آراء حرة
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: طوابير الموتى
في نيجيريا، عليك أن تقف حول نصب الوطن متأبطا سلاحا من خشب في انتظار مدد لا يجيء وعدو لا يهاب، فإذا رفعت يديك بخرقة بيضاء لتؤخر عقارب الموت الصاعدة نحو نحرك، فأنت والعدو سواء. والبشرة في نيجيريا ليست دليل ولاء، ولا الزي ولا الكاب حدود وطن.
فالكل يقتل باسم إله لا يسمع ولا يفهم لغة الإشارة. والكل يتاجر بالدماء بغض النظر عن قرمزيتها وانتماءاتها المخجلة.
الموت في نيجيريا يأتيك من الصدر أو الخلف، لكنه في الحالتين يأتيك بغتة، وفي الحالتين يأتيك من شريك بؤس انتزعت منه حقوق المواطنة والآدمية. فما عليك وأنت تحمل شارة الموت فوق كتفيك إلا أن تحوقل احتفاء بقابيلك المنتظر. ولن تغنيك بارودتك الصدأة ولا استغاثاتك البائسة من يد القدر، فالموت في ميادين نيجيريا المتمردة التعسة الباردة كلها إيمان وقضاء وكدر.
في انتظار متمردي بوكو حرام، ظل الواقفون على حدود التعاسة يستغيثون بقادة الجيش طالبين المدد، فلما تأخر السلاح والجند، شبك المنكوبون أصابعهم خلف أقفيتهم وأداروا ظهورهم للمتمردين. وفي لمحة قهر، سقطت البلدة التي حفروا أخاديدها الموحلة، وسقط منهم خلق كثير دون أن يأبه لجماجمهم السوداء أحد. وسرعان ما تلونت ميادين التعاسة بالأسود والقاني حتى بسطت سجادة بؤس فوق رقعة كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان.
وفجأة، أز الرصاص من الجهة المقابلة، فخر من تبقى من المحاربين العزل على ركبهم في انتظار صافرة اليأس، ولم يصدق الفارون بظهورهم أنفسهم حين ناداهم رفاق السلاح الصدئ أن ارفعوا رؤوسكم عاليا أيها نيجيريون. لكن الرؤوس التي علاها سواد الخجل لم يقدر لها أن ترفع طويلا في واقع نيجيري بائس. فسرعان ما قضت محكمة عسكرية عرفية بإلحاق من تبقى من الجند بمن رحل بتهمة الخيانة وتدنيس سمعة الجيش. وهكذا وفر رجال بوكو حرام رؤوس أربعة وخمسين جنديا في ريعان جهالتهم لقضاة الحي الذين يمتلكون الرصاص الحي الذي تأخر طويلا عن جنود ظلوا يدافعون دهرا عن حدود يجهلونها.
لا فرق أيها النيجيريون البسطاء بين موت الأخاديد وموت المشانق، فللموت طعم واحد ومرارة واحدة. ولا فرق إن خرجت الروح من القدمين أولا أو استلها حبل مشدود حول الأوردة في غمضة يأس. ولا فرق أيها الواقفون في طوابير الموت بين عشماوي وآخر، فكل البغاة ملة واحدة وإن حمت الدساتير بعضهم وجرمت البعض. وويل لمن آمن بالشارات وصدق الموازين التي تميل حيث مالت الرتب وثقلت النياشين.
ربما يستطيع “فيمي فالانا” محامي الدفاع أن يؤخر عقارب الموت المنتظر قليلا، وربما يؤجل مهمة عشماوي المؤكدة هنيهة، لكنه لن يستطيع أن يضمن بقاء الرؤوس فوق أكتافها طويلا طالما استمرت الحرب الغبية بين قابيل الوطن وهابيله. ولن يستطيع قانون أن يحمي مواطنيه بسلاح من خشب، وجنود من ورق يدافعون عن نياشين ليست لهم وخنادق لا يعرفون سببا لحفرها حول تخوم وطن لا يشعرون نحوه بأي عاطفة.
ولن تضع الحرب في نيجيريا أوزارها طالما استمرت لعبة الغباء المتوارثة بين قادة فاسدين ومتمردين فاشلين. ولن يتمكن المواطنون الطيبون في بلاد السواد من رفع رؤوسهم عاليا طالما تحكمت في أوردتهم محاكم هزلية تحدد بكل نزق مواعيد الحرب وأمد الاستنزاف وساعة الاحتضار.
Shaer129@me.com