الاعمال من حيث ان الصحافي اما يعمل معدا للبرامج او مذيعا ليحسن دخله. إذن يمكن تلخيص مبالغة الرئيس في دور الأعلام على انها ايضا مبالغة في دور رجال الاعمال.
نموذج مرسي كان مغريا لبعض رجال الاعمال عندما أصبحت وكالة الأناضول هي وكالة اعلام الاخوان الموازي لإعلام الدولة، هناك الان بين رجال الاعمال من يسول له خياله بانه سيصبح وكالة أناضول الرئيس السيسي.
رجال الاعمال لا يفعلون شيئا بدون مقابل، فعندما يذهبون بطائراتهم الخاصة مع الرئيس فهذا ليس لمصر بل لجيوبهم، وعندما يركب الصحافي في طائرة خاصة لابد وانه يعرف ما الثمن المطلوب ضمنيا.
هذا في نقد الشكل اما المضمون فله مصارحة في مقال خاص.
اما زيارات الرئيس الخمسة ونشاطه في الترويج لمصر وحديثه كلها توحي باطمئنان اننا مع حالة رئيس فاهم جداً ولكن الأمور حوله تدار بطريقة هواة ينقصها الكثير لترقى الى مستوى فكر الرجل. اعرف ان هذا سيكسبني عداوات مع تنفذيين بهم الكثير من المكر والدسائس ولكن لا مصالح لي عند أحد، فقط اتمنى لتجربة الرئيس السيسي التي وصفها بانها مرحلة انتقالية لإنقاذ مصر كل النجاح، فجميعنا في ذات المركب وليس لدينا رفاهية الفشل أو التجريب . سيدي الرئيس لكي تنجح التجربة مطلوب إرساء قواعد واضحة للعمل بشكل احترافي وليس الترتيب في التو واللحظة كما رأينا في اللقاء الصحفي في ابوظبي. 

التعليقات